القاهرة 29 اكتوبر 2019 الساعة 10:46 ص
ميادة سليمان: الكبار في العالم العربيّ لا يقرؤون فكيف سيكون الصّغار؟
حوار: صلاح صيام
نواصل الحديث مع كاتبة الأطفال السورية ميادة سليمان حول ما يقدم للطفل العربى، وموقع هذا الأدب من الأدب العالمى، ونستمع إلى مقترحاتها لإخراج أدب عربى يعين الأجيال القادمة التى ستأخذ الراية وتكمل المسيرة على تنشئة صحيحة سليمة.
وإلى تكملة الحوار:
* أين أدب الأطفال العربي من الأدب العالمي للأطفال؟
- إنّ أدب الأطفال حديث جدًّا، بمقياس تاريخ الأدب عمومًا، وهو لم ينشأ ــ في صيغته المقروءة المعاصرة ــ إلّا منذ قرنين من الزّمن تقريبًا, ولا يعني ذلك أنّه لم يكن له وجود، ولكنّ الكتابة الأدبيّة المتخصّصة بالأطفال حديثة جدًّا وسبقها، الحكايات المنقولة شفاهًا عبر الأجيال. كما أنّ الأدب العربي غنيّ بأدب الأطفال ومنها: (كليلة ودمنة) لابن المقفع.
وبالنّسبة للعالم العربي فإن أدب الطّفل فيه يعاني الكثير من المشاكل منها: أنّ هذا الأدب دخل عالمنا العربي بعد عدّة قرون من انتشاره في الغرب، ولم يلقَ الدّعم الكافي لإنعاشه وربّما عزف عنه البعض ظنًّا منهم أنّه دليل ضعف لديهم، وقد يعود ذلك لعدم تقدير المجتمع لكاتب هذا الجنس الأدبيّ الصّعب جدًّا، فبالنّسبة لي أستغرق وقتًا طويلًا حتّى أنهي قصّة للأطفال أو أنشودة، بينما كتابة قصّة للكبار لا تأخذ الوقت ذاته، وكتابة القصيدة أحيانًا تكون ببضعة دقائق ولو كانت قصيدة نثر مليئة بالصّو.
وهناك أيضًا عائدات بيع الكتب في العالم العربيّ تعتبر هزيلة، لا تقارن ببيعها في دولة أوروبيّة واحدة, ولدينا مشكلة أنّ الكبار في العالم العربيّ لا يقرؤون فكيف سيكون الصّغار؟ انظر كم كتابًا يقرأه كلّ إنسان. في أوروبا مثًلا الملايين اشترت سلسلة (هاري بوتر) لو كتب الكتاب أديب عربيّ فهل كان سيلقى الاهتمام نفسه وستحظى كتبه بأرقام بيع خياليّة؟
ولا ننسى جودة الكتب، ومضامينها، فبعض ما ينشر لا نعلم كيف تسمح به الرقابة، كما أنّ الإخراج الفنّيّ للقصص قد لا يكون جذّابًا للطّفل حين تتبنّى النّشر مؤسّسات ثقافيّة عامّة، فمعظم القصص تصدر بإخراج بائس ورسوم عاديّة، وورق تكلفته بسيطة وغلاف لا يشجّع الطّفل على قراءته, وبالنّسبة لدور النشر الخاصّة يكون الإخراج بحلّة أجمل، لكن علينا ألّا ننسى أنّه لا همّ لها سوى الرّبح المادّيّ ولو لم تكن المادّة الأدبيّة جيّدة، أو مناسبة لتقديمها للطّفل.
وهناك أمر محزن أيضًا ألا وهو قلّة الدّراسات حول أدب الطّفل وكأنّ النّقد الأدبيّ فقط للشّعر والأجناس الأخرى, كما نعاني من مشكلة أنّ هناك بعض الكتب المترجمة لا تتناسب مع ثقافتنا، وبيئتنا، وعاداتنا، وقيمنا، وبعضها يبثّ ثقافة استعماريّة هدّامة خطيرة, كما تسهم قلّة التّرجمة من العربيّة إلى اللغات الأخرى بالحدّ من انتشار هذا الأدب، عدا عن سعر الكتاب الغالي الّذي لا يمكن لكثير من الأهل شراؤه بسبب صعوبة الحياة وغلاء الأسعار. هناك أيضًا تسييس الإعلام، والحروب الّتي حرمت الطّفل من الأمان ومن أبسط متطلّبات الحياة.
* متى يقبل الطفل العربي على منتج يقدم له بلغته، هويته، ثقافته؟
- الأطفال بحاجة إلى أدب خاصّ بهم؛ لذا علينا العناية بهذا الجانب تأسّيًا بالدّول الأوربيّة، فكتب الطّفل تسهم في صناعة الثّقافة عند النّشء الصّغير لذا لا بدّ أن يكون الأدب المقدّم للطّفل أدبًا جيّدًا، فهو غذاء لعقله، وروحه لأنّ الأدب الرّديء يفسد عقل الطّفل. ومن المهمّ تعزيز القراءة عند الطّفل علينا أن نبسّط له الأسلوب، ونجعله محبّبًا ونقدّم المتعة، والفائدة، والحكمة، والموعظة، ويجب أن تكون هذه الكتب زاخرة بالخيال عبر قصصٍ أبطالها الخياليّة التي تساعد الأطفال، وتزوّدهم بالقيم، والمثل النّبيلة, على هذا الأدب أن يستفيد من الفنون الحديثة، والرّسوم، والصّور ليجذب الطّفل ويحبّبه في القراءة ودخوله عوالمها الجميلة السّاحرة.
* ككاتبة أدب الطفل، ما مقترحاتك في هذا الشأن؟
- لديّ الكثير من الاقتراحات سأحاول إيجازها:
*مثلًا أن تكون هناك حصّة مدرسيّة للمطالعة في مكتبة المدرسة بحيث تعدّ للجلوس فيها وقراءة الكتب كي يتعلّم الطّفل احترام هذا المكان، فلا يثير ضجّة ويتعلّم أنّ الكتاب ضرورة حياتيّة لا يمكن الاستغناء عنها. بالإضافة إلى رفد المكتبة بكتب جديدة دومًا. *أيضًا من الضّروريّ في صفوف ابتدائيّة متقدّمة أن نطلب من الطّالب تلخيص كتاب أو التّحدّث أمام أصدقائه عنه، وماذا فهم منه.
*أرى ضرورة ترجمة بعض القصص والأناشيد للطّفل كي يعلم أنّ هناك ثقافات أخرى عليه الاطّلاع عليها.
*عدم الإسفاف في تبسيط الأناشيد والقصص، فهناك من لا يميّز في كتابة أدب الطّفل بين البساطة المحبّبة وبين السّذاجة، ففي كثير من الأحيان تضمّ الكتب المدرسيّة قصصًا وأناشيد سخيفة بحجّة عدم تعقيد الكلام لإيصال المعلومة.
*كما أقترح في مجال هذا الأدب أن تهتمّ دولنا العربيّة بالكاتب بشكل عامّ وبكاتب أدب الطّفل بشكل خاصّ لأنّ الطّفل هو أمل الغد المعوَّل عليه فإذا نشأ نشأة صحيحة وسليمة ضمنّا مستقبلًا واعدًا ومجتمعًا فاضلًا.
*هناك العديد من وجوه الرّقيّ بهذا الأدب: كالاهتمام بالمسرح والاعتماد على صناعة أفلام كرتون محليّة تناسب أفكارنا ومعتقداتنا. الاهتمام بالأطفال المبدعين في الكتابة وتشجيعهم وإقامة مسابقات تقدّم فيها جوائز معنويّة ومادّيّة وإقامة مهرجانات خاصّة بالأطفال تقدَّم فيها أعمالهم الأدبيّة والفنّيّة ويسلّط الضّوء عليها من قبل مختصّين. وغيرها الكثير لكن أعتقد أنه لا ضرورة لذكرها فأنا أشعر وأنا أكتب تلك المقترحات بأنّني أحلم بالمدينة الفاضلة.