القاهرة 15 اكتوبر 2019 الساعة 11:20 ص
الكاتبة السودانية مناجاة الطيب: أطالب الحكومات برعاية إنتاج أدب الأطفال مثل الغذاء والكساء
حوار: صلاح صيام
الأطفال أمانة فى رقابنا، لهم حقوق لابد من اخذها، وعليهم واجبات يجب تعلمها، ووسائل الاتصال بكافة أشكالها- وقد تنوعت وتعددت واتسع نطاقها- هى أول ما تتفتح عليه عيون أطفالنا, فماذا يشاهد فلذات أكبادنا، هل ننتقى ما يقدم لهم, هل نراقب تأثير ما يشاهدونه عليهم, هل عندنا أوقات مخصصة لذلك, هل عندنا بديل لما يفرض عليهم؟ عشرات الأسئلة التى تنتظر إجابات، قررنا فتح الملف الشائك فى عدد من الدول العربية علنا نقف على حقيقة الموقف فى كل قطر، ونصل فى النهاية لحل المعضلة قبل تفاقمها واستحالة محاصرتها.
فى أولى الحلقات نلتقى مع كاتبة الأطفال السودانية مناجاة الطيب عوض الله التى قالت عن نفسها (أحببت الصحافة فامتهنتها وتدرجت في مراحلها حتى وصلت لمدير تحرير بمجلة أطفال اسمها سمسمة، وكنت قد اتخذت لصحافة الطفل سبيلا من وقت مبكر فعندها أجد نفسي خاصة وأنا اتعاطى الكتابة للأطفال منذ الطفولة فكتبت مجموعة من قصص الأطفال وطبع لي 30 كتابا وأخرى تحت الطبع والبعض ينتظر على الورق.
عملت كناشطة لقضايا الطفولة ونلت العديد من الدورات التدريبية في حقوق الطفل والإعلام الموجه للطفولة.
أحلم بإنشاء مؤسسة مختصة لأدب وصحافة الطفل وبالفعل قطعت فيها شوطا ومازال السعي مستمرا.. وإلى نص الحوار:
* صف لنا أدب الأطفال فى بلدكم؟
- ما يقدم في بلدي لا يختلف كثيرا عن ما يقدم في أي بلد عربي وإن اختلفنا في شيء ففي الموروثات الشعبية من أحاجي وحكايات لها خصوصية وقد تختلف تلك الخصوصية من منطقة لأخرى في بلدي بما لها من مساحات متسعة وثقافات مختلفة؛ إذ تجد الحكاية في المناطق الشرقية تختلف عن مناطق الغرب أو الشمال أو الوسط. فالسودان ذاخر بالحكايات الحقيقية وما تمت صياغته لإيصال قيم تربوية أو على سبيل الإثارة والتسلية.
* أين أدب الأطفال العربي من الأدب العالمي للأطفال؟
- الأدب العالمي لا يسبقنا كثير من حيث المضمون والهدف ولكن تتسع المسافة في طريقة الطرح وتوصيل المادة، فهناك نجدهم يتعاطون مع الأدب بواقعية وسلاسة بعيدا عن متابعة ردود الأفعال المتباية ولا يقفون كثيرا لمعادلة إرضاء كل الناس؛ بل ينكب كل تركيزهم على إتقان ما يريدون تقديمه وبثقة تفتح له أبواب النجاح مع تقديم كل التقنيات اللازمة لإيصاله وبطرق متعددة ومثيرة عبر كل قنوات التواصل الجماهيرية فأدب الطفل له قدسية واهتمام ترصد له ميزانيات ضخمة في الغرب واليابان فهو من الأولويات.
* ما خطورة تأثر الأطفال العرب بالمنتج الأجنبي من أفلام ومسلسلات وخلافه؟
- للمنتج العالمي محاسن ومساوئ بالنسبة للطفل العربي الأولى نجدها تفتح بصيرته على عوالم مثيرة مجهولة بالنسبة له وتغذيه بذخيرة من المعلومات هذا من ناحية؛ أما المساوئ فتكمن خطورتها في الاستلاب الفكري والثقافي وتوسيع الهوة بين الطفل وانتمائه لمجتمعه بعاداته وتقاليده مما تصنع منه كائنا متأرجح الهوية ما بين أصل عربي وفكر غربي بكل تفاصيله وتحرره وهذا النوع موجود الآن في مجتمعاتنا بكل تناقضاته ومشاكله.
* هل يمكن إنتاج أدب عربي للأطفال يليق بمكانه الطفل العربي
وما مواصفاته؟ وكيف يتم انتاجه - تمويله – خاص- مؤسسات – خلافه؟
- ممكن جدا، والمجتمعات العربية زاخرة بالمادة الخام التى تنبع من قيم وسلوكيات تشبه أفكارنا وتربيتنا المحافظة أما المواصفات فتتمثل في طريقة التناول والحبكة وعدم الاستهانة بعقول الصغار، ففي بعض الأحيان نجد الكاتب يكتب حكاية ساذجة لا تتناسب مع خياله الجامح الذي يذهب معك لأبعد حدود الخيال سابحا داخل عالم افتراضي يحب دائما أن يرى فيه البطل منتصرا والحق يعلو ولا يعلا عليه. فعلى كاتب أدب الطفل أن يعود لطفولته ويكتب من خياله أكثر من واقعه وعليه أيضا أن يبتعد عن فكرة أطفال العولمة التي أربكت كثير من الكتاب فالتقنية وسيلة لإيصال فكرة وليست هي الفكرة.
للأسف سوق الإنتاج لدينا تنطبق عليه مقولة شهيرة عندنا وهي رأس المال جبان لا يحب المخاطرة، والحل الأمثل أن ترعى حكومات الدول عملية إنتاج أدب الأطفال وأن يكون من أولى اهتماماتها وأن تضع له ميزانية ثابته مثله مثل بقية أوجه الصرف. وعلى منظمات المجتمع المدني معاونتها في هذا الجانب وبخاصة التي تعمل في مجال الطفولة؛ فلا مانع في أن تعطي أطفال المناطق التي تعاني النزاعات والكوارث مع الخبز والحليب كتاب فهم يحتاجونه أيضا.
* متي يقبل الطفل العربي علي منتج يقدم له بلغته وهويته وثقافته ؟
- يقبل عليه عندما يراه مقنعا من حيث الجودة شكلا ومضمونا فعندنا هنا في السودان وفي كثير من الدول مشاكل تتعلق بمدخلات الطباعة وأسعارها الفلكية التي لا تتناسب مع سعر الإصدار حتى تكون متاحة للطفل بسعر في متناول يده بالإضافة للمادة داخل الإصدار سواء كانت مجلة أو كتاب أراها كثيرا غير مقنعة تحكمها معادلات ربحية بحته قد تتدخل في الكيف لأجل الكم .
الوضع مقلق وخطير ويحتاج إلى تكاتف على مستوى الدول عبر مؤتمرات جامعة تعمل على توحيد الجهود. هنالك بعض الإشراقات بدأت في الظهور في إمارة الشارقة ودبي وأبوظبي بتخصيص ميزانيات ضخمة لثقافة الطفل إذا وجد تنسيق بينها وبقية الدول أكيد ستكون نقلة كبيرة واتجاه نحو المحافظة على الهوية والموروثات، وبخاصة اللغة العربية.
ثقافة الطفل تعني البذرة التي تطرح لتنمو مع جسده حتى يكبر ولها مكوناتها في تغذية فكره وروحه. وضروري أن تكون مشبعة بمكوناته ومكنوناته المحلية لينطلق عبرها للعالمية مستصحبا معه قيما لطالما أبهرت الغرب واتخذوها مرجعية وعرفوا قيمتها أكثر منا فتمسكوا بها، وأضعناها نحن ولما رأيناها عندهم انبهرنا بها وكأننا نراها لأول مرة.علينا أن نرجع لنبحث عن أشيائنا مرة أخرى وبالتأكيد لن نضيعها بعدما أدركنا قيمتها. فحكاياتنا التي كنا نسمعها من أهالينا لم تكن مجرد حكاوى لننام على صداها فقد كانت تربية وتعليما وترفيها، ووضع للأرجل على بداية الطريق .