القاهرة 03 ديسمبر 2019 الساعة 10:29 ص
بقلم : د. فايزة حلمي
نحن نُفضِّل بطبيعة الحال, أن يكون لدينا ما نؤمن به والنتيجة الصحيحة مِن العالَم، ولكن إذا كان الأمْر يتعلق بالاختيار ما بين الفن المُتْقَن المتواضِع الهِتاف؛ والفن الرديء مع الإشادة، أو بيْن المُنتَجات الدقيقة بسيطة الأرباح؛ والمنتجات الرديئة والأرباح المرتفعة، أو - بالانتقال إلى العالم العاطفي؛ بين شخص يطابق معاييرنا النفسية ويحقق سعادتنا؛ وشَخْص يشاركنا حياتنا مع القليل من المعايير النفسية أو الجسدية التي نبحث عنها حقًا، فإنَّنا نُفَضِّل أن نَدْفَع ثَمَن الولاء لطموحاتنا الأصلية.
قد يكون هناك، في سِياق العلاقات، سَببان للعيْش بهذا الشكل، الأول العملي، والثاني أكثر نفسيًا أو وجوديًا, على المستوى العملي، هناك ميزة في تحرير أنفسنا مِن علاقة مُحْبِطة حتى في غياب أي احتمال فَوْري لاستبدال ناجح, كَوْنَنا وحدنا يَمْنَحنا أساسًا أكثر فاعلية للعثور على الحب أفْضَل مِن تقييدنا بشريك، ونحن نتطلع خِلسَة إلى التحرر, نحن أحرار في إخبار العالم بما نبحث عنه، لا يتعين عليْنا أن نَكْذِب أو نَختَبئ في الظل.
ولكن على الجانب الآخر، قد يكون من الحِكْمة الالتزام بتوقعاتنا الحقيقية سواء كان هناك شريك يمكننا الالتقاء به أم لا, رُوُحنا عُرْضَة للتدمير ببطء مِن خلال عَيْش حياة تتميَّز بِمُجَرَّد رفْقَة؛ بدلا مِن انتظار الرفقة مع الشخص المناسب, قد لا نكون قادرين على الهروب من عواقب تقديرنا لذاتنا وإحساسنا بالكرامة إذا عَلِمْنا أن خَوْفنا من أن نعيش وَحْدَنا, قد تغلب على قدرتنا على التمييز لصالح هذا النوع من الأشخاص الذي لا يغضبنا أو يُحْزِنّا, ربما لم نعد نحب أنفسنا كثيرًا عندما يتعين علينا يوميًا أن نفكر في مدى انحرافنا عن توقعاتنا الحقيقية من أجل تهدئة الرعب الذي لا داعي له في النهاية.
والتاريخ الياباني مليء بأمثلة لما وَصَفه المُعلقون بـ "الفشل النبيل"، والأشخاص الذين لديهم مفاهيم قوية حَوْل ما يحترمونه في مجال معين (الفن، والسياسة، والأعمال التجارية، والثقافة), الذين ظلُّوا مُخلصِين لمعتقداتهم على الرغم من التقائهم مع عالَم قليل النجاح، وأحيانا الاضطرار إلى دفع ثمن كبير لمراكزهم, قد يَنْهِي الشاعر حياته في غموض؛ في كوخ خارج المدينة، وقد يجد الخَزَّاف أنه تم تجاهل الأواني الفخارية الواضحة الإتقان؛ لصالح أمثلة أكثر بهجة وأقل إتقانا, ومع ذلك، يمكن اعتبار هؤلاء الأشخاص، في رأي اليابانيين، شيئًا آخر غير "الخاسرين".
ربما فقدوا، مِن منظور واحد، فَنَّهم الذي لَمْ يُعتَرَف به، وفشلت أعمالهم، ولم تُنْجَز مشاريعهم؛ لكنهم يُعْتَبَرُون جديرين بالاحترام؛ رَغْم ذلك؛ لأن لديهم شيئًا لا يزال متفوقًا على الشهرة الفوْرِية والثروات والتصفيق: أفكار جيدة لما يريدون, مشروع على المَدَى البعيد, مستواه أكثر تواضعا مِن أشياء أقل ترابطاً.
ونحن أيضا, في الحياة العاطفية, نعتمد على مفهوم "الفشل النبيل" في تشكيل ما قد يَحْدُث لنا بَعْد خروجنا مِن علاقة, سوف يَنبُع نُبْلَنا مِن عَدَم السماح لِخوْفنا من الوِحْدة, بأن يَحْكُم سُلوكَنا, مع التأكُّد من أن الذين نقضي وقتًا معهم, يتطابقون مع مفهوم راقِ للطبيعة البشرية, حتى لو كان هذا يَعْنِي أننا في الغالِب وَحْدَنا على المدى الطويل, سنُثبِت في نهاية المطاف أنَّنا أكثر ولاءً للحب من تلقاء أنفسنا, من أن نكون مع شريك خاطئ, تمامًا كما قد يَحِب عاشق الموسيقى؛ الصمت, على النوع الخطأ من الضوضاء في الخلفية.
قد لا ننجح بعد إنهاء علاقة, بأي طريقة قياسية, وقد تبدو حياتنا غريبة بعض الشيء, سنكوُن قد تركنا اتحادًا قويًا على ما يبدو, لِأجل بِدْء وُجُود شاق إلى حَدٍ ما مِن قِبَل أنفسنا؛ لكننا سنكون شيئًا أكثر إنسانية ومُستمتعين بحياتنا؛ أكثر مِن مُجرَّد بائسين، سنكون قد فشلنا بِنُبْل في السعي وراء الحب، وسنشعر بالرضا لعِلمنا أننا فَضَّلنا أن نكون صادقين مع آمالنا, أكثر من كَوْنَنا بِصُحْبة إنسان لا نستطيع أن نحترمه بعْد ذلك.