القاهرة 22 اكتوبر 2019 الساعة 10:18 ص
حوار: أمل زيادة
محمد راضي .. كاتب شاب من مواليد عزبة راضي التابعة لمركز دمنهور محافظة البحيرة. يعمل موظفا في شركة الكهرباء. بدأ مشوار الكتابة بعد ثورة يناير حيث بدأ بالتعقيب على الأحداث السياسية المتلاحقة بأسلوب ساخر، تطور أسلوبه الساخر تصاعدياً مع الأحداث المتلاحقة التي فرضت نفسها على الساحة المصرية فبدأ في خلق حوار سياسي بين شخصيتين وهميتين ينتقد من خلالهما أهم القضايا المطروحة على الساحة سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أو نماذج بشرية حياتية ملفته للنظر. رزقه الله بأول مولودة فأصبح يوثق مواقفه معها في إطار كوميدي محبب برع فيه. قدم العديد من المؤلفات الساخرة. حول كتابه "هكذا تكلم حموءة" كان لنا هذا الحوار.
لماذا اخترت الكتابات الساخرة للكتابة فيها؟
لم أختر لوناً بعينه للكتابة، فقط أكتب بالطريقة الأقرب لشخصيتي الحقيقية. المقربون مني يعرفون أني دائم المزاح والضحك والسخرية حتى من نفسي.
هل تعتبر الكتابات الساخرة متنفسا للشعب؟
الشعب المصري يشتهر بأنه مدمن للسخرية. يعتبر السخرية وسيلة للتعبير عن همومه؛ لذا فأنا أتفق معك في أن الكتابات الساخرة متنفس قد يكون وحيداً للمواطن العادي. الذي يعبر عن همومه من خلال بوست ساخر على مواقع التواصل الاجتماعي أو نكته أو كاريكتير أو من خلال كتابات ساخرة كالتي أكتبها.
أعتقد أن على الكاتب ألا يشعر بالخوف، ويسخر قلمه لإبراز الحق، وأن يعبر عن الشعب عسى أن يكون سبباً لإيصال صوته للمسؤولين وذوي الأمر.
كيف تتغلب على أزمة مود القارئ؟
الكتابة الكوميدية هي التي تحتاج مزاجا رائقا من القارئ لكي يضحك؛ أما الساخر فهو في الأساس ضحك على الهموم؛ لذلك اختلف معك في أن الكتابة الساخرة تعتمد على مود معين للقارئ؛ لأنها تصلح مع أي مزاج، وكثيرا ما أقرأ تعليقات من نوعية "البوست ضحكني وخرجني من مودي الوحش" وهذا دليل على صحة كلامي. وفي العموم أنا لا أفعل شيئا غير أني أكتب، ولا أضعف يحسباني رد فعل القارئ أثناء الكتابة – خصوصاً في المرحلة الأولى- لأنني لو فعلت هذا لن أكتب من الأساس.
من هو حموءة؟
حموءة هو العفريت الذي جاء مصر ليقف بجوار المسئولين ضد الشعب ليقرر في النهاية شيئا آخر، فهل سيظل خاضعاً لمن سخره وأحضره أم سيقاوم. وكل هذا في إطار ساخر بالطبع.
حدثنا عن كتابك هكذا تكلم حموءة؟
الكتاب عبارة عن نصوص اجتماعية ساخرة تتميز بالفكاهة. كوميديا سوداء تغرقك في الضحك رغم الأسى والقضية المثارة بطريقة ساخرة. حيث يقص حكاية حاكم لا يثق في أحد ويخشى تمرد شعبه فيستعين بدجال ليحضر له جن ينقل له أخبار الشعب فيحضر "حموءة" ويأخذ عدة مهام يظهر خلاله البشر من جميع فئات المجتمع وينقل تقاريره للنظام، ومع تصاعد الأحداث يتعاطف "حموءة" مع الشعب حتى يجد نفسه في مفترق طرق إما أن يختار الإنحياز للشعب أو يستمر في خدمة الحاكم.
ما الذي أثر في حموءة لجعله يشعر بالحيرة هكذا؟
لم يخطر ببال حموءة الجني أنه سيواجه كل تلك المخاطر بعدما قام الشيخ بتحضيره من عالمه السفلي الهادئ، ليساعده في تنفيذ مخططاته، وتوالت على رأسه المهام المستحيل تنفيذها. لمس بنفسه ظلم الحاكم وضيق حال المحكومين فصار يفكر: أيتمرد على من حضروه، أم ينفذ المطلوب منه كي يعود لعالمه الهادئ مرة أخرى؟ كل هذا في إطار من السخرية اللاذعة والبسمة التي لن تفارق القارئ.
ما دافعك الأول لكتابة هكذا تكلم حموءة؟
هناك العديد من القضايا التي تحفزني وتدفعني دفعاً للكتابة، الساحة المصرية زاخرة بالأحداث التي تستفز مخيلة الكاتب وتحرك قلمي؛ لذا عندما تلح علي الفكرة أبدأ في الكتابة وأخلط الواقع بالفكاهة بأسلوب سردي محبب حتى أرضى عن العمل وأشعر أنه يجسد الواقع الذي نعيشه رغم أنه واقع يؤلمنا ويسحق طموحاتنا وأحلامنا.
ماذا عن الغلاف ؟
يشكل الغلاف عنصراً مهما في رحلة صدور أي عمل أدبي أياً كان نوعه، وهذا بالطبع يعد أمرا تسويقياً بالمقام الأول وفنياً بحيث يكون معبراً عن المحتوى أو مشوقاً وغامضاً بما يخدم المحتوى أيضاً. الغلاف أراه موفقاً جداً لأنه يعبر عن شخصية الكتاب وبطل الكتاب حموءة. يقال إن الغلاف الذي يخطف عين القارئ هو الغلاف الناجح وأظن أن هناك شبه إجماع على خطف حموءة لعين وقلب القارئ.
لماذا وصف هذا اللون من الكتابات بالكوميديا السوداء؟ ولماذا تفضله؟
وصف بالكوميديا السوداء لأنه يعكس الواقع بكل قبحه وسلبياته والمشاكل الحياتية بكل أسف، أفضل الكتابة فيه رغم صعوبته لأنني أجيده وأجيد التعبير من خلاله عن آرائي بحرية عن طريق الإسقاطات والرمزية.
لماذا لم تكتب في اللون العاطفي، خاصة وأنت زوج وأب؟
لأنني ببساطة أؤمن أن علاقتي بزوجتي وحياتي الشخصية عموماً ليست مجالاً للنشر على عامة الناس، كما أني لا أفضل اللون الرومانسي في قراءاتي وبالتالي يستحيل عليّ كتابته. اتجاهي للكتابة الساخرة ليس قرارا اًمنيا، بل أمر فرضته عليّ الكوميديا السوداء التي تملأ مجتمعنا.
لماذا تفضل الكتابة بالعامية؟
لا أفضل الكتابة بالعامية إطلاقاً، ففي أعمالي –غير الساخرة- لا أكتب إلا بالفصحى، وحتى في الأعمال الساخرة أسرد بالفصحى ولكني أحرص على كتابة الحوار بالعامية لكي أستطيع أن أضيف إفيهات بسلاسة. تخيّلي معي أحدهم يقول "نكتة" بالفصحى! تخيلتي؟ هذا بالضبط ما يحدث حينما أكتب حوارا ساخرا بالفصحى. لكل مقام مقال كما يقال. العامية مع الكوميديا السوداء تستطيع أن تنفذ للقلب كرصاصة أطلقت من سلاح، وأنا أحب أن أكون قريباً من القلوب. اللهجة العامية في الكتابات الساخرة تذيب الحاجز النفسي بين الكاتب والقارئ وتؤهل القارئ لاستقبال كل ما يقال بسلاسة ويسر.
حدثنا عن كتابك شت لاند؟
كما سبق ونوهت أن الكتابات الساخرة يعتبرها البعض من أصعب أنواع الكتابات لأنه يتوجب على الكاتب أن يناقش قضية حياتية أو سياسية بأسلوب ذكي وفي نفس الوقت بطريقة ساخرة معبراً عن سخطه ونقده اللاذع بطريقة مبسطة تصل للقارئ وهذا ما حدث مع كتابي شتلاند، ففي هذا الكتاب استطعت أن أحيل واقعنا الأسود إلى الكوميديا المطلقة التي تضحك الناس على نفسها...
شتلاند مجموعة ساخرة مميزة، فيها نقد لاذع جريء لواقعنا المؤسف إلى جانب التحدث عن بعض الشخصيات البارزة التي لا يجرؤ الكثيرون على الاقتراب منها.
ما دلالة العنوان شت لاند؟
اختلف الكثير في وصف وفك لغز عنوان الكتاب أو يمكنك تعددت الترجمات؛ لكني أكتفي بالقول إن المعني به "أرض اللعنة" وفقاً لترجمة معامل أنيس عبيد .
ألا تخشى أن تخسر جمهورك من القراء من المنتمين للمعسكرين؟ مؤيد ومعارض؟
عندما أكتب لا أفكر في رأي أحد، وبعد انتهاء الكتابة أعرض المحتوى على بعض الكتاب والقراء وأجمع ملاحظاتهم وأعمل بها، ثم تأتي مرحلة النشر فلا يهمني بعد ذلك من يوافقني الرأي ومن يخالفني. في النهاية أنا أقدم محتوى مختلفا وساخرا بالمقام الأول ومن الطبيعي ألا يرضي جميع الأذواق.
إقحام السياسة في الفكاهة.. هل هو موفق أم لا يزال منطقة محظورة؟
بالنسبة لي حتى لو كانت محظورة لن أتخلى عنها؛ لأنني أقدم رأي الشارع وأعبر عما يحدث ويشعر به فطالما كان الأدب والفن والثقافة مرآة المجتمع، من غير المنطقي أن اتجاهل قضايا سياسية مهمة وأركزعلى مشاكل أقل أهمية.
ما هو اللون الأدبي الذي تتمنى الكتابة فيه؟
بالرغم من أنني كتبت معظم الألوان حتى وأن وكانت حبيسة الدرج لم تنشر بعد. إلا أنني أتمنى كتابة روايات جادة في قالب اجتماعي وفانتازيا .
كيف ترى ظاهرة الأكثر مبيعاً؟
من حق الكاتب أن يسعد بنجاح كتاباته ووصوله إلى تلك القائمة. لكني أعتقد أنها ظاهرة خادعة تخدع القارئ بالمقام الأول. ليس كل ما يصل لرف الأكثر مبيعا هوالأفضل، وتخدع الكاتب نفسه لأنه يعتقد أن عمله عظيم فلا يحاول أن يقدم محتوى أفضل.
كيف يواجه الكاتب المبتدئ ظاهرة أولتراس الكتاب؟
الكاتب المبتدئ في وقتنا الحالي يدخل الوسط ومعه أولتراس هو جمهوره الذي صنعه من خلال كتاباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
كيف ترى الساحة الثقافية؟
الساحة الثقافية فيها الجيد والسيء. قد يكون السيء أكثر وجوداً؛ لكني أعتقد أن كل المجالات والأوساط تجمع كل هذا الخليط من البشر. في النهاية نحن لسنا في مجتمع الملائكة؛ لذا أفضل البقاء بعيداً متخذاً موقف المتفرج. الالتفات للصغائر قد يؤخرني عن الوصول لأهدافي وأنا أكتب للزمن وللقارئ الحقيقي الذي لا يربطه بي سابق معرفة ويحرص على اقتناء كتبي. من السهل الوصول إلى النجاح لكن من الصعب الحفاظ عليه، وأعتقد أن التوقف أمام ترهات المجتمع والمحيطين لن تجعلنا نتقدم خطوة للأمام.
ما هو جديد إبداعك؟
أعود للقراء بعد توقف دام عامين. منذ صدور آخر أعمالي "هكذا تكلم حموءة" في معرض كتاب 2018 ولكن جد في الأمور جديد، وقد يصدر لي عمل ساخر جديد في بداية 2020.