القاهرة 02 مايو 2020 الساعة 05:46 ص
د. محمد السيد إسماعيل
حين تراه سوف ترى شابا واضح السمرة شديد النحول – لكن ليس عن ضعف أو هزال – متوسط الطول كأغلب شباب مصر ، لاتستطيع أن تخطىء مصريته الخالصة كأنه مخلوق من طمى النيل المبارك أو كأنه مقدود من جبال مصر الطاهرة ، توحى نظراته بالوداعة وبقوة الإرادة والتصميم والشهامة المصرية ، تشعر أنه ابن " بلد " كأنه أخوك أو ابنك ، تألفه وتحبه من الرؤية الأولى ، إنه الشهيد الجندى على على السيد ابن الدقهلية الذى طلب – بنفسه الانتقال إلى شمال سيناء طلبا للشهادة التى سعى إليها سعيا كأنه يسعى إلى عروس جميلة وهو ابن العشرين سنة ، هكذا كان على يقين من تلك الشهادة حين قال لأمه وهو يودعها :" انت متلك ست عيال فى القبر وأنا هبقى السابع بس هكون شهيد ،أنا نفسى أموت شهيد " وقالت أمه إنه طلب الشهادة مرتين واحتضنها بقوة آخر مرة قبل سفره إلى شمال سيناء كأنه كان يعرف أنه الوداع الأخير ، هكذا يكون الأنقياء وهم على مشارف الموت أو الشهادة وتقول أم هذا البطل الأسطورة مفاخرة بابنها ومعتزة بما قدمه " أنا ربيت بطل لمصر مؤمن بالله وموحدا به " قالت هذا بين جموع المعزين والمودعين لهذا البطل والذين شيعوه بالآلاف فى موكب مهيب ، وكانت هذه الأم البطلة الصابرة تقول هذا وهى تضع الكاب العسكرى على رأسها وتلتف بعلم مصر .
فمن هو هذا البطل ؟ ولماذا لقب بالأسطورة ؟ إنه الشهيد على على السيد الذى جعل من جسمه ساترا يحمى به مجموعة الصاعقة التى ينتمى إليها وتلقى ستين طلقة فى ظهره قبل أن يسقط شهيدا مضرجا فى دمائه الطاهرة التى قدمها طائعا فداء لمصر ولأمنها وسلامها وحفظها من أيادى التكفيرين السوداء التى شوهت الدين وسعت إلى تخريب الوطن ." على على السيد " لم يتردد حين رأى رشاش الدواعش متعدد الطلقات يتوجه إلى مجموعته من جنود وضباط الصاعقة فجعل من ظهره ساترا لهم وكان ذلك فى السابع من شهر يوليو عام 2017فى المعركة التى وقعت أحداثها الدامية فى منطقة مربع " البرث" – وهى اسم إحدى القرى – فى جنوب رفح وذلك حين وقف بمفرده فى وجه الزحف الأسود لمجموعة كبيرة من الإرهابيين الدواعش أدعياء الدين وخونة الأوطان .وكان رغم إصابته الكبيرة فى إحدى قدميه حريصا بكل همة وبطولة على أن يعمل على إنجاز إخلاء الشهداء والمصابين من زملائه وإخفائهم عن أعين الإرهابيين ومنعهم – أى هؤلاء الإرهابيين – من الوصول إلى أعضاء كتيبته لأنه كان على يقين أن وصولهم كان لايعنى سوى القضاء على مجموعة الصاعقة بكاملها والتمثيل بجثثها . انظر إلى صورته جيدا ستراه مبتسما محبا للحياة لكن هذا لايعنى حرصه عليها بأى صورة وخوفه من الموت إذا وجب دفاعا عن الوطن واسقراره وأمان المصريين جميعا : مسلمين ومسيحيين ، إنه يواجه الموت وجها لوجه دون خوف أو تردد وكأنه يتمثل قول الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى فى قصيدته عن تحرير جزيرة شدوان من الاغتصاب الصهيونى :" الموت /كنه أنت / فهو فتى فى مثل سنك يرتدى نفس الثياب / أخرج له وجها لوجه / من من الموتين يغلب / من يذود عن الحياة " فمواجهة الموت هو ذود عن الحياة ، هكذا أدرك البطل الأسطورة " على على السيد " ابن مصر الخالدة والآمنة دوما بإذن الله ، إن الموت هنا – الذى هو شهادة حقة – أمر مرغوب فى سبيل حياة حرة وكريمة لاتعرف حقد التكفيريين .فالقتال هو – فى حقيقته – قتال من أجل الحضارة المصرية الإنسانية التى لاتعرف التعصب الدينى أو العرقى وتضم الجميع تحت ظلالها الوارفة ، وتأمل – مرة أخرى – ابتسامة بطلنا الأسطورة على على السيد وستجد أنها تذكرك بقصيدة الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور عن زهران الذى أعدمه الإنجليز فى دنشواى والذى مات وعيناه حياة : " كان زهران محبا للحياة فلماذا قريتى تخشى الحياة " إن بطلنا هو امتداد لشهدائنا الأبرار على مر التاريخ الذين بذلوا دماءهم فداء للوطن .