القاهرة 04 فبراير 2020 الساعة 10:24 ص
بقلم: د. هبة سعد الدين
لفت نظري أثناء مناقشة كتابي "الثقافة السينمائية فى تليفزيون مصر" والذى صدر مؤخراً ويرصد البرامج السينمائية على مدى خمسين عاماً، تلك المتطلبات التى اتفقت خلال المناقشة - ونحن عادة لا نتفق- على جانب واحد وهو عودة البرامج السينمائية؛ بل وصل الحال إلى المطالبة بعودتها حتى لو بشكلها القديم دون أي تجديد!!
ذلك الإجماع جعلني أعود إلى طفولتي التى شكلت فيها تلك البرامج جوانب من شخصيتي وقدرتي على الرؤية والإدراك لجوانب الجمال والقبح حولي وليس للفيلم السينمائي فحسب.
فتلك البرامج التى كانت تستضيف المتخصصين فى كل المجالات السينمائية وغير السينمائية لتناقش وتحلل وتقدم المعلومات والمناقشات، فتحت الآفاق أمام العقول للتفكير والقدرة على المقارنة ورؤية الجمال.
لذلك لم تكن مساحة من الترفيه بل نوافذ على العالم الخارجي، ليتمكن المشاهد المصرى من الإطلال على ذلك العالم الذى حفرت أسماء بعينها مجرى لنهر من الحب لهذا الفن، وقدمت معه أجيالاً يمكنها أن تشاهد الفيلم والحياة بصورة غير معتادة.
ولم يكن النقاد السينمائيون الذين أعدوا وقدموا تلك البرامج يريدون ما هو معتاد!! بل أرادوها تحمل التجديد والرؤية ليصبح واضحا أثرها واقعاً على عقول المشاهدين والمجتمع، ولم تكن مناقشات الأفلام السينمائية مجرد حوارات على الهامش أو معلومات تتوالى فحسب؛ بل رؤية للعالم وجمالياته ووعي حاضر!!
فالفن السينمائي حالة تحمل بين جوانبها فنونا أخرى، لذلك فيمكن لبرامج السينما التى كان يرافقها فى ذات الوقت أفلام تليفزيونية من إنتاج "ماسبيرو" - ذلك الصرح الذى أنتج أفلاما لا يقبل على إنتاجها أفراد - وأنتج كذلك الأفلام التسجيلية وكان وحده القادر على تقديم برنامج عنها فى خطوة لا يقدم عليها سوى "تليفزيون مصر".
لقد أتى الكبار إلينا بالأفلام العالمية ونجومها وحاوروهم، لتصبح شاشة التليفزيون المصرى فى ذلك الزمن طائرة الأحلام القادرة على حملنا إلى عوالم أخرى!! فسجلت أسماء بعينها تلك البرامج ومنها: درية شرف الدين ويوسف شريف رزق الله وسلمى الشماع وعلى أبو شادي وكمال رمزي وكثيرون استطاعوا كتابة ذلك التاريخ.
لذلك فالفجوة الآن كبيرة بين ما كانت عليه برامج السينما وما أصبحت، وماسبيرو زمان ببرامجه التى يحن إليها المشاهد وتصيبه بالحسرة على واقعنا الثقافى بكل جوانبه خير دليل، ومن الممكن أن يتساءل البعض: هل سيصلح برنامج سينمائي ما أفسده الزمن؟
وحقيقةً الفكرة ليست فى تقديم برنامج سينمائي مرة أخرى فحسب؛ بل نحن فى حاجة إلى تيار من تلك البرامج التى تحمل فى جوانبها جرعات نحن أحوج ما نكون إليها، فهل يمسك ماسبيرو بسلاحه مرة أخرى لينتصر فى معركة مصر؟.... ليته يفعل.