القاهرة 08 اكتوبر 2019 الساعة 01:50 م
كتب : أحمد مصطفى الغـر
خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقعت عدة أحداث مهمة يتعلق جميعها بالفضاء، وبالتأكيد كان من بينها ما يثير القلق وبشدة، أول هذه الأحداث المهمة، هو أن وكالة الفضاء الأوروبية "إيسا" اضطرت إلى تغيير مسار قمر صناعي مخصص لمراقبة الرياح والغلاف الجوي، يتبع مشروع "ستارلينك" المملوك لمجموعة "سبيس إكس"، ومؤسسها "إلون ماسك"، خشية اصطدامه المحتمل مع قمر تابع لخدمة الإنترنت، للمجموعة نفسها، هذه القصة تعيدنا إلى فبراير 2009، عندما اصطدم قمران صناعيان للاتصالات، أحدهما أميركي والآخر روسي في الفضاء. فهل تشبع الفضاء بالأقمار الصناعية والمركبات ونفاياتها حتى صار مزدحمًا لدرجة أنه قد وصل إلى مرحلة التكدس؟، إذ كنا نتحدث عن ازدحام الأرض وأن ضاقت بسكانها، فهل ضاق الفضاء حتى قبل أن يسكنه البشر؟
يضم مشروع ستارلينك حاليا 62 قمرًا صناعيًا تدور في مدار حول الأرض، فيما تسعى "سبيس إكس" لإطلاق 12 ألف قمر صناعي لتوفير خدمة الإنترنت السريع للعالم أجمع، وبعد تغير مسار القمر الصناعي المذكور، قالت وكالة "إيسا" في تغريدة لها "مع ازدياد عدد الأقمار الصناعية في المدار، سيصبح من الضروري تكليف الذكاء الصناعي مهمة تجنب حوادث الاصطدام في الفضاء"، لكن ورغم أن حوادث تصادم الأقمار الصناعية نادرة إلى الآن، لأن كل قمر صناعي يوضع في مدار مصمم لتجنب الأقمار الصناعية الأخرى، فإن هذه التغريدة تقدم تحذيراً بالغ الخطورة، خاصة مما يوجد في الفضاء المحيط بالأرض من أقمار صناعية ومخلفاتها وبقاياها وحطامها، فوفقا لمكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، فإنه منذ بداية عصر الفضاء وإطلاق الاتحاد السوفيتي السابق القمر الصناعي "سبوتنيك 1" حول الأرض، وحتى الآن، تم إطلاق ما مجموعه 8378 قطعة في الفضاء، غير أن حوالي نصفها انتهى أجله وتحطم.
ووفقًا لمؤشر الأجسام المطلقة في الفضاء الخارجي، الذي يحتفظ به مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، فهناك 4635 قمرا صناعيا تدور يوميا في مدار حول الأرض؛ بزيادة قدرها 8.91 في المئة مقارنة بالعام الماضي، كما يشار إلى أن الأقمار الصناعية المختلفة تدور في مدارات، إما منخفضة أو متوسطة أو مرتفعة حول الأرض، أي أنها توجد على ارتفاعات تتراوح بين 1000 و36000 كيلومتر، وهذه الأرقام تشير إلى أن هناك الكثير من القمامة في الفضاء، وفي المستقبل القريب ستتحول الأقمار الصناعية إلى حطام يشكل خطرا متزايدا على الفضاء والأرض على السواء.
كميات الحطام والأجسام والبقايا التي خلفها الإنسان في الفضاء منذ بداية غزو الفضاء حتى الآن تنذر بالخطر، وقد تختلف الأرقام المتعلقة بمخلفات وبقايا وحطام المركبات الفضائية والأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء المحيط بالأرض، لكن من ناحية المبدأ يعتقد أنه يوجد نحو 23000 قطعة من مخلفات الأقمار الصناعية في المدار الفضائي حول كوكب الأرض، يبلغ قطرها 10 سنتيمتر أو أكثر، وبحسب بعض المعلومات التي تم الكشف عنها فإن الجيش الأمريكي يتتبعها بنشاط مستمر، فإذا كانت هذه القطع ستصطدم مع قمر صناعي، فإنه تتوافر لديه القدرة على تدميرها، أما البقايا والحطام التي يتراوح طولها بين 1 و10 سنتمترات، فيصعب رصدها وتتبعها، ولكن التقديرات تشير إلى وجود حوالي 500000 قطعة أو جسيم أو أشياء من هذا القبيل من مخلفات الأقمار الصناعية تسبح في الفضاء المحيط بالأرض، ومن المؤسف أنه لا توجد حتى الآن طريقة موثوقة لتتبعها وقد يصل عددها إلى ملايين.
هذه الجزيئات الصغيرة تفوق في تأثيرها مجموعة رصاصات في الهواء ذات سرعة تبلغ 30 ألف ميل في الساعة، في العام 2017، تسبب إطلاق 86 مهمة حول العالم ببقاء أكثر من 400 مركبة فضائية في مدار الأرض، وكانت الكمية الإجمالية للأجسام المتبقية في مدار الأرض تبلغ أكثر من 7,600 طن، وهنالك أيضاً خطر ما يسمى بـ "متلازمة كيسلير" أو "تأثير كيسلير" وهو أن تنكسر قطعة واحدة من ذلك الحطام وتضرب أخرى، فتشكل سيلاً قد يؤثر على محطات البثّ الفضائية، وبأي حال لا يمكن نسيان ما حدث في عام 2007 عندما دمرت الصين عمداً محطتها الفضائية الخاصة بالطقس "فينغيون-1 سي" في إطار اختبار جهاز يعطل المحطات.
بادرة الأمل الوحيدة الموجودة الآن أن لدى دخول الاقمار الصناعية الى المجال الجوي فإنها تتحلل وحدها، إذ أن ألواحها الشمسية تحترق، لكن المواد الثقيلة فيها مثل التيتانيوم لا تتفتت وتصطدم بالارض، لذلك يدرس المهندسون والباحثون الآن ما يحدث خلال دخول هذه الاجسام في الغلاف الجوي، ويعملون على صناعة أقمار قادرة على التفكك متى يرغبون بذلك، وأن تكون أجزاءها بالكامل قابلة للتحلل أو الاحتراق الكامل. فمن المؤسف أنه خلال العقود الاخيرة من اكتشاف الفضاء، لم يتم التفكير بالحطام. وهذه الأيام وفي ظل القلق المتزايد، خاصة مع تزايد انفاق الوقت والمال لتجنب الاصطدامات، بدأ العالم في التفكير عن كيفية التخلص من هذه النفايات الفضائيات، والأهم هل يمكن إيجاد بدائل من أجل التمكن من إيقاف هذا الحطام عن تلويث الفضاء الخارجي؟