القاهرة 09 اكتوبر 2019 الساعة 03:49 م
ترجمة وإعداد: سماح ممدوح
كثيرا ما يُسأل المبدعون، من الكتاب بالتحديد، عن أفكارهم ومن أين أتوا بها. وعن ذلك يحكى الروائي البريطاني (نيل جيمان) حيث يقول:" "كل أصحاب المهن يقعون في هذا الشَرك. الأطباء على سبيل المثال، دائما ما يُطلب منهم المشورة الطبية، المحامون يُسألون عن المعلومات القانونية، والحانوتي يسأل عن كيفية جعل مهنته مثيرة لكن الناس، حينها يحاولون تغيير الموضوع سريعا. ويُسأل الكاتب من أين تأتى بالأفكار.
في البداية كنت قد اعتدت إجابة الناس عن هذا السؤال إجابات ساخرة، فمثلا أقول" آتى بأفكاري من نادي فكرة الشهر، أو أقول آتى بأفكاري من متجر الأفكار الصغيرة بوجنور ريجسى، أو أقول آتى بالأفكار من كتاب قديم مغطى بالتراب، ومليء بالأفكار احتفظ به في قبو منزلي، أو حتى آتى بأفكاري من"بيت اتكينز"، (وهذا الأخير لا يعرفه الكثيرون ويحتاج مني تعريف) فـ"بيت اتكينز" هو كاتب سيناريو، وروائي صديقي ، وقد قررنا من زمن عندما سألني نفس السؤال من أين آتى بأفكاري، قررت أن أقول أنى استمدها منه هو شخصيا، ليرد علي بالمقابل بأنها كانت أفكاري أنا أولا، ومع الوقت، وجدنا إن هذا منطقي، نستمد الأفكار من بعضنا)
وبعدها مللت من الإجابات التي بت أراها غير كوميدية. لكن هذه الأيام قررت أن أُخبر الناس الحقيقة:
"أنا من أصنع أفكاري، أختلقهم في رأسي"
لكن الناس لم تحب هذه الإجابة كثيرا، ولا أعرف لماذا. ينظرون إلي بعدم رضا، وكأنني أريد التخلص منهم سريعا. أو كما لو يكون سرا كبيرا، ولسبب معين خاص بي لا أخبرهم الإجابة الصحيحة وكيف أحصل على أفكاري.
بالتأكيد هذا غير صحيح، لأسباب، أولا: أنا نفسي لا أعلم من أين آتي بأفكاري، ما الذي يجعل الأفكار تخطر لي، أو إن كانت هذه الأفكار ستأتي أو لا تأتى.
ثانيا: أشك في أن أي أحدا يرغب في الاستماع لمحاضرة ثلاث ساعات تحكى عن عملية الإبداع.
ثالثا: إن الأفكار ليست مهمة إلى هذا الحد، حقيقة ليست كذلك، أي فكرة سواء كانت فكرة كتاب، أو فيلم أو قصة، أو مسلسل تلفزيوني.
كل كاتب واجه هذا الأمر، يأتي إليك الناس ليقولوا إن لديهم فكرة. ودائما ما تكون أفكارهم متشابهة. ويخبرونك إن هذه الفكرة غير مسبوقة، فكرة قوية، وعندما تأتى لكتابتها، أو تحويلها رواية، تجدها عادية، (ربما حينها يمكنك كتابة هذه الفكرة أو تحويلها رواية واقتسام المال مناصفة مع صاحب الفكرة).
أتعامل بعقلانية كبيرة مع هؤلاء الناس. وأخبرهم حقيقة إن لدي العديد من الأفكار عن أشياء عدة تشبه فكرتهم. ثم أتمنى لهم التوفيق.
الأفكار ليست فقط الغير مسبوقة أو الصعبة، إنما هي كيان كامل.
خلق شخصيات يمكن أن يصدقها الناس، يفعلون أكثر أو أقل مما يحكيه الناس، لهو من أصعب الأشياء. وأصعب بكثير من هذا التصور البسيط لعملية الكتابة، التي يعتقدها الناس مجرد سرد كلمات بعد أخرى فقط، لكن العملية هي بناء ما تريد قوله بشكل يجعله مثيرا، وهذا ما سيجعله غير مسبوق.
لكن ما يزال الناس يريدون أن يعرفوا كيف تأتيني الأفكار. وفي حالتي، هناك من يريد أن يعرف ما إن كانت أفكاري تأتيني من أحلامي، والإجابة بالتأكيد لا، (منطق الحلم، غير منطق القصة)
ولنأخذ مثلا، أخبر شخصا عن حلم رأيته مثل إن تقول ، كنت في هذا المنزل، وأيضا رأيت مدرستي القديمة وكانت هناك ممرضة، وكانت تبدو كساحرة عجوز،ثم ذهبت بعيدا، وكان هناك ورقة شجرة ولم أستطع النظر إليها، وكنت أعرف أنى لو لمستها سيقع شيء رهيب) احكي حلم هكذا وسترى كيف ستلمع العيون. لكن أنا إلى الآن لم أستطيع إعطاء إجابة مباشرة على هذا السؤال.
ابنتى "هولى"، ذات السبعة أعوام، اقنعتنى بالذهاب للتحدث إلى أصدقائها في الفصل وكانت المعلمة متحمسة جدا( فالأطفال كانوا على وشك عمل كتابهم الخاص، أخيرا، وربما أجيء إلى الفصل وأحدثهم كيف يصبحون محترفين في الكتابة، وأخبرهم الكثير من القصص، فهم يحبون القصص) وبالتالي ذهبت إليهم.
جلسوا على الأرض، جلست على الكرسي، عيونهم معلقة تجاهي:
"عندما كنت في مثل عمركم، لم يكن الناس يريدون أن أحكى لهم عن الأشياء التي أفعلها. لكن اليوم، يعطونني أموالهم لكي أحكي لهم" تحدثت إليهم لمدة عشرين دقيقة، ثم سمحت بالأسئلة.
في النهاية وقف احدهم وسألني:
من أين تأتيك الأفكار؟
عندها أدركت إني مدين لهم بالإجابة، لم يكون كبارا كفاية لتمييز الأفضل. وهذا سؤال يبدو معقولا، غير انه يسأل أسبوعيا.
وهذا ما أجبتهم به
"تأتيك الأفكار من أحلام اليقظة. تأتيك الأفكار عندما تصاب بالسأم، فقط هناك فرق بين الكُتاّب، والناس العادين في ذالك، وهو أن الكُتاّب يلاحظون هذه الأفكار عندما تأتى.
ستأتيك الفكرة عندما تسأل نفسك السؤال البسيط، السؤال الأهم، وهو" ماذا لو...؟"
(ماذا لو استيقظت في أحد الأيام وقد نبت لك جناحان؟ماذا لو وجدت أختك وقد تحولت إلى فأر؟ ماذا لو عرفت إن أحد معلميك، يخطط لأكل أحدكم في نهاية الفصل الدراسي لكنك لا تعرف كيف؟)
وهناك سؤال هام آخر،وهو، لو فقط...؟"
ماذا لو كان فقط دورك في الحياة، وكأنه دور في فيلم موسيقى هوليودى؟ ماذا لو فقط استطيع تصغير نفسي لأصبح بحجم زرار؟ لو فقط تقوم الأشباح بكتابة واجبي المنزلي؟"
وهناك أسئلة أخرى مثل:، أنا أتساءل...
(أنا أتساءل ماذا تفعل عندما تكون بمفردها؟).
ماذا لو حدث هذا(ماذا يحدث لو بدأت التلفونات تتحدث إلى بعضها البعض من دون وسيط؟).
هل سيكون مثيرا لو( هل سيكون أمرا مثيرا لو حكم العالم بواسطة القطط؟).
هذه الأسئلة وكثيرا غيرها هي الإمكان، وبشكل أساسي، حيث تأتى الأفكار. (قال بالنسبة لمسألة حكم العالم بواسطة القطط، كيف سيشعرون حينها؟).
الأفكار لا تأتى بالحبكة، فالفكرة هى مجرد بداية الإبداع، والحبكة عادة تأتى من تلقاء نفسها عندما يسأل المرء نفس الأسئلة حول نقطة البداية.
أحيانا تكون الأسئلة عن شخصية مثل(هناك ولد يريد أن يعرف ما هو السحر) أحيانا أسئلة عن المكان مثل(هنالك قلعة في نهاية الزمان، وهو المكان الوحيد هناك.....) أحيانا تكون الأسئلة عن الصورة مثل(هناك امرأة تظهر في الغرفة المظلمة المعبأة بأناس باهتى الملامح).
غالبا الأفكار تأتى من شيئين متلازمين، ولا يأتيا إلا متلازمين، مثل( إذا عض ذئب أحدهم وتحول إلى ذئب أيضا، فماذا لو عض الذئب سمكة ذهبية؟ وماذا لو عض الذئب كرسي؟)
كل القصص هي عملية تخيل:
مهما كان ما تكتب، مهمتك أن تجعل الأشياء مقنعة، ومثيرة، وجديدة.
عندما يكون لديك فكرة، بعد كل ذالك وبدأت المشروع، فماذا بعد؟.
حسنا، حينها أبدأ بالكتابة. ضع الكلمات واحدة تلو الأخرى حتى تنتهي. على أي حال.
أحيانا ينجح الأمر على هذا النحو. ولا تتخيل من الوهلة الأولى أنه ينجح دائما، فأحيانا لا تعمل الأمور بهذه الطريقة، ولا تنجح، فترمى كل شيء وتبدأ من جديد.
أتذكر منذ عدة أعوام مضت، كانت لدى فكرة عظيمة، قصة عن رجل الرمل، كانت الفكرة عن شيطان أعطى بعض الكّتاب والفنانين ومؤلفي الأغاني أفكارا تغير حياتهم مقابل جزء من حيواتهم، وأسميت القصة "الجنس والبنفسج".
وبدت هذه قصة دقيقة، فقط حتى شرعت في كتابتها، اكتشفت أنها تبدو كمحاولة الإمساك برمال ناعمة كلما فكرت بأني ملكت الفكرة أخيرا، أجدها تتسرب منى كما يتسرب ذالك الرمل الناعم من بين الأصابع ويختفي.
كتبت في الموعد
لقد بدأت هذه القصة مرتين الآن، وما إن أصل إلى منتصف الطريق لنهاية القصة، حتى ينتهي الأمر عند هذا الحد، وأرى موت القصة على الشاشة أمامي.
رجل الرمل، هي قصة رعب كوميدي من نوع القصص المصور. لكن لم يسبق أن كتبت شيئا أثر في داخلي مثل هذه القصة. وأنا الآن أوشكت على الاستسلام وعدم إكمالها.
الأفكار التي من الممكن أن أضعها على الورق وأكوّن منها قصصا هي الشيء الذي يجعل منى كاتبا.
وهذا لا يعنى أنى أصحو مبكرا وأجلس في قطار مع أناس لا أعرفهم وأذهب إلى عمل أكرهه!.
الجحيم بالنسبة للكاتب هو الورق الأبيض، أو صفحة الشاشة الفارغة لا أستطيع ملئها. وعليّ ملئها بشخصيات لأناس ممكن أن نصدقهم، أو في قصة لم تحكَ من قبل.
البدء في ملئ الصفحة البيضاء
كتبت فكرتي، فقد يئست،(اليأس، ربما هو شيء حقيقي آخر أستطيع أن أجيب به عندما أسأل من أين آتى بأفكاري ولا تعجبهم أيضا هذه الإجابة، اليأس والملل أيضا كلها إجابات حقيقية، وهى من الأشياء المهمة في الكتابة بجانب الأفكار الأساسية، والقصص المحكمة الصياغة.
في النهاية ينصح نيل جيمان من يريد الاستزادة بمعرفة من أين تأتى الأفكار بقراءة كتابه الذي جمع فيه كل الإجابات عن هذا السؤال وأسماه"أرض الأحلام".
WHERE DO YOU GET YOUR IDEAS?
Where do I get my ideas from?
I make them up.
Out of my head.
المصدر
http://www.neilgaiman.com/p/Cool_Stuff/Essays/Essays_By_Neil/Where_do_you_get_your_ideas%3F