القاهرة 08 اكتوبر 2019 الساعة 01:58 م
كتب : أحمد مصطفى الغـر
تشتهر مصر باحتضانها جزء كبير من أثار العالم التي يرجع تاريخ بنائها إلى آلاف السنين، لعل أبرزها أهرامات الجيزة والتي تعد إحدى عجائب الدنيا السبع، وإلى جانب الأهرامات الأشهر "خوفو، وخفرع، ومنكاورع"، ثمة أهرامات أخرى، مثل هرم سنفرو أو الهرم المائل، الواقع في منطقة آثار دهشور بالجيزة، ويعبّر هرم سنفرو عن مرحلة مهمة من مراحل تطور بناء الأهرامات التي استخدمها المصري القديم كمقابر ملكية، حيث إنه أول محاولة لبناء هرم كامل بعد هرم زوسر المدرج، وترجع أهمية الملك "سنفرو" إلى أنه والد الملك "خوفو"، وهو الذي أسس الأسرة الرابعة الفرعونية ولديه 4 أهرامات، واستغرق العمل في بنائه 14 عاماً، ويعد ثالث أكبر هرم بعد هرم الملك خوفو والهرم الشمالي
يبلغ ارتفاع الهرم نحو 121 متراً، وطول كل ضلع في قاعدته نحو 188.1 مترا، وللهرم زاويتا ميل؛ الأولى 54 درجة، حتى ارتفاع 49، والثانية 48 درجة حتى ارتفاع 52 متراً، وكان مقرراً بناء هذا الهرم بزواية 54.31، لكن المهندس الذي شيده غيَّر الزاوية إلى 43.21، بعد أن وصل الهرم إلى 49 متراً، وإذا كان استمر في تشييد الهرم بالزاوية الأولى، لكان وصل إلى ارتفاع أكثر مما هو متوقع، وقد لاحظ مهندس الهرم أن الجدران الداخلية بدأت تظهر فيها التصدعات، وقاعدة الهرم لم تكن لتتحمل هذا الثقل، لذا تم تغيير شكل البناء، وللهرم مدخلان، الأول في الناحية الشمالية على ارتفاع 12 متراً، يؤدي إلى ممر هابط بطول 79.5 مترا، منها إلى صالة عرضية ذات سقف ومنها إلى ممر غير منتظم تؤدي الجهة اليمنى منه إلى المدخل الغربي للهرم، أما الجهة اليسرى فتؤدي إلى غرفة الدفن غير مكتملة السقف، والتي توجد بها دعامات خشبية.
يعتبر هرم سنفرو تحفة أثرية تعكس نبوغ وروعة حضارة المصريين القدماء، وقد خضع لعملية ترميم مؤخرًا، وإعادة رونقه مُجدداً كتحفة تحتفظ بعبق التاريخ، وتم افتتاحه أمام الجمهور للزيارة، وقد امتدت أعمال الترميم الأخيرة من قاعدة الهرم وحتى ارتفاع 4 أمتار، حيث جمع فريق العمل الأحجار المتساقطة حول الهرم وأعادها إلى أماكنها الأصلية، وتم ملء الفواصل بين مداميك الأحجار التي فقدت مونتها بسبب عوامل التعرية، مع الحفاظ على القيمة الأثرية للهرم، كما تم الانتهاء من أعمال الترميم للجهات الثلاث الأخرى للهرم، وإعادة جميع الأحجار المتساقطة إلى أماكنها الأصلية، إلى جانب ترميم الهرم من الداخل.
وقد شهد الهرم العديد من أعمال الحفائر، كان أولها عام 1839 على يد البريطانيين برنج وفيز، حيث قاما بتنظيف الأجزاء الداخلية للهرم، ثم عام 1894 و 1895 جاءت بعثة "دى مورجان" وهى أول بعثة علمية تقوم بعمل حفائر فى منطقة هذا الهرم، وفي عام 1945، تمكن المهندس عبدالسلام حسين من الكشف عن اسم الملك سنفرو مكتوب أكثر من مرة مع العلامات التى كان يكتبها عمال المحاجر على الكتل الحجرية للهرم وخاصة تلك الموجودة فى أركان الهرم، وذلك أثناء قيامه بأعمال الحفر الأثري حول الهرم.
في عام 1951 استطاع عالم الآثار "د. أحمد فخري" اكتشاف المدخل الغربى للهرم أثناء أعمال تنظيف كل الممرات الداخلية له، كما قام بتظيف جزء من الطريق الصاعد المؤدى إلى معبد الوادى، وفي مايو عام 2016م، تم الكشف عن أول صور ثلاثية الأبعاد، لما يوجد داخل هرم سنفرو المائل، حيث استخدم فريق علمي ما يُسمى "الأشعة الكونية" لصنع خرائط تبين الهياكل الداخلية لهذه العجائب القديمة، وكشف علماء الآثار عن النتائج الأولى من عملهم على ما يوجد في داخل الهرم، وأظهرت الصور ثلاثية الأبعاد الغرف الداخلية البالغة من العمر 4600 عام، كما كشفت الصور عن شكل الغرفة الثانية للهرم.
ما يعيب وضع هرم سنفرو المائل الأن، أو بالأحرى ما ينقصه، هو أنه لا يحظى بإقبال جماهيري كبير من جانب السياح والزائرين، كغيره من أهرامات الجيزة، فبالرغم من هوس الأجانب بالحضارة والآثار المصرية القديمة، إلا ان معظم زياراتهم تكون موجهة صوب الأهرامات الثلاثة "خوفو، وخفرع، ومنكاورع"، ونتيجةً لهذا النقص وعدم الترتيب في الترويج لهذا الهرم فإن معدل الزيارات التي يحققها سنويًا لا تتناسب مع أهميته، إن ما نحتاج إليه الآن هو الترويج عن روعة هذا الهرم، باعتباره تحفة أثرية، والبحث عن سبل مبتكرة لتسويقه، وقد يتحقق ذلك من خلال دعوة مشاهير العالم لزيارته، وتسليط الضوء علي هذا المقصد السياحي من خلال التغطية الإعلامية العالمية لأخبار تلك الزيارات، كما يجب على هيئة الاستعلامات أن تقوم بالتسويق الجيد لهذه الزيارات عن طريق نشر أخبارها لجميع المراسلين الأجانب من جانب سياحي بحت، وكذلك يجب أن تقوم هيئة التنشيط السياحي بوزارة السياحة، بتوزيع المادة المصورة لهذه الزيارات على مكاتب مصر السياحية بالعالم وشركات الطيران والسياحة العالمية، هذا إلى جانب أهمية دور الإعلام المحلي والعالمي في هذا التسويق.