القاهرة 11 مارس 2020 الساعة 09:25 ص
حاورتها: شيماء عبد الناصر
عنوان المعرض من خلال المرأة.. يضم خلاصة ومراحل تجربتي... مع الألم، وما يتضمنه من: استدعاء الاكتئاب، إحساس الوحدة... مسيرة العزلة، مع البهجة، مع الطبيعة، مع الأشخاص. حوار الساعات القديمة الأنتيك مع الزمن، صرخة... أصدقائي.. أحيانًا ينتابنا إحساس قوي بالصراخ بصوت عالٍ.. انتابني هذا الإحساس بشكل عارف للصراخ فلجأت لخطوطي التي حملت عني أعباء وعناء ذلك الصوت القادم من أعماقي.. وإليكم مراحل هذا... الصراخ/ الخطوط.. أشكركم أصدقائي.
إليكم الإحاطة من خطوط القضبان العاتية المتلاحمة مع بعضها.. هل الأمل وانتظار النور الذي في نهاية النفق.. أصبح من الرفاهية المحال نيلها؟
هكذا عبرت الفنانة المستقلة نهلة السعدني عن حالة معرضها "حوار" الذي أقيم بمقر مشروع التحرير لاونج جوتة، وسط البلد داخل معهد جوتة, والفنانة نهلة السعدني خريجة معهد خدمة اجتماعية من مواليد1959 وأرادت أن تقيم معرضها الأول في اليوم الذي أتمت فيه عامها الستين، وراء هذا المعرض قصة إنسانية وفنية. وخلفها شغف بالرسم، محاولة لحب الحياة، رغبة في التعبير عن الذات والحكي عن الألم. من خلال هذا الحوار نحاول معرفة تفاصيل أكثر عن التجربة الإنسانية والفنية لنهلة السعدني، وقصتها مع الرسم، والذي عبرت أكثر من مرة أنه جنتها، عصاها السحرية لتحويل الحزن والكآبة إلى سعادة حقيقية تمس قلبها، فتفرح.
نبذة عنك وكيف بدأت مع الفن؟
أنا اسمي نهلة السعدني، خريجة المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، دفعة 1982، الرسم هوايتي منذ الصغر، عشت في بلد ريفي، والطبيعة أخرجت مكنوناتي، وساعدني الفنان العظيم بيكار، رغم أن عمري ما ألتقيت به، لكن من خلال جريدة الأخبار، ورسمته التي كانت موجودة دائمًا في عدد الجمعة، منها بدأت أنقل الرسومات في الجريدة، وأقوم بعمل أشياء حرفية بيدي، وتابعت كل أخباره منذ الطفولة، وكان حلم حياتي أن أراه أمامي، لم أحصل على الموافقة في امتحان القدرات بكلية الفنون الجميلة برغم حبي الشديد للرسم، وأن دخول الكلية كان حلم حياتي، هنا شعرت بالحرمان، حتى أني أحفظ خريطة الكلية عن ظهر قلب. عند سن الأربعين قررت أن أحقق حلمي، حيث كبر أولادي، وتخففت قليلا من أعباء مسئولية الأمومة، اتصلت بالكلية وسألت عن الالتحاق والدخول في هذا السن.
لماذا اخترت أن يكون المعرض ما بين البورتريهات والطبيعة؟
أنا لم أختر، هذه أعمال منذ سنوات، وهذه التجميعة لأن من حولي شجعوني واقترحوا علي أن أرسل كل الأعمال إلى جوتة، أردت من يرى الأعمال أن يدخل بهدوء في الحالة ويخرج بهدوء، ولا يرتبك ما بين الطبيعة والأشياء الأخرى، ولكني اخترت المعنى العام وهو الحوار، فهو حوار عام وخاص، مع نفسي، مع الطبيعة، مع الكائنات والأشياء، وكل عمل من هذه الأعمال له قصة، قصة ضاغطة تجبرني أن أخرجها للعالم من حولي، فاللوحات ساعدت بعضها البعض في إظهار الحالة العامة.
حدثيني عن قصة بعض هذه البورتريهات؟
حينما بدأ المرض يهاجمني، والأعراض المؤلمة للاكتئاب النفسية والجسدية، وكأنه موت قريب، هكذا كان شكلي لحظتها، هدأت لما وجدت أنني بالفعل قد ظهر علي المرض، حينما رأيت نفسي وصدقتني، وشعرت أن رسمي قد حس بي، صدق مشاعري وهمومي وحزني، من حولي قد يشعرون أني حمل عليهم، شعرت أن أحدهم حس بأوجاعي، وكان الرسم، فبدلا من الكلام، والحكي، أصبحت أحكي بالرسم، فظهرت هذه البورتريهات.
وأتذكر محاولاتي في تعلم الرسم وإتقانه، برغم أنه كان صديق عمري، نلعب معًا، ومع ذلك أشعر أني أريد أن أوفيه حقه، أعامله بقيمته، هذا البورتريه من عام 2012، وأنا أرسم من عام 2000، بالطبع في مسيرتي بالمحاولات الأكاديمية، وقراءاتي البصرية، شعوري بالذنب ناحية الرسم، فأحاول بقدر الإمكان التجريب والمحاولة في رسم البورتريهات.
كيف تحولت من الرسم في المنزل إلى مواجهة العالم بأعمالك؟
أريد أن يتحول البيت إلى معرض للفن الحديث، الرسم صديقي الذي يحادثني وأحادثه، لا أحد يتحمل أن يشتكي له الآخر، فبدلا من قول ووصف حالتي، قررت أن أرى نفسي بنفسي، وأرسم حالتي، حينما رأيتني، ونظرت للمرآة وطبعت ورسمت وجهي على اللوحات. هدأت نفسيًا. وذلك لأني اكتشفت مدى ما أعانيه من آلام، وأن الرسم أوضح كل تفاصيل وجهي الحزينة. الرسم شعر بآلامي، استبدلت الحكي بالخطوط المرسومة. حتى من لا يعرفني شخصيًا عرفوا كل تفاصيل آلامي من خلال الرسم، بالتتي عشوائية، اللون داخلي. أيقنت بذلك. أعمل بفطرتي، عفوية، حوار مع نفسي، حوار مع الكائنات. كل لوحة من لوحاتي كانت أحسن روشته أو منتجع صحي بالنسبة لي، رسمت إحدى جاراتي، جلسنا سويًا للعمل في بيتها، وجدت نفسي أرسمها هي نفسها.
الفنانون الذين أثروا في شخصيتك؟ والمدرسة التي تتبعينها؟
كل لوحة فيها شيء يخاطبني، وكل فنان أشعر أنه يرسل إلي رسالة، اعتبر فان جوخ مجنونا، وأرى أن هناك فان جوخ المصري وهو عبد الهادي الجزار، أبكي حينما أشاهد لوحاته، أشعر أن لوحاته تقول لي: اطرقي الأبواب، انطلقي. اتركي القيود.. ماتيس في جنونه وألوانه وانطلاقه.. رينوار في هدوئه.. مينيه، بول سيزون في طبيعته الصامتة، بيكار أستاذي، محمود سعيد، جاذبية سري في بدايتها. ومدرستي في الفن هي إحساسي. الرسم يعطيني الجرأة.
ألاحظ في المعرض أن ألوانك هادئة؟
لا اختار الأوان، هي تأتي في عيني، الحالة تفرض ألوانها، الأشياء هي التي تحركني، لدي كل أنواع الخامات والألوان، جاهزة لتلقي الحالة طوال الوقت، تتحرك ثورتي على اللوحة، تبدأ بطريقتها الخاصة، ثم تهدأ مع مرور الوقت، الألوان تنسخ معي حالتي النفسية، ودائمًا أعبر عن حالتي بطريقة هادئة، أصبر قليلا، الرسم أظهر شخصيتي وعززها.
هل يمكن أن تكرري تجربة المعرض مرة ثانية؟
التجربة جميلة وأسعدتني. اللوحات تخاطبني، هي التي تقرر ماذا سوف نفعل في اللحظة القادمة. أترك هذه الفرصة كي تأتي في وقتها، كما أتت هذه التجربة بدون معاد، سوف تأتي غيرها بدون موعد.
رأيك في الفن.. هل هو تجربة شخصية أم رسالة، أم خدمة للمجتمع؟
علاقتي به حينما تزيلي القيود التي بينك وبينه، الرسم عصاي السحرية، هو نبع لا يجف، رسالة علاقتها بالكون عالية، بالأرض، الله، الكائنات، الرسم ليس عمل بالنسبة لي، لو اتخذته كعمل لن يصبح صديقي ولن أحبه ولن أستطيع الرسم. أنا أرسم بحريتي.