القاهرة 31 مارس 2020 الساعة 01:47 م
قراءة : أشرف قاسم
لا شك في أن أصعب أنواع الكتابة هو الكتابة للطفل، وتوجيهه نحو الصواب ، وتقويم سلوكه دون تسلط وتثقيفه بتلك الثقافة التي تنمي قدراته وتوسع مداركه، خصوصَا وأن الطفل في هذه السن الصغيرة يكون لديه الاستعداد الفطري لتقبل كل جديد والتفاعل معه، من خلال خياله الواسع الخصب الذي لم يلوث بعد، ولذا من الضروري لكل من يتصدى للكتابة للطفل أن يراعي كل هذا وأن يقترب من وجدان هذا الطفل بإبداعه.
عن الهيئة العامة لقصور الثقافة صدر مؤخرًا ديوان "يا أمتي" للشاعر المبدع نجاح سرور وهو ديوان للأطفال، يحمل بين دفتيه غذاء روحيًا وجماليًا يتوجه به إلى الطفل بأسلوب سلس طيِّع، ولغة رقيقة عذبة.
اهتم الشاعر في نصوص ديوانه اهتمامًا كبيرًا بغرس القيم الأخلاقية العليا والفضائل في نفوس أطفالنا كالانتماء وحب الوطن والقراءة والوعي والثقافة والتعليم وحب الجار وفعل الخير وغيرها من القيم التي تبنى عليها حياة الشعوب، فمنذ قصيدته الأولى يفخر ويباهي بمصريته فيقول:
أنا مصري.. أنا مصري
بلادي مبعثُ الفخرِ
ونيلُ الله في أرض
الكنانة بالهدى يجري
أنا قلمٌ أنا دفترْ
أنا دِينٌ أنا أزهرْ
أنا غصن الهدى الأخضرْ
أرفرف معلنًا نصري
أنا مصري.. أنا مصري ص5 – 6
يصوغ الشاعر أفكاره وأحاسيسه بخيال طفل وبأساليب فنية تجمع بين الإبداع والبساطة التي يستطيع الطفل من خلالها أن يتجاوب مع النص ورسالته التي يحملها ، فهو لكي يحث الطفل على القراءة مثلا نجده يقول له:
اقرأْ اقرأْ يا محمودْ
في علم الله المعبودْ
نور مِن ربي ممدودْ
وملائكة الله شهودْ
* * *
فكِّرْ في مُلكِ القيُّومْ
واقرأْ آدابًا وعلومْ
لو في بحر العلمِ تعومْ
ترقى ترقى دون حدودْ. ص23 – 25
يُعرِّجُ الشاعر في ديوانه أيضًا على مناسباتنا الدينية كقدوم شهر رمضان أو موسم الحج وعيد الأضحى وغيرها من المناسبات التي يحتفي بها المسلمون، يقول عن شهر رمضان :
شهر صيامٍ شهرُ قيامْ
شهرُ وِصالٍ للأرحامْ
فيكَ الرحمةُ بالأيتام
فيك سُموٌّ بالإنسان.ص52
كما يهتم الشاعر – وهو معلم بالأساس – بالسلوك الخلقي للطفل، من خلال توجيهه إلى الخير والحق والجمال، فنراه يوجه الطفل إلى محبة الجار فيقول:
سلام الله يا جاري
قريبٌ أنتَ مِن قلبي
فقد أوصى بك الباري
نقدم خالص الحُبِّ ص7
وإلى حب الآخر فيقول:
إني أحبكَ يا أخي
أكرِمْ بِحُبٍّ راسخِ
حبلُ المودةِ بيننا
لا ينثني.. لا يرتخي ص43
وإلى محبة اليتيم والعطف عليه فيخاطبه قائلًا :
يا صديقي يا يتيمُ
حَسْبُكَ الله الرحيمُ
أنتَ عندي مثل نفسي
أو أشقائي تماما ص58
وإذا كانت القيم الجمالية لا تقل أهمية عن القيم الخلقية فإننا نجد الشاعر يغرس تلك القيم الجمالية أيضًا في نفوس الأطفال بأسلوب سلس بسيط كما فعل في قصيدته الجميلة "بين أزهار الحديقة" التي جمع فيها كل الأزهارمتأملًا جمالها وهذا يعد توثيقًا لعلاقة الطفل ببيئته التي يعيش فيها بأسلوبٍ غير مباشر لتعزيز قيم الولاء والانتماء لدى الطفل لتلك البيئة التي يعيش فيها:
بين أزهار الحديقة
شقَّ جدولُنا طريقه
ترتوي منه الورودُ
والشجيراتُ العتيقةْ
* * *
بسمة الأزهار حالة
كي تعلمنا رسالة
كل زهرٍ فيه حبٌّ
عانقَ الغصنُ شقيقَه. ص83 – 85
وفي النهاية لا يسعني إلا أن أحيي شاعرنا نجاح سرور على هذا العمل الجاد الذي يستحق كل الاهتمام والتقدير.
نشر بجريدة الزمان صفحة سماء عربية الجمعة 20 ديسمبر 2019