القاهرة 10 ديسمبر 2019 الساعة 11:14 ص
بقلم: د.هبة سعد الدين
مرهقة تلك الأعمال التي تعتمد على واقعة حقيقية؛ لكل من أراد أن يتحلى بالموضوعية والرؤية في ذات الوقت، وتلك هي المعضلة فكيف تكون صاحب رؤية ورأى وتسعى للموضوعية معاً، فكلاهما "خلف خلاف" والنجاح يعنى المعجزة! أثار فيلم "الأيرلندي" رائعة سكورسيزى الأخيرة الكثير من الجدل عند عرضه في الدورة الحادية والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي، والذي كتبه ستيفن زايليان عن كتاب "أنت تطلى المنازل" لتشارلز براندت المحقق والمدعى العام الذي وثق اعترافات فرانك شيران أحد المسئولين في نقابة سائقي الشاحنات بدوره في قتل واختفاء الرئيس الأسبق لنقابة العمال جيمي هوفا عام 1957
وكذلك مسلسل "ممالك النار" الذي أثار التساؤلات حول مدى حقيقة الأحداث وواقعيتها التاريخية؛ مما جعل الكثيرين يبحثون في صفحات التاريخ ويسألون؛ خاصة مع ما تبثه الدراما التركية منذ سنوات من صور منمقة لسلاطينهم، وما يدور فى القصور كحروب للجواري فحسب؛ بعيداً عن التاريخ الواقعي لهؤلاء السلاطين وممارساتهم وما تحمله أيديهم من دماء.
بدايةً عند رصد حدث ما مهما كان لابد وأن نطرح السؤال: كيف يمكن أن تسعى للموضوعية في طرح حدث يحمل أكثر من رؤية وتفسير وتفاصيل؟ لقد جاء "الأيرلندي" محدداً من خلال الأحداث الخاصة بالفيلم من خلال الكتاب الذي يحدد تفاصيل الواقعة واعترافات أحد أطرافها، وبالتالي فهو مسبقاً يقول إن هناك وجهة نظر وراء العمل لموثق الاعترافات المأخوذ عنه الفيلم، وذلك هو ما يجعل العمل ينحاز نحو المكتوب عن الواقعة؛ حتى لو كان الراوي لا يذكر سوى جانب مما حدث أو يخفى بعض التفاصيل أو يريد وصفاً محدداً خاصاً به.
أما "ممالك النار" الذي فاجأ المشاهدين بفظائع العثمانيين بعد سنوات من تأثير الدراما التركية التي حاولت بكل سبل الإبهار غسل هذا التاريخ وإخفاء فظائعه؛ فتجعلنا وجهاً لوجه أمام التاريخ وتفاصيله بعيون الآخرين واللقاء مع نقاط الاتفاق بين المؤرخين؛ حتى فيما يتعلق بملامح الشخصيات وتفاصيل سلوكياتها، وكذلك الجوانب المتعددة للأحداث ومزج الجوانب الإنسانية بالوقائع التاريخية.
وعلى الرغم من المسافة ما بين "الايرلندي" و "الممالك" والاختلافات الأساسية بينهما سواء في طبيعة الواقعة المحددة وتفاصيل فترة تاريخية بما لها وما عليها؛ إلا فإن كل منهما اعتمد ببراعة على التفاصيل المتعلقة بالشخصيات ومفارقة الزمن وتأثيراته؛ لذلك كان المشاهد في انتظارهما، وأضافت لهما الأسماء المنفذة المزيد من التألق لننبهر برائعة مارتن سكوسيزى، ونفتتن بواقعية البحث التاريخي لمحمد سليمان عبد المالك، المسمى بمسلسل "ممالك النار".