القاهرة 24 ديسمبر 2019 الساعة 11:47 ص
حالة السيولة الإعلامية التى تشهدها الدولة المصرية؛ فى كافة وسائل الإعلام ( مقروء- مسموع – مرئى) والتى تتسم بالارتباك والتخبط، وبخاصة فيما يتعلق بمحور التنمية المستدامة المرتبطة برؤية مصر "2030"، منذ أن أعلنت عنها القيادة السياسية فى عام 2015 وحتى اليوم، ترتبط بشكل أساسى بكون إعلامنا هو الوريث الشرعى للخطة الخمسية التى كانت تتبناها الحكومات المصرية المتعاقبة على مدار العقود السابقة منذ أن بدأت في عهد الوزير عبد اللطيف البغدادي عندما تم وضع أول خطة خمسية لمصر عام 1960، وهو ما انعكس بشكل مباشر على طريقة تفكير واضعى السياسة الإعلامية فى مصر من رؤساء تحرير لمقدمى برامج حتى المذيعين نحو قضية التنمية.
الحكومات المصرية المتعاقبة من بعد ثورة الثلاثين من يونيو، تتبنى رؤية استشرافية على المدى المتوسط لمدة خمسة عشر عاماً فى إدارة كافة مناحى الحياة فى البلاد تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومع ذلك تجد أصحاب الأقلام والممسكين بالميكروفونات أياديهم مازالت مرتعشة وحدود تفكيرهم مازالت تدور فى فلك الخمس سنوات ليس أكثر؛ لذا يشهد إعلامنا تراجعاً فى اللحاق بما تتبناه القيادة السياسة من رؤية استشرافية.
بالنظر إلى حديث الرئيس السيسى عن واقع الإعلام المصرى، خلال فعاليات مؤتمرات الشباب يؤكد انقطاع الإعلام المصرى لم يصبح قادرًا على تحقيق الأهداف المنوط به تحقيقها وهو ما يرتبط بتراجع تطوير هذا القطاع منذ سنوات، وعدم قدرة المسئولين على إنتاج خطابات إعلامية استشرافية ترى بعين المستقبل؛ علاوة على تراجع تطوير مهارات التفكير لديهم والتى تستوجب التخلى عن أنماط التفكير التقليدي لمواكبة ما ترجوه الدولة المصرية.. لأن زمن "الخطة الخمسية" فى اعتقادى قد ولى.
للتأكيد على صحة ذلك بأن إعلامنا مازال هو إعلام "الخطة الخمسية" وأن هناك فجوة بين مشروع الدولة المصرية "رؤية مصر 2030" وبين الخطاب الإعلامى الذى تنتجه مؤسساتنا الإعلامية سواء القومية أو الخاصة، سأبرهن لكم ذلك من خلال استعراض بعض ملامح التطوير التى أعلنها القائمون على صناعة الإعلام فى مصر ولكم كل الحق فى ما ترونه، أولاً على الرغم من الثورة التكنولوجية الهائلة التى تقود كافة المجالات والأنشطة والصناعات فى الإعلام بما فيها صناعة الإعلام التى انطلقت منذ سنوات، إلا أننا فى مصر نجد أن المؤسسات الصحفية التى أعلنت عن تحول صالات تحريرها لغرف أخبار مدمجة فقط مؤسستين صحفيتين قوميتين والإعلان كان فى العام الجاري على الرغم من أن مشروع رؤية مصر انطلق منذ 4 سنوات، إضافة إلى أن كافة المؤسسات الصحفية "القومية والحزبية والخاصة" مازالت تتمسك بآليات العمل التقليدية التى تتمثل فى صالات تحرير نمطية بعيدة كل البعد عن توظيف التكنولوجيا إلا ما ندر.
أما فيما يتعلق بخريطة برامج "التوك شو"، ستجد أن نسبة الفقرات الترفيهية بها تغلب على المحتوى الذى يقوم على متابعة وتحليل وتسليط الضوء بشكل رئيسى على المشروعات التنموية التى تفتتحها الدولة المصرية بشكل يومي، وشرح إيجابياتها وانعكاس ما تتيحه من خدمات تسهم فى تذليل العقبات التى تواجه المواطن المصرى، وأيضاً تسليط الضوء على التحديات التى تواجه هذه المشروعات، وكذلك هى بعيدة للأسف عن نقل صوت المواطن أيضاً إلى صناع القرار فى مصر، وهى كلها أمور لا تكشف إلا عن رؤية تقليدية لا تتجاوز حدود "الخطة الخمسية" فى ظل دولة أعلنت منذ نحو أربعة أعوام عن رؤيتها حتى 2030.
المحتوى الإذاعي يغلب عليه معالجة القضايا الداخلية التقليدية فلم أر منذ سنوات على سبيل المثال برنامجاً إذاعياً يناقش مستقبل الدولة المصرية، ويستعرض التحديات وسبل التغلب عليها مع علماء المستقبليات فى مصر فى كافة التخصصات، أو حاول ذات مرة إذاعي أن يجعل آفاق المستقبل فى معالجته للقضايا محوراً رئيسياً يدعونا لإعادة النظر كمستمعين فى مواقفنا وخططنا الحياتية داخل مجتمعنا، وهو ما ينم للأسف عن غلبة العقلية التقليدية التى مازالت تخشى أن تخطو خطوة واحدة نحو المستقبل وتفضل البحث فى الماضى أو على أفضل تقدير حاضرنا فقط، وهو ما لا يخدم إطلاقاً مشروع الدولة المصرية المستقبلى، ويجب إعادة النظر فى الخطط البرامجية الإذاعية والتليفزيونية وأتمنى أن يحدث ذلك فى الخطط البرامجية الجديدة التى قد تحدث فى مستهل العام القادم 2020... بعد كل ما ذكرته لكم أن تحكموا هل إعلامنا تحرك ولو خطوة واحدة نحو المستقبل وهل قام بدوره نحو مشروع مصر "رؤية 2030" أم مازال يتمسك بكونه وريثاً شرعياً لـ"الخطة الخمسية"؟
قبل أن أترككم، أدعوكم للتأمل فى ما قاله السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف القومية عام 2017، وذلك عندما قال إنه يتمنى أن ينظم الإعلام مسابقات، تحضرها شخصيات من النخب لاختيار أفضل عالم، أو أكثر فلاحة إنتاجية، أو عامل مبتكر، أو طالب نابه، ومثلما ينظم مسابقات أفضل الأصوات الغنائية، مضيفًا: أليس هذا أفضل من مسابقة أفضل "راقصة".. وأسالكم هل تحقق ذلك أم مازال إعلامنا يتسابق على تقديم أفضل "راقصة" ؟.
للنقاش: hossam.eldamarany2020@yahoo.com