القاهرة 15 اكتوبر 2019 الساعة 11:05 ص
حوار: أحمد مصطفى الغـر
يستطيع الفنان بناء عالمه الخاص وتجربته الشخصية، ومعها يتم تطوير آلية التفكير البصري، وخلق موسيقى خاصة به، بهذه الرؤية الفنية يشرع ضيفنا لهذا العدد في بناء لوحاته الفنية، معتمدًا على تقنيات تشكيلية تختلط مع ألوانه التي تحمل موسيقى خاصة به، إنه الفنان التشكيلي السوري "عمار الشوا" الذي التقته (مجلة مصر المحروسة)، وكان لنا معه هذا الحوار.
في البداية.. كيف ومتى بدأت مسيرتك مع عالم الفن التشكيلي؟
الحديث عن البدايات يستدعي الكثير من الذكريات، وبداية الفنان تتشكل يوم بدأت خلاياه بالتشكل، كنت أرسم في المرحلة الابتدائية، وكان زملائي في الصف يجتمعون حول رسوماتي، والدهشة والفرح تملأ أعينهم، عشقت هذا الفرح، وعملت جاهداً على الحفاظ على هذه الدهشة الخلاقة، التي صنعت البداية.
كانت أمي تقف إلى جانبي وبإحساسها الفطري كانت توجه بعض الملاحظات لتكون نقاطاً مضيئة مليئة بالمحبة الضرورية لأي إبداع. أنا أعتبر أن كل لوحة هى بداية جديدة، تصنع زمناً يتميز بالديمومة والبقاء من خلال الأثر الفني، وهذا هو التحدي الكبير.
هل كان الرسم بالنسبة لك موهبة طورتها بمجهود شخصي أم طورتها بالدراسة؟
لا يمكن إغفال الموهبة، فهي حالة عليا، لكن بالتوازي مع الموهبة يجب أن يكون هناك جهد متواصل وبحث بصري معرفي متصل من خلال الدراسة الجادة، كي يستطيع الفنان بناء عالمه الخاص وتجربته الشخصية، ومعها يتم تطوير آلية التفكير البصري، وخلق موسيقى خاصة بين عنصرين رئيسيين؛ العنصر الخارجي وهى المكونات الشكلية للعمل الفني، والعنصر الداخلي وهو الانفعال.
يقول فينسنت فان غوخ "أحلم بالرسم، وبعد ذلك أرسم حلمي"، فكيف يرسم "عمار الشوا"، أو بمعنى آخر كيف تأتيك فكرة اللوحة؟
عندما يرمي الفنان إلى تجسيد مشاعره الذاتية وتكون مملكة الخيال هي فضاء بحثه، فإنه يعيش حالة من البحث الذهني الدائم عن العناصر والمكونات لنصه البصري وألوان، فتتشكل منظومة من المعرفة والتجربة.
وهذا هو تكنيك الفنان المبدع للوقوف أمام مساحته البيضاء التي تتسع للكون، ففي أنفاس الكون أفكار كثيرة تتشكل مع كل ضوء، فيلتقطها الفنان ويمزجها بألوانه ويضيف لها بعداً جمالياً يوازي الحلم الدائم.
ألا ترى أن الفن التشكيلي يعاني نوعاً من العزلة في بلادنا العربية؟
من المؤسف أنه في عالمنا العربي ليس هناك حضور للفن التشكيلي يليق بتاريخ المنطقة من الناحية الجمالية والتراثية، لن أدخل في تفاصيل لماذا نحن هنا! إذ أعتقد أن هذا لا يغير في الأمر شيئا.
لكن يجب على المؤسسات التي تهتم بالفنون في بلادنا أن تبدأ في تفكيك المشكلات وإيجاد الحلول لها، وذلك للخروج من هذه الظلامية المعرفية، ومحو الأمية البصرية، للخروج رويدا رويدا باتجاه نور الجمال، نحن بحاجة ماسة إلى تعزيز المعرفة الجمالية في الصفوف الأولى للدراسة.
حدثنا عن علاقتك بالألوان؟ وأيّ الألوان تفضل؟
الألوان هى موسيقاي الخاصة، حولتّها إلى أبجدية، أخط بها نصوصي البصرية لتحمل رسالتي إلى العالم، ولكل لون موسيقى خاصة به، وله صوت سحري يحمل نغمات ربما اتصلت بعوالم أخرى، والتجربة هي الميزان لما أقول، فالتجربة الشخصية والمبنية على فهم اللون تعطي اشارة لما نقصده، لنجرب مع اللون الأحمر مثلا؛ عندما نختار ذلك الأحمر الداكن فهو يحمل صوت ودلالة مختلفة عن الأحمر عندما يتجه إلى الفاتح، فصوته يخفت، إلى أن يصل إلى الأبيض، فيصبح بلا صوت.
نستطيع أن نسمع هذا الهمس للألوان، وهنا تكمن أهمية مقولة (كلما كان العمل الفني ثري وخصب باللون كلما اتجه الى الكمال)، بالنسبة لي فأنا أعشق كل الألوان، وألعب معها لعبتي التي لا تنتهي.
هل تحرص على نهج مدرسة معينة في فنك، أم لا تتقيد بنهج المدارس الفنية؟
التعرف على المدارس الفنية والارتواء بتجارب كل مدرسة أمر مهم، ويجب على الفنان أن يتعامل مع الأمر على سبيل بناء الفنان المستقل فيما بعد أن خلع معطف كل التجارب الفنية. فبداية كل لوحة أمر يحدد هوية الفنان المستقلة المبنية على خصوبة المعرفة والتجربة، أعتقد أن في داخل كل لوحة هناك بداية جديدة تدعو إلى الابتعاد عما سبق حتى بالنسبة للفنان نفسه.
لكن سأقول لك إن التعبيرية والتجريب ضمن فضائها أمر يتناسب مع آلية بحثي، وذلك لأن التعبيرية فن لا يحاول أن يصور أو يشرح حقائق الطبيعة الموضوعية، وإنما يرمي إلى تجسيد المشاعر الذاتية للفنان، وان كنت أجنح الى التجريد في بعض الأعمال.
"النقد عبارة عن إضاءة للعمل الفني"، هذا يدفعني لسؤالك: إلى أي درجة تتفهم النقد ؟، وهل يزعجك أم لا ؟
النقد الذي ينطلق من العمل والتجربة الخاصة بالفنان باتجاه المستقبل هو نقد مطلوب وموازي لآلية بناء ابداع متجدد، أما النقد الذي يستند دائما إلى تجارب الماضي ويعتبرها مقياس الإبداع، فهو نقد يفتقر إلى المعرفة وثقافة بناء اليات تتماشى مع الزمن، إن الاطلاع على تجارب السابقين أمر مهم بالنسبة للفنان والناقد.
لكن يجب تجاوز هذه التجارب، والبداية من جديد مع الفنان من حيث هو باتجاه المستقبل، ما أمكن ذلك، والتشارك في بناء أخلاقيات جمالية ترتفع بمستوى الإبداع ليصبح طريقة في الحياة ومنهجا يوميا في السلوك.
حدثنا عن مشاريعك الفنية المستقبلية ؟
مشروعي الدائم هو العمل على مواصلة التجربة للارتقاء بالنص البصري لدي، نظرات دائمة ومستمرة للبحث عن مستقبل فني جدير بالاحترام وأكثر فنتازية من الخيال.