القاهرة 18 فبراير 2020 الساعة 09:47 ص
قصة: محمد مجي ـ المغرب
أمطار يناير تهول مآسينا أكثر.. الصباح مكتئب، ركام من الضباب يزحف فوق المدينة، الشمس أين هي؟ توارت خلف الضباب0أمطار يناير القوية تتكسر على زجاج النافذة، صوتها يحدث بلبلة في رأسي، فتحت النافذة وأصاب المطر وجهي.. في الأسفل سالت الأزقة بالمياه، البالوعات أقفلتها العلب البلاستيكية وأغصان الأشجار.. المارة يحادون الجدران لتفادي البرك المائية، وحدها شوارعنا تجعل الإنسان يتمايل كأنه سكير، أو يمشي بخجل كأن عين ترقبه.. أغلقت باب النافذة، مررت يدي على لحيتي، ووجدت زغبها قد طغى كثيرا، مددت يدي نحو رف الحمام وتناولت موس الحلاقة، فوق المغسل وليت وجهي نحو مرآة بإطار خشبي، أطليت وجهي بالمعجون وبدأت أشفط الزغب على ذقني.
أكثر الأشياء التي أخشاها هي تلك الجروح التي يخلفها الموس في وجهي، لقد تدربت كثيرا على حلاقة وجهي دون أن أجرحه، تدربت في زغب صدري وإبطي، جرحت تلك الأماكن مرات عديدة، ولكن من يعلم بذلك؟ لا أحد أنا لوحدي أعلم بالأمر، ولكن وجهي هو مرآتي التي ينظر الناس إلي من خلالها.. في مدينتنا هذه قد أكره إنسانا لأن وجهه مكفهر، دون أن أكلف نفسي عناء البحث عن تلك الظروف التي جعلت وجهه يأخذ ذلك الطابع المأسوي.
وجوهنا هي صفحات يطفو عليها ذلك الصراع المرير الذي يغلي بدواخلنا.
رفعت وجهي لكي أحلق أسفل جمجمتي0 هنا قد تحدث الكارثة، شرايين وأوردة بارزة في عنقي، لو ارتعدت يدي وانزلق الموس، سينفش الدم ويتوقف قلبي عن الخفقان، لذلك بدأت أشفط باتجاه الأعلى، بدأ وجهي يبرز قليلل0يتجدد قليلا.. لحيتي لا أحبها، أريد أن أقتلع هذا الزغب من أصله، بحيث لا ينمو مجددا.
خطوط معجون الصابون لؤثت وجهي ،أدرت صنبور المغسل وألقيت حفنة ماء على وجهي ،ومسحت قطرات المياه التي تزحف عليه بكم معطفي.
أغلقت الباب خلفي، وتردد صريره في أذني، الأبواب هي الأخرى يجب أن تصفق بعنف لكي نتأكد أنها أغلقت.. نزلت الدرج على وقع حذائي الخشن. في الشارع العام أصابني مطر خفيف وصفعني برد يناير القارس، زررت معطفي الأسود الذي لا يليق لونه بسمرة وجهي، ولكن اختيار ألوان ملابسنا يكون أحيانا على مقاس ما تعيشه أعماقنا.
تذكرت أن لا وجهة لي، غير أن مثل هذه الأجواء الرومانسية قد تضمد ذاتي المعطوبة.. منذ أن حللت بهذه المدينة لطلب العلم والضيق يسكنني، حاولت أن أقنع نفسي بأنه سيرحل عني يوما ما، وأعتاد تدريجيا على العيش في هذه الأجواء، ولكن لم يحدث ذلك، في كل مرة يداهمني هذا الإحساس المريض، أنتظر هطول الأمطار لكي أشفى قليلا.. ضراوة الأمطار ازدادت، والمارة يفرون نحو أماكن تقيهم من البلل، أنا أيضا أسرعت من خطواتي باتجاه المقهى، في مائدة محاطة بأربعة مقاعد ، انعزلت في واحد منها، أملي مقلتي في تلك القمم التي تكسوها الثلوج والضباب، وفي زخات المطر القوية، هناك مراسيم جنائزية بداخلي، وأمامي هناك حفل تحدثه الأمطار، فلأي واحد منهما سأنضم.