القاهرة 10 ديسمبر 2019 الساعة 11:19 ص
الكاتب العراقي فاضل الكعبي: قليلون من يجيدون مخاطبة الطفل وجذبه إلى ما يكتبون
حوار: صلاح صيام
الكاتب العراقي فاضل الكعبي، ولد في بغداد عام 1955 وبدأ الكتابة في مطلع السبعينيات, كاتب مفكر وشاعر وناقد وأديب وباحث متخصص في أدب ومسرح وثقافة الأطفال, تجاوزت خبرته الأربعين عاماً في الكتابة للأطفال وعن الأطفال.. قدم إبداعاً في الشعر والقصة والمسرحية والحكاية. كما قدم تنظيراً في الدراسات والبحوث المتخصصة في أدب ومسرح وثقافة الأطفال بشكل عام.
يعد من أبرز الباحثين والشعراء والكتاب والأدباء الذين يكتبون الآن للأطفال وعن الأطفال في العراق, ومعروف على مستوى الوطن العربي, وتعد كتبه و دراساته المتخصصة في أدب ومسرح وثقافة الأطفال من المراجع المهمة والأساسية لعشرات الدراسات والأبحاث العلمية والفكرية والأكاديمية المحلية والعربية في هذا المجال.
منح درجة باحث دولي متخصص بامتياز من المعهد العربي الأوروبي في فرنسا تقديراً لإبداعه الدولي في مجالات الكتابة للأطفال وعنهم.
كان "لمجلة مصر المحروسة" معه هذا الحوار الثرى، والذى سيمتد لحلقات عن عقل الطفل العربى..
*فى البداية.. قل لنا لماذا تكتب للأطفال؟
**هناك الكثير من أفراد المجتمع، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية، لا يعون أهمية الكتابة للأطفال، ولا يدركون خطورة وحساسية ومدى أثر وتأثير هذه الكتابة في واقع الطفل, وفي مجمل عوالمه وبنيته الإنسانية والثقافية والاجتماعية والتربوية، ولذلك يأتي هذا السؤال وينطلق – كما نرى ونعتقد – من اتجاهين مختلفين، الأول: من اتجاه استفهامي، غايته البحث عن المعرفة والاستزادة منها بغية الوصول إلى الإدراك الحقيقي لمعرفة حقيقة الكتابة للأطفال والتيقن بهذه الحقيقة وتقديرها، أما الثاني: فينطلق – في الغالب– من غايات قاصرة تقف خلفها تلك النظرة القاصرة لهذه الكتابة وغاياتها، فتعمد إلى التقليل من أهميتها، ومن الحاجة إليها، بل يذهب بها القصور والاستصغار لهذه الكتابة إلى حالة من التطرّف الشديد والخطير، عندما تعتقد بلا جدوى هذه الكتابة، وعدم الضرورة إليها، بل وتعمد إلى نفيها بالكامل. وأمام هذا الحال يأتي هذا السؤال المهم وينطلق ليتدارك هذا الالتباس ويفك رموزه الشائكة في مجسّات الوعي عند البعض، لنقول فيه إجابة علمية دقيقة عن إجابة الوجود الإنساني بكامل بنيته ووعيه وحراكه في واقع الحياة لنؤكد في ذلك على مبدأ أساسي نؤمن به ونعمل عليه نحن معاشر الكتّاب المعنيين في عملية الإبداع الحقيقي والمخلص للطفل، ينطلق أساساً من فحوى هذا السؤال وحقيقته التي هي حقيقة الكتابة للأطفال، في صيرورتها وفي سيرها من التخيّل إلى الخلق وإلى التلقي، ومن قبل ذلك ابتداء بآلية الفهم والاستفهام لآلياتها الفنية والفلسفية في وجودها المادي والفني والخطابي والمعنوي، والذي يسبق التساؤل بالقول: (لماذا الكتابة للطفل)؟.. هذا السؤال الوجيه، الذي يدعونا إلى القول والتأكيد بكل دقة وصدق: إنَّ الكتابة للطفل تعني الكتابة للمستقبل، تعني تعزيز هذا المستقبل بتنقية قواعد الحاضر وتهيئتها بالكامل للصعود في بناء أبنية هذا المستقبل بشكل ومحتوى بارعين وجميلين ومتقدمين يسهمان في جعل الحياة أكثر رقياً وتقدماً وزهواً مما كانت عليه، وهذا لا يتم ولا يمكن إكماله من دون الانطلاق أساساً في هذا من نقطة الارتكاز في هذه القواعد، وهذه النقطة تأتي من الإنسان ومن آلية بناء هذا الإنسان بوصفه أساس كل بناء إنساني وحضاري وعلمي ، وبناء هذا الإنسان والانطلاق به نحو مراتب التنمية الصحيحة والمتقدمة لا يمكن ما لم نبدأ بذلك من الطفل. فالطفل هو أساس كل بناء صحيح وسليم للإنسان وللحياة. ولهذا تأتي الكتابة للطفل لتعزيز هذا المبدأ وهذا المفهوم وتمده بعناصر القوة والتماسك، وتديمه في كل وقت وآن، وعلى هذا الأساس تأتي الكتابة للأطفال لتعزز من الوجود الإنساني والحياتي المستقبلي من خلال بناء الطفل وتنشئته وإعداده بأساليب متقدمة ومتماسكة، ولذلك نعتبر الكتابة للأطفال هي الكتابة لمنهج الحياة ولمنهج تربية الطفل وتعليمه وتثقيفه وتنميته ومده بأسباب النمو السليم والسير الصحيح والسلوك المتقدم والنظرة المستديمة لمستقبل أكثر وعيا ورقياً، وكل هذا وغيره الكثير الذي يأتي ويرجى من الكتابة للأطفال في الشكل والمضمون.
*وهل يصحّ هذا على كل كتابة للأطفال؟
**ليست كل كتابة للأطفال هكذا، فما يصح في هذه الكتابة التي أقصدها هي الكتابة الحقيقية والخلّاقة والمدهشة والبارعة التي تفعل فعلها وسحرها في متلقيها الطفل.. نعم، هناك الكثير ممن يمارسون عملية الكتابة للأطفال، ويدّعون إجادتها، وما أكثر هؤلاء في عالمنا العربي، ولكن، قلة من هؤلاء من يجيد مهارات الكتابة الصحيحة والمبهرة بكل تقنياتها ومعانيها للطفل إجادة صحيحة وتامة والتي يمكن لها أن تجذب الطفل وتشده إليها بكل أثر وتأثير بالغين.
*وكيف يمكننا تبيان هذا الأثر وهذا التأثير لهذه الكتابة ومعرفته وقياسه بشكل دقيق لدى هذا الطفل المتلقي لهذه الكتابة تحديداً؟
**بكل بساطة يمكننا معرفة ذلك والتعرف عليه، وذلك من خلال مراقبة الطفل مراقبة دقيقة وهو غارق في حالة التلقي وتأمّل حالته هذه أثناء هذه الحالة وقياس مدى اندماجه وتفاعله معها ومع منتوجها، وكذلك يمكن ذلك أيضاً من خلال التعرّف على قدرات هذا الطفل وحالته وهو متواصل في قراءة النص الأدبي الموجّه إليه، ومعاينته بعد الانتهاء من حالة تلقيه لهذا النص، لمعرفة مدى فاعلية هذا النص وأثره وتأثيره في انفعالاته وإحساساته ومشاعره وقدراته، مع قياس ذلك من جانب آخر بعد سؤال الطفل عن فحوى النص ومؤثراته عليه. فالطفل هنا سيكون صادقاً غاية الصدق مع نفسه ومع النص ومع سائله، وهو بذلك، سيكون ناقداً حقيقياً وبارعاً لهذا النص.
*برأيك.. ما مواصفات من يتصدى للكتابة للأطفال؟
**كثيرا ما يطرح عليَّ مثل هذا السؤال الفني والتقني، وقد نظَّرت إليه تنظيراً دقيقاً عبر الإجابة العلمية والفنية الواسعة في أكثر من دراسة لنا شكّلت بمجملها منهج عمل ومرجعا تقنيا في هذا الاتجاه، ومنها ما ذكرته في دراستي المهمة التي ضمها كتابي الموسوم (أدب الأطفال في المعايير النقدية) وهو دراسة في الأسس والقواعد الفنية والنقدية لفن الكتابة للأطفال، صدر بطبعته الأولى في الإمارات عام 2013 وسيصدر قريباً بطبعته الثانية إن شاء الله في القاهرة، إذ أن هذه المواصفات هي مواصفات نسبية تشكّل المسألة التقنية جانباً مهماً فيها، ويتقدم عليها وفي طليعتها الموهبة الخلاقة بالدرجة الأولى، فكاتب بلا موهبة بارعة وخلاقة يحدّها الخيال الواسع لا يمكن أن يكون كاتباً جيداً، وهذا الجودة لا يمكن تجويدها بلا وعي وإدراك حقيقي لمتطلبات الكتابة الصحيحة ومهاراتها التي تتحدد بمتانة اللغة وأساليبها مع بساطة هذه اللغة وتمكنها من التجاوب مع القاموس اللغوي الحقيقي والمناسب للطفل وحسب كل مرحلة من مراحل هذا الطفل، فما يصح فيه الخطاب اللغوي ويؤثر في هذه المرحلة يختلف تماماً في التأثير والاستجابة عن مرحلة أخرى يطول الشرح فيها وهكذا، هذا إلى جانب المواصفات الأخرى التي يتطلبها ممارس عملية الكتابة والإبداع للأدب عامة وللطفل على نحو خاص، فما يتطلّبه من متطلبات ومواصفات في من يتصدى لعملية الكتابة للأطفال هي أكثر مما تتطلبه هذه المواصفات في الكتابة العامة، وذلك لأن مواصفات كاتب الأطفال تتميز بمميزات لا عد لها ولا حصر، ولعل في المقدمة منها: أن لا يكون كاتباً فحسب، إنما عليه في هذه الكتابة أن يكون أباً، ومعلماً، ومربياً، ومدرّباً، وموجّها، ومنشّطاً، ومصحّحاً، وعالماً نفسياً، واجتماعياً، وثقافياً، وسلوكياً، إلخ .. هذا إلى جانب المواصفات الأخرى التي يتحتّم أن يتَّصف بها من يتصدّى لعملية الكتابة للأطفال، ومن بينها في الجانب التقني أن يكون قادراً ومتحكّماً في تقدير وقياس المستويات اللغوية الدقيقة للطفل المتلقي تقديراً صحيحاً، وقياساً لا زيادة ولا نقصان فيه لسن هذا الطفل أو ذاك الطفل في سن أخرى، على أن يأتي هذا التقدير والقياس في المفردة الواحدة وفي الجملة الواحدة، وفي السياق اللغوي، وفي الدلالة اللغوية، وفي كل ما تنتجه اللغة في عوالم النص شكلاً ومحتوى، ومعنى ورمزاً، وإيحاء وخيالاً، وغاية وهدفا، على أن لا يشذ أيّ من ذلك عن غيره من الأبنية اللغوية والفنية والتقنية في عوالم النص المكتوب للطفل، والذي يأخذ بمهارة الكاتب وأسلوبه الخاص إلى تجويد النص وسحره إلى واقع تلقي الطفل بكل انسجام وتوافق، وما هذه المواصفات إلا مفاتيح لمواصفات أخرى لعوالم الكتابة للأطفال، يدخل فيها المعرفة الواسعة لمختلف عوالم الطفل وتغيراته الفسيولوجية والانفعالية والحسية والعقلية وغيرها، كما يدخل بضمنها المعرفة الواسعة بتاريخ الأدب عامة وأدب الأطفال خاصة، وآليات تطور هذا الأدب وغير ذلك، وبالنتيجة من كل ذلك يبقى الكاتب المبدع متجدداً وبارعاً في رؤيته وفي خلق المواصفات المناسبة والمتوافقة معه ومع تجربته وتجاوبها مع الطفل المتلقي لكتابته الحقيقية هذه.
ونكمل فى الحلقة القادمة إن شاء الله