القاهرة 29 اكتوبر 2019 الساعة 10:42 ص
بقلم: د. محمد السيد إسماعيل
يعد الصراع – بمستوياته المختلفة – الدافع الرئيسى للإبداع الذى يقوم على رصد المتناقضات وبناء على طبيعة أطراف هذا التناقض يتحدد نمط الثنائيات الضدية ومع رواية "الشبورة " لأحمد الشدوى نجد تصويرا عميقا لشخصية الآخر العربى من منظور الرؤية المصرية ويحيلنا العنوان إلى طبيعة هذه الثنائية المتداخلة فالشبورة حالة برزخية بين النور والظلمة ويتأكد هذا التداخل بين الظهور والاختفاء فى الاقتباس الذى تبدأ به الرواية.
والحقيقة أن تقنية الاقتباسات الشعرية والدينية تعد إحدى سمات هذه الرواية وهو أمر مبرر لكون "غالب" بطل الرواية شاعرا ولا يقتصر الأمر على الشعر؛ حيث نجد العديد من تضمينات الأغانى الشعبية والأقوال الفلسفية لنيتشه وهايدجر والغذامى، وهى تدور فى أغلبها حول ثنائية الكشف والخفاء وهذا لا يعد ناتئا عن السرد؛ لأنها تأتى فى سياق المعنى الذى يريده الراوى متخذا وضعية الراوى الداخلى الذى تتساوى معرفته مع معرفة الشخصيات المحايثة له فى السرد وقد يتحول إلى مرو عليه وتتحول "نور " إلى راوية لقصة حياتها ورصد تفاصيلها المؤلمة أمام غالب بعد زواجهما ويتراوح الضمير بين المتكلم والغائب حين يتحدث الراوى عن غيره، وتظل الثنائية الضدية فاعلة على مستوى الشخصيات بين غالب المنتمى للجنوب وحامد الرباعى المنتمى للشمال فى شبه الجزيرة السعودية، كما أن شخصية حامد منقسمة على نفسها فاسمه الحقيقى مناور الدافى لكنه يقوم بتغيير اسمه إلى حامد الرباعى تهربا من حكم صادر ضده بعدم دخول مصر، وهو التناقض الذى نراه عند غالب الذى يتنازعه قديس ومارد ويبقى التناقض الأكبر وهو التحايل على الشرع بعقود زواج مؤقتة أقرب إلى تجارة الرقيق الأبيض؛ حين يأتى شيوخ الخليج لعقد زيجات مؤقتة لفتيات صغيرات مقابل إغراءات المال.
إننا فى رواية الشبورة أمام تسليع لجسد المرأة وكان الفضول هو دافع "غالب" لمعرفة هذا العالم الغريب متوقفا أمام علامات الجسد من خلال لعبة الوجه والقناع، يقول غالب مصورا ليلته الأولى مع نور:
"دخلنا الصالون وبدأت السهرة.. خصمان يتربص أحدهما بالآخر نمران تتلبس نور وجه ليلى وأتلبس وجه قيس كلانا بائس فى عداوته وقناعه".
ويجيد الكاتب الانتقال من الأحداث الحياتية المباشرة إلى الأحكام العامة موظفا ثقافته العامة فى العديد من فروع المعرفة، فبعد أن يصف جمال نور يطلق هذا الحكم العام على علاقتنا بجسد المرأة الذى يرى فيه استدعاء خفايا للغرائز الحيوانية.
وعلى قدر ما تزخر الرواية بإدانة الحاضر فإنها تجنح إلى تمجيد الماضى، ويبدو حامد الرباعى أشبه بالقدر الذى يطارد غالب ويظل الشخصية التى تتجمع عندها كل الخيوط، من خلال علاقته بالشيخ الثرى الذى دخل السجن مكانه مقابل المكافأة المالية وهو والد نور التى تم اختيارها عروسا لغالب وهو فى شراكة عمل مع آمال المصرية وزميلة غالب فى الجامعة، كل هذه التقاطعات تجعل منهما غريمين يتربص كل منهما بالآخر، وتبدو شخصية غالب قلقة يتنازعها الخير والشر؛ لهذا فهى دائمة الحركة لكشف ما يحيطها ملتمسة الخلاص الذى يخنق روحها.
ويلتفت الكاتب كذلك لمفارقات المكان التى تعكس التفاوت الطبقى فهناك الأحياء الشعبية فى مقابل مدن الأثرياء، وينقسم أسلوب الرواية بين السرد والوصف والمنولوج وهى تقنية يغلب عليها الاستفهام الدال على الحيرة، وهناك ما يسمى بالأسلوب الاستعارى حين يصرح الكاتب بالمشبه به على لسان علياء فى تصويرها لعلاقتها بزوجها الثانى، كما نجد توظيفا لتقنية الحلم الذى يتحول إلى كابوس وهو ما يتوازى مع ما يعيشه غالب حقيقة.