القاهرة 15 اكتوبر 2019 الساعة 10:50 ص
حوار: أمل زيادة
كاتبة شابة تخطو أولى خطواتها مع عالم الكتابة، بدأت الكتابة منذ سنوات، تأخرت قليلاً في خوض تجربة النشر الورقي. صدر لها كتاب بعنوان وقع خطاه أو"ظله" تجربة إبداعية من نوع خاص بطعم المشاعر. مجموعة نصوص نثرية متنوعة تتحدث عن أوجاع المرأة بطريقة مميزة، تؤمن أن كل شيء يصبح أجمل عندما يحين أوانه. تكتب ما تشعر به، تتمنى أن تكتب بحرية دون تخوف من الإسقاطات الشخصية التي تطال الكاتبات بوجه خاص، وصفها البعض بأنها امرأة تحركها الموسيقى ولا يحركها الشيطان, بدائية المشاعر فطرية الإحساس وطبيعية التكوين. امرأة تعرف حقيقتها ولا تحاول الاختباء.. طفلة تجيد الجنون وأم تجيد الحنان، وقد وراق لها هذا التوصيف وتراه معبراً عن كينونتها وحقيقتها ككاتبة وأم، حول مجموعتها القصصية "جغرافيا الحب" كان لنا هذا الحوار مع الكاتبة سهام سمير
حدثينا عن كتابك الأول "ظله" ؟ما دلالة العنوان؟
كتابي الأول كان اسمه (ظله)، قبل أن يتم تغييره لأسباب دعائية، ويصبح اسمه "وقع خطاه"، الكتاب ببساطة عبارة عن نصوص نثرية رومانسية اجتماعية تحكى من وجهة نظر المرأة حالات الحب المختلفة من قرب وبعد وحضور وغياب... يغوص الكتاب فى مشاعر الأنثى المدفونة؛ ليخرج مكنوناتها ويجعلها تطفو على السطح فى محاولة لمساعدة كل أنثى على التعبير عن مشاعرها بصدق دون أن يجعلها ذلك تفقد حياءها أو جزءا من كبريائها .
ما هو أكثر سؤال محير واجهك ككاتبة؟!
وجه لي سؤال في ندوة خاصة بالكتاب أعتبره من أصعب الأسئلة التي قد تواجه الكاتب خاصة إذا كان في مواجهة مباشرة مع الجمهور، كان السؤال هو "هل ارتضيت بظله؟" باغتني السؤال لا مفر من الإجابة بالرغم من أنني أعتبره
سؤالا مفخخا لأنه يحتمل معنيين!!
وتحتم عليّ الإجابة ولابد من إجابة واضحة وقاطعة، فأجبت ب "نعم ارتضيت!!"
من قرأ الكتاب سيعرف أن "ظله" كان فى كل جملة، أما بعد تغير الاسم ل "وقع خطاه" فلم يبتعد كتيراًعن معنى "ظله"، ففى "ظله "كنت سأتابعه، وفى "وقع خطاه" تبعتهبالفعل! ويحضرني تعقيب مميز من إحدى الصديقات تعليقاً على عنوان الكتاب فقالت: ظله، تعبير بالصورة فى حين وقع خطاه، تعبير بالصوت، والاثنان لهم نفس المعنى بأسلوب مختلف، ثم بعد "وقع خطاه"عرفت إجابة السؤال الحقيقية، أنا لم أرتض ظله ولا تهت فى تتبعى لوقع خطواته؛ لأننى وجدت أن الكون أكبر منى ومن ظله ومن وقع خطواته، فالعالم على إتساعه بدأ برجل وامرأة؛ لكنه لم ينته عندهم، بل استمرت الحياة لتنعطف يميناً ويساراً، وتتوه خطاوينا حتى نعرف أن السير في مدارات خلق للأكوان لا للأشخاص، وأن الفلك علم لا محور أدور فيه بل حوله، وأن الحب معنى وطرق وتاريخ وجغرافيا؛ لذا كتبت "جغرافيا الحب".
ماذا عن جغرافيا الحُب؟
هذا الكتاب عبارة عن مجموعة قصصية.. إجتماعية رومانسية, تلمس بشكل غير مباشر المشاعر الإنسانية المختلفة من خوف وحرمان وحب وقلق و تضحية ومفارفات توضح لنا غرائب النفس البشرية, فقد تبدأ بالتعاطف مع شخصية حين تنتهى غير مصدق لما بدر منها والعكس.
المواقف التي تتعرض لها القصص مواقف حياتية شبه يومية, ستجد نفسك أحد أبطالها, فالبطل قد يكون: امرأة, رجل, طفل, أو حتى مكان, أو زمان..
تتنوع القصص ما بين قالب درامي يناقش الخيانة مرة والوفاء مرات، التضحية، الجيرة، الصداقة، الزواج، والخرس الزوجى,الفقد بالموت أو الغياب,وفلسفة الحياة التي ندرك حكمتها غالباً متأخراً جداً، أعتبرها: كوكتيل قصصي مغلف بالمشاعر الإنسانية.
ما دلالة العنوان "جغرافيا الحُب"؟
كنت أقرأ كتاب لغادة السمان ولمحت تعبيراً راقني، حيث كانت تقوم بوصف جغرافيا القلب.. أحبيت هذا التوصيف وجذبني هذا التعبير وشعرت أن المشاعر معقدة مثلما نظن ونفهم عن مادة الجغرافيا، كما أن الجغرافيا بعيداً عن كونها مادة صعبة هي مليئة بالمشاهد التي تتقاطع مع حياتنا وعلاقاتنا بشكل مذهل.. مثلاً فيروز تشدو: شايف البحر شو كبير كبر البحر بحبك .. شايف السما شو بعيدة بعد السما بحبك." جغرافيا العالم والكون تتداخل مع مشاعرنا وأحاسسينا.
أيضاً لأن كل صعوبات مادة الجغرافيا وعجائب الطبيعة تتلاقى مع الحب فى خطوط تماس، فتجد أنك تسلك دروباً غير التي أردتها, وتعود من طريق يختلف تماماً عما سلكته من البداية، ولأن الأماكن تتباعد لكن أبعدهم عن عينيك قد يكون أقربهم إلى قلبك، هكذا تحدد لنا الجغرافيا حدود المكان حين ينسف الحب كل الحدود ,والحواجز.
ما دلالة ترتيب القصص وما هي أقرب القصص إليك؟
القصة الأهم فى المجموعة والأقرب إلى قلبي هي "فستان صوفي أخضر" وكنت أود أن تكون عنوان المجموعة لولا أن (جغرافيا الحُب) أسرنى أكثر واخترته عنواناً للمجموعة.. وجاء فستان صوفي أخضر بداية للمجموعة قولاً وفعلاً.. فهى أول قصة شرعت فى كتابتها بالفعل، وأول قصة بدأت بها المجموعة وتوالى ترتيب القصص، أعتقد أن الترتيب جاء وفق حدسي وارتباطي العاطفي بالمكتوب وأظنني وفقت في هذا الترتيب.
ما الذي يميز قصة فستان صوفي أخضر؟
أعتقد أن ما يميز هذه القصة أنها تلمسني بصدق وتناقش فكرة الحرمان التي تظل تطاردنا إن لم نحقق حلمًا ولو بسيطًا في الصغر إلى درجة أنه قد يغير ويقلب موازين حياتنا ونتبنى على إثره قناعات قد لا تكون حقيقية، باختصار هي قصة تضع المشرط على مكان الجرح وتطهره عساه يُشفى.
متى يتوجب علينا الرد أو الامتناع عن الرد كما حاولتِ التعبير عنها من خلال قصصك "ملعقة شك، قارئة الفنجان" وغيرها؟
في "ملعقة شك " كانت الحوارات الداخلية للشخصية أكثر من حواراتها مع جارتها.. وذلك لأنها شخصية سلبية إلى حد كبير.. ولا تواجه وتسأل وتجيب على نفسها بنفسها؛ ولذلك تبنت آراء كانت في غنى عنها. إن حاولت مرة المواجهة، كذلك "في قارئة الفنجان" كانت صدمة الاكتشاف أعمق من أن ترد، هي ليست سلبية في القصة لكنها مصدومة، بنت كل أحلامها وسعادتها على شخص حين اختفى وكان متوقعا جداً اختفاؤه.. انهارت..
في الحياة كذلك أنت لست مدعواً للرد على كل موقف ولا الدخول في كل معركة؛ لكنك أيضاً مطالب بالصراحة بمواجهة شكوكك ووضع حد لها، وبعض الأحيان يُعد الصمت ردا قويا..
إلى متى نحرص على الاحتفاظ بأشياء تتفنن في إبعادنا عنها ولماذا؟
إلى أن نعي الدرس، هناك أناس تتعلم الدرس من المرة الأولي من الموقف الأول. من أول تجربة؛ لكن الأغلب الأعم يظل متشبسًا بأمل واه، ظنًا منه أنه طوق نجاة، كل المواقف واضحة منذ البداية؛ لكننا نظل نكذب أنفسنا وندعي الصبر ونبرر لهم الأفعال، إلى أن يأتي الدرس قاسياً موجعاً ومعه الحكمة.. من يريد يستطيع ومن لا يريد يختلق الإعذار..
هل من الخطأ التعلق بالماضي حتى ولو كان سعيداً؟
لو كان الماضى سعيدأ لأصبح حاضرًا ومستقبلاً؛ لكنه لم يكن كذلك.. سنة الحياة أنها تستمر.. يشبهون النظر إلى الماضي بالنظر في مرآة السيارة تنظر فقط لتحدد خطوتك القادمة لكن أن ظللت ناظرًا إلى الوراء لن تتحرك وقد يصدمك أحدهم أيضاً.. لذلك كن على صلة بعيدة بالماضي. صلة تعينك على حاضرك لكن لا تظل واقفاً عكس الطبيعة والزمن الذي يدور..
متى يصبح الفضول نقمة على الإنسان؟
حين يُصر على كشف ما أُخفي عنه، حين يتعمد معرفة كل الأمور والإجابات .. والدنيا ليست كذلك بعض المعرفة ألم، والفضول نقمة لأنه لا يؤدي إلى أي طريق..
في الماضي لم أكن اقتنع بما أقوله، على العكس تخيلت أن معرفتي بالأشياء وفضولي تجاهها طبيعي ومن حقي إلى أن عرفت بمرور الوقت والخبرات والقراءات أن الفضول لاكتشاف أمور قد يودى بك من حيث لا تدرى..
والفضول في المجموعة كان في قصة (كاروهات) النبش بعمق في تفاصيل الأشياء أدى بالأبطال إلى مفترق طرق، هي اكتشفت خيانته بالحدس أو الصدفة أو المراقبة لكن ليس هذا الفيصل.. الفيصل (ماذا بعد) الاكتشاف؟؟ هو ما يحدد معرفتنا هل كان ضرورياً لهذا الحد؟ أم أنها كانت وبالا؟
ما الفرق بين الفضول والشك؟
الفضول تدخل سافر فيما لا يعنينا أو حشرية بمعنى أدق كالذى يبحث عن المشاكل فإن لم يجدها اخترعها.. لكن الشك تحركه شواهد أو بعض المواقف وكلمات تثير الشك في النفس، وإما أن يتحول بمرور الوقت ليقين أو أنه يظل شكوكك تؤرق صاحبها..
والذي يشك يبغي المعرفة ليرتاح أما الفضولي فلا شيء يريحه. هو يجد متعته في تعرية الأشياء والآخرين فقط..
نحن مَهرة في العصفِ بقلوبٍ طالما منحتنا السكينة ما تعليقك على هذه الجملة التي اختتمت بها المجموعة؟
من منا لا يعرف ذاك الشخص الذي نتفانى لإسعاده؟ أو كما يقول المثل الشعبي: يقيده له صوابعه العشرة شمع؟
أي شخص منا لديه هذا الشخص، أغلبنا لا يعرف قيمته ولا قيمة ما يفعله لنا إلا حينما نفقده أو نفتقد ما يفعل من أجلنا، وقد نلعب نحن هذا الدور لآخرين أيضا.. فأنا أردت أن أرسل إلى نفسي وإلى غيرى رسالة مفاداها:
كن ممتنا لهذا الشخص أكثر من غيره، لا تأخذ الأمور مُسّلما بها لأن لكل إنسان طاقة وقد تنف دون أن نشعر..
ما هي العقبات التي واجهتك ككاتبة؟
مع أن النشر أصبح ميسراً عن السابق لكن بالرغم من هذه السهولة التي بالتبعية أفرزت العديد من الأعمال الأدبية أصبح العبء أكبر حيث يتطلب منكِ التميز والظهور وسط هذا الكم الهائل من الكُتاب والكاتبات وأن يكون لكِ بصمة خاصة بكِ وأن تستمر رغم الإحباطات.. أما ككاتبة يجب أن تقضي وقتًا مطولاً فى القراءة وحضور فعاليات والكتابة المستمرة مع القيام بدورك كزوجة وأم ومتابعة أطفالك ودورك الاجتماعى.. هي عقبات قد تبدو خاصة أو هي خاصة بالفعل. لكننا لا يمكن التقصير تجاها أو تجاهلها. هناك عقبات عامة مثل صعوبة النشر لأول مرة وأنتِ اسم مجهول.. وتعريف وتقديم نفسك لمجتمع الكُتاب والمثقفين.. إلى جانب ما تلقاه بعض الكاتبات من معاناة إن تطرقت للكتابة بحرية وتحرر للزمان والإبداع.. هي مقيدة بأعراف وتقاليد مجتمع إلا إن كان لديها ما يكفي من الشجاعة الخاصة لمواجهة النقد السلبي والهجوم أحياناً على شخصها وليست كتاباتها.. وهناك قضية أخرى وهى محاولة التنصل من أنها كاتبة نسوية أو تكتب عن الحب والعشق ولا تجيد الكتابة في أي موضوع آخر..
ما هو اللون الأدبي الذي تتمنين الكتابة فيه؟
أتمنى قلمًا حرًا أكتب كما يحلو لي.. أتمنى أن يعود القراء لقراءة الشعر والنثر والنصوص الأدبية المختلفة بعيداً عن الالتصاق بالرواية وتصنيفها الأول على كل الكتابات.. كلنا قرأنا في صغرنا أنواعا شتى من الكتابات.. كنا نقرأ القصص القصيرة والرواية القصيرة.. كتب أحمد خالد توفيق وشعر فاروق جويدة وشعر الأبنودى.. التنوع يثري الشخصيات، أتمنى أن أكتب كثيراً وفي كل الألوان الأدبية..
كيف ترين الساحة الأدبية؟
أرى طفرة في تفعيل الصالونات الأدبية والثقافية.. بشكل يساعد على القراءة والمناقشة.. أحضر مناقشة روايات وكتب بشكل دوري في نواد للقراءة كما ينعقد صالونات أدبية كثيرة تسهم في نشر الثقافة بشكل كبير..
أرى أن القراءة عادت لتصبح الهواية الأحب والأقرب للناس بعدما توقف كثيرون عن القراءة، كما أرى أجيالا من الكُتاب والكاتبات أثروا الساحة..
نصيحة للكُتاب الشباب والقراء؟
اسمحي لي أن أقتبس نصيحة وجهها مدرس في أول يوم دراسي لابني الذي يدرس في الصف الأول الثانوي بنظامه الجديد حيث قال: إن هذا النظام يعتمد على القراءة بالدرجة الأولى وليس الحفظ..
ندمت لأننى لم أبدأ قراءة في سن صغيرة.. أو لم تتح لي فرصة القراءة؛ لذا نصيحتى للجميع هي القراءة المستمرة. القراءة هي ما ستعوض الفاقد لديك.. ستؤنسك.. ستغير مفاهيمك عن الحياة، ستشكل شخصيتك وكيانك.. وكذلك الكُتاب، الكاتب الجيد يقرأ كثيراً ويقرأ في التراث والتاريخ.. هذا ما سيجعل لغته قوية وثرية..
ما رأيك في ظاهرة الأكثر مبيعاً؟
لا اقتنع بها كتقييم للكتاب.. لكنها ظاهرة موجودة وبقوة.. والبعض يأخذها معيارا يحدد على أساسه شراء الكتاب من عدمه؛ لكني لا أفضلها كمعيار لتدخل عوامل كثيرة ليست محايدة أو موضوعية في تقييمها كأكثر مبيعاً..
ما هي معايير الكتاب الناجح من وجهة نظرك؟ ومن هو الكاتب الناجح من وجهة نظرك؟
الكتاب الناجح مصطلح مطاط يختلف من شخص إلى آخر. بالنسبة لي يعد الكتاب ناجحاً إذا كان قريباً من القلب، الكتاب الناجح هو الذى تشعر بين وريقاته أنه يكتبك وأن الكاتب يحادثك، أحيانًاً كثيرة نشعر كأن الكاتب يعرفنا شخصيأ ويعرف ما حدث لنا ويعبر عنا بأفضل مما نعبر عن أنفسنا..
يقول إرنست هيمنجواى: ليس الكاتب من له كتب بل من له قرّاء.
ما رأيك في الكتب المسموعة هل تشكل فارقاً مع الكاتب هذه الأيام؟
الكتب المسموعة ملاذ لمحبي القراءة ممن تمنعهم ظروف سفرهم أو عملهم المضنى المستمر عن القراءة، أعرف كثيرين يسمعون الكتب أثناء عملهم سواء أكانت ربة منزل أو أثناء القيادة.. لكن بالنسبة لي أعشق القراءة من الكتب الورقية وملمس الورق ورائحته المميزة؛ لذا أرى أنها ضرورة لمن لا يملك رفاهية القراءة بالطبع تشكل نقطة فارقة مع الكاتب حيث يستهدف شريحة جديدة من القراء لا يمكن تغافلها.