القاهرة 09 اكتوبر 2019 الساعة 03:43 م
د.محمد السيد إسماعيل
تنقسم العناوين – طبقا لعلاقتها بنصوصها – إلى عناوين ملخصة لمحتوى النص أو مشيرة لأهم تيماته أو عناوين محفزة لفضول المتلقى والعنوان الذى بين أيدينا – " نصوص من الوادى المقدس " – يشير إلى محورية فهو يقدم نصوصا حول هذا الوادى المقدس الذى كلم الله فيه موسى وتجلى له وطلب من موسى عليه السلام أن يخلع نعليه – النفس والهوى كما يشير الكاتب – وبهذا يتهيأ لتلقى رسالة الله وهى حادثة تنسحب على كل إنسان فلا أحد يستطيع أن يتلقى كلمة الله وإلهامه وهدايته قبل أن يتخلص من علائقه بأهوائه الأرضية وبهذا المعنى يوسع الكاتب من دلالة المكان والزمان حين يقول الأخلاء يومئذ / وكل يوم / يومئذ / بعضهم لبعض عدو / إلا المتقين / فاخلع نعليك / تتسع / وإلا فمن ضيق لضيق " فقوله " كل يوم " هو " يومئذ " توسيع لدلالة الزمان وهكذا يصبح خلع النعلين عند الوادى المقدس ساريا على كل مكان يحل فيه الإنسان وعندئذ تتسع الرؤيا وتنفذ البصيرة ويصبح الإنسان فى حضرة الإيمان وإلا أصبحت حياته من ضيق لضيق .الإنسان هو الأصل فبقدر تخليه وتحليه يتغير المكان والزمان ويصبح المكان " مكانة " بتعبيرات ابن عربى .الوادى المقدس هو طوى لكن أرض مصر كلها تصبح واديا مقدسا ويصبح سرها مغلقا مطلسما لايكشفه إلا من يخلع نعليه والأمر نفسه ينطبق على الفرائض كلها فالحج لا يصح إلا إذا كان بالروح لا بالجسد فقط وليس هو الانشغال بالحجارة بل التوجه إلى الله وإلا تحول الحاج إلى زنديق تستغرقه الأشياء والعوالم يقول " تطوف حول الكعبة فتشغلك الحجارة / وتظن أنك حججت / لكنك لم تطف ولم تحج / لغير نفسك أيها الزنديق " ثم تتوالى الثنائيات وهى تتوازى مع الثنائية السابقة : الروح والجسد وذلك من قبيل : الأرض والسماء والجمال والقبح والصبار واللبلاب والتقييد والتجريد والعزلة والمخالطة ثم الثنائية الرئيسية " الدين المنزل والدين المبدل " ففى ثنائية الأرض والسماء يقول " الطينيون / يكرهون من يحلق فى الفضاء / فعلوى وسفلى وحب وكره / وطهر وبغاء " تبدأ الرموز واضحة الدلالة بالطينيين الذين يكرهون المحلقين دلالة على الرقى فيتحدد أمامنا صنفان من البشر : العلوى والسفلى والمحب والكاره والطاهر والبغى والأمر كله راجع إلى اكتشاف الروح أو العجز عن اكتشافها هذه الثنائية تمهد لنظيرتها : القلب السليم والقلب المريض ويفرق "حب الله " بينهما بأن الأول يبحث عن الجمال فى كل شىء بينما الثانى يبحث عن القبح فتحت عنوان " قلب وقلب " يسأل الكاتب / المريد شيخه عن " المائز بين القلب السليم والقلب المريض " فيجيبه أن " الأول يبحث عن الجمال فى كل شىء / والثانى يبحث عن القبح فى كل شىء " وفى هذا السياق تأتى ثنائية الصبار بوصفه دليلا على الصبر وقوة التحمل واللبلاب الذى يرمز للتسلق والصعود على حساب الغير وهو مانجده فى قوله " ابقى أو ارحلى / أيا زهرة الصبار العطشى / وما شئت فافعلى / فالطوفان خطير جدا / وهذا شأنى وليس شأنك أن تتحملى /فالفرق كبير بين الصبر على الجدب / والصبر على المخاطرة " وفى هذه السطور يمايز الكاتب بينه وبين زهرة الصبار فهى تصبر على الجدب انتظارا لحياة مختلفة مؤجلة بينما هو يواجه المخاطر التى قد تعرضه للخطر .تأتى بعد ذلك ثنائية التقييد والتجريد وهى مناظرة لثنائية الجسد والروح فالجسد هو سجن الروح التى تسعى إلى الانطلاق من قيده لكن لابد من هذا التقييد الذى تتجلى فيه أو من خلاله الذات الإلهية والمجاهدة وحدها هى التى ترتقى بالإنسان من " زمن التعلق به فى مرتبة الخلق " إلى " زمن التعلق به فى مرتبة الحق " إنها مراحل أو درجات فلايمكن الوصول إلى المجرد إلا من خلال المقيد إن الإنسان هو الذى يجسد المعانى العظيمة والقيم العليا التى تظل فى إطار التجريد والخيال حتى يتبناها الإنسان : " قال لى كل أسماء المعانى / بل المعانى ذاتها / تبقى وهما / مالم تجسدها مخلوقات حية تسعى / فلا دين بلا متدينين ولا حب بلا محبين ولا حرية بلا أحرار ولا عدل بلا عدول " وهو فى الحكم على هذا لايعول على الألفاظ التى قد تكون صادقة أو كاذبة ولا الأفعال التى قد تكون مخلصة أو للرياء فحسب بل يعول على " الأحوال التى تسلمك للمقامات " وموقف العارفين بالله موقف التوسط الذى يمتدحه الإسلام ومن هنا تأتى أهمية التوسط بين العزلة والمخالطة فالمخالطة الدائمة حجاب يبعدك عن الرؤية الصحيحة وطبقا لمصطلحات العرفانية الروحية يظل هناك فرق بين " الشريعة والحقيقة وهكذا حتى نصل إلى الثنائية الأم وهى الدين المنزل والدين المبدل وفيها يطرح الكاتب أفكارا مهمة على لسان شيخه " قال لى : إياك إياك أن تحكى عنه إلا ماحكاه / فذلك هو الدين المنزل / فأنت لا تحكى إلا مافهمته مما أنزل / وليس ما فهمته عنه بالضرورة هو ما أراد / وكل الفهوم ترجمات عما بالنفوس / لا ترجمات عنه / وذلك هو الدين المبدل " ثم يقول بوضوح أكبر " لا تشرح ولا تفسر ولا تؤول إلا أن تقول هذا فهمى وتلك ترجمتى " هذا الكلام المهم يضع فرقا شاسعا بين الدين والفكر الدينى بين آيات الله المنزلة ورؤيتنا لهذه الآيات ومن هنا لايحق لأحد أن يدعى أن رؤيته هى ما أراد الله بل هى فى حقيقتها اجتهاد يخطىء ويصيب لا يستطيع أحد أن يدعى أنه يملك الحق ولو حكمنا هذه الرؤية المستنيرة لتخلصنا من الإرهاب باسم الدين ودعاوى الدولة الدينية التى تؤكد أنها تحكم بحكم الله .
|