القاهرة 19 نوفمبر 2019 الساعة 09:56 ص
بقلم :د.هبة سعد الدين
لم يكن بيان الكاتب أحمد مراد، سوى ملمح من الواقع الذى صرنا نعيشه كل بضعة أيام؛ وهو محور كافة "الحروب"؛ فاستخدام الصحف للعناوين الجاذبة للترافيك ؛عادةً البداية حيث يتم وضع الكلمات فى غير سياقها، ثم يضيف إليها البعض ويحذف كيفما يشاء؛ لتشتعل الحرب !!
بيان مراد واضح وشهادة من حضروا الندوة أنه تحدث بصورة عامة عن تطور الزمن واختص رواية "السراب" بالحديث وطبيعتها ومدى ملاءمتها للسينما، وأنه إذا أردنا تقديمها الآن فبالتأكيد سنراعى تطور الزمن، هل يعد هذا رأياً فى أدب نجيب محفوظ أو أعماله التى وجدت مساحةً خاصة على شاشة السينما أو يحمل أى إهانة للمحفوظ؟
بدايةً، لأحمد مراد قارؤه بعيداً عن تصنيف ما يكتب؛ وهل هو رواية بمقاييس الأدب أم لا، فهو من الكتاب الذين يعرفون ما يريدون ويدرك لمن يتجه، وهناك كتابات تأخذ من هنا وهناك لتنجح؛ لأن صاحبها يدرك جيداً مناطق قوته.
لقد نجح أحمد مراد فى تجربته مع الكتابة، وأعاد بالفعل من لا يعرفون نجيب محفوظ أو قيمته الأدبية ليشتروا أعماله، ونجاح تلك الأعمال جعلها تتحول إلى شاشة السينما؛ لتحصد ذات النجاح وتتألق فى شباك التذاكر بصورة غير مسبوقة من خلال أفلام "الأصليين" و "تراب وماس" و "الفيل الأزرق" بجزأيه، ونحن هنا أمام نوع من الكتابة له طبيعته وجمهوره لا يمكن أن نقارنه بأى صورة بعملاق الرواية والسينما نجيب محفوظ أو الرواية بشكل عام.
نجيب محفوظ نفسه كان يرى أن هناك مسافة ما بين الرواية والسينما، وقليلة أعماله التى كتب لها السيناريو والحوار؛ لأنه أدرك تلك المسافة جيداً، أما إضافاته لأعمال الآخرين فى كثير من الأحيان؛ هى ما جعلت من بعض الروايات "علامات سينمائية." وخير شاهد على تلك المسافات ما بين الرواية والسينما والتليفزيون؛ ثلاثية "النجيب" التى اختلفت كثيرا ما بينهم، ورواية "حديث الصباح والمساء" التى احتاجت إلى مجهود غير معتاد من محسن زايد؛ ليمكن للمشاهد أن يراها كمسلسل تليفزيونى.
أما الحروب التى عادة ما تنشأ وتشتعل فى عدة أيام، فبدايتها كلمات فى غير سياقها كما حدث؛ يهاجمها البعض ويسيء لقائلها؛ لتنشأ فئة أخرى تدافع عن مراد فى إطار أن محفوظ قابل للنقد لتبدأ حروب الأصنام، لماذا ترفضون أى كلمة بحق نجيب رغم أنكم وافقتم على ما قيل بحق فلان وعلان، وتنهمر الاتهامات وتزداد ثم تختفى كما بدأت.
كان جانب من أدوات الحرب الإساءة إلى مراد و "كتاباته" وكأن الحياة لون واحد لا يوجد غيره؛ وعلينا الاكتفاء به؛ وبدلاً من البحث فى أسباب نجاح مراد مع جيل الشباب وتفوق أعماله سينمائياً؛ حتى إن الجزء الثانى من "الفيل الأزرق" مجرد استغلال لنجاح الأول والسير على نفس درب الفكرة؛ لكنه فى ذات الوقت خطوة مهمة فى عالم الصورة السينمائية التى طرحت أمام رفيقه المخرج مروان حامد آفاقاً أخرى غير معتادة ليمكنه اللحاق بما هو مكتوب!!
لقد كشفت تلك الحروب عن مشكلة فى تعاملنا مع الواقع وتطوراته، وكذا الاختلاف فى وجهات النظر، وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يزال أمامنا الكثير.