القاهرة 31 مارس 2020 الساعة 11:18 ص
بقلم: د. هبة سعد الدين
استطاع الفنان الراحل جورج سيدهم أن يضحكنا ويبكينا فى آن واحد، فالذين ضحكوا كثيرا على أدائه وكلماته وشخصياته لم ينسوا قط بكاءه على ابنه "صميده" الطفل فى فيلم "كرامة زوجتى" للمخرج فطين عبد الوهاب، والذي أبدعته ريشة الرسامة "نادية" الشهيرة بالفنانة شادية في لوحة الطفل الباكى، لتتوالى المشاهد عبر أكثر من ثلاثين عاما ما بين الضحك والبكاء من خلال كافة أعماله المسرحية والسينمائية والتليفزيونية والإذاعية فأقدر الممثلين الذى يمكنه أداء المشاهد ذات الشجن هو "الكوميديان" لأن أصعب المهام أن تضحك شعباً "ابن نكتة"، ذلك ما أثبته بجداره "صميده" الجرسون الضاحك الذى يظهر بعد ذلك حزنه على ابنه الذى مات.
جورج سيدهم؛ الفنان الذى بدأ عطاءه بشكل احترافى منذ الستينيات ليكتشفه المخرج الكبير محمد سالم عام 1963 ويقدمه فى فيلمى "منتهى الفرح" و "القاهرة فى الليل" ، ويسهم فى تكوين فرقة "ثلاثى أضواء المسرح" التى قدمت الفوازير منذ عام 1967 وحتى 1970 لنفس المخرج الكبير من خلال شكل درامي استعراضي مختلف، وليشاهد الجمهور المصرى "الفوازير".
على عكس كل ما يتبادر للذهن لم تكن البداية لهذا الفنان الجميل "كوميدية"؛ فقد تصيب المتلقي الدهشة إذا علم أن بدايته كانت تراجيدية من خلال مسرح الدولة حيث قدم مسرحية "المصيدة" في المسرح الحديث عام 1963 ومسرحية "العروبة" ثم مسرح الحكيم ليشارك فى "الراجل إللي ضحك على الأبالسة"!! ولتتحول المسيرة نحو "الكوميديا" من خلال مشاركته فى "الثلاثى" أو الأدوار التى قدمها بعيداً عنهم، لكن مسرحياتهم التسع معاً كأول فرقة تنفرد بتقديم عروض واسكتشات على المسرح بشكل كوميدي وبسيط تعتمد فيه على تناسق كلمات والموضوع وإيقاع الطبلة فقط؛ منحهم الفرصة لتطوير الفرقة و تقديم ثمانية عشر فيلماً !!
أعتقد أن "السينما" فى تاريخ جورج سيدهم كان لها وضع خاص فكم الأعمال التى قدمها وقبوله بأدوار صغيرة أو مشاركته كضيف شرف؛ تؤكد أن لها مكانة فى قلبه، ولذلك كانت شاهداً على جانب من مشواره الفنى من خلال أكثر من ستين فيلماً منذ عام 1963 حيث البداية وحتى 1995 حيث آخر الأفلام التى شارك فيها "الجراج" لعلاء كريم.
لقد أضحكنا وأبكانا عبر مشواره الذى توقف عام 1997 ؛ بعد إصابته بالمرض وخسارته لمسرحه وفرقته، فكانت حياته أشبه بذلك الاستعراض الذى شكا فيه ماحدث له لماما حوا وبابا آدم والذى قدمه الثلاثى فى فيلم "30 يوم فى السجن" للمخرج نيازى مصطفى، حيث يغنى المأساة بمسحة "كوميدية" يختلط فيها الضحك بالدموع، وكذلك مشاركته كضيف شرف فى فيلم "غريب فى بيتى" لسمير سيف حيث النصاب اللطيف الذى يتركنا طوال أحداث الفيلم نعيش مأساة ضاحكة... رحم الله جورج سيدهم الذى ترك رصيدا سينمائيا متنوعا نتأرجح فى مشاهده بين الضحك والبكاء.