القاهرة 08 اكتوبر 2019 الساعة 01:44 م
كتب : د. حسين عبد البصير
كانت مصر القديمة في موعد مع القدر كي يمن عليها بإنجاب أعظم الفراعنة المحاربين وأعظم ملك مصري على الإطلاق، الملك تحتمس الثالث، فرعون المجد والانتصار وسيد الملوك المحاربين والعسكريين الاستراتيجيين، ومكمل الإمبراطورية المصرية في العالم القديم متخذًا من جده الملك المؤسس تحتمس الأول قدوة ومثلاً أعلى.
كان أبوه هو الملك تحتمس الثاني الذي مات وترك الفرعون الذكر وولي العهد الأمير تحتمس وحيدًا تحت وصية عمته وزوجته أبيه الملك الشهيرة حتشبسوت التي داعبها سحر السلطة وأغوتها لذة الحكم، فاغتصبت الحكم من الملك الصغير، وأبعدته إلى رحابة الظل.
وظل تحتمس الثالث في الظل فترة طويلة إلى أن تم غياب أو أقصاء الملكة حتشبسوت عن المشهد السياسي في البلاد، وخرج الأسد من عرينه لتظهر لنا شخصية الملك تحتمس الثالث الأسطورية مسجلاً مجد وفخار مصر العسكري المدون بأحرف من نور وإعزاز في كل كليات وأكاديميات العالم العسكرية.
لقد تزوج تحتمس الثالث من أخته غير الشقيقة الأميرة نفرو رع، ابنة حتشبسوت وأبيه تحتمس الثاني، وماتت قبل العام الحادي عشر من حكمه. وعندما تولى الحكم، تزوج من حتشبسوت مريت رع التي صارت زوجته الأساسية والتي أنجبت له ولي عهده الملك أمنحتب الثاني. وبينما كان تحتمس الثالث في الظل، استثمر وقته في تعلم فنون القتال وأصول الحرب مما جعل منه قائدًا عسكريًا فذًا قلما يتكرر أو يجود الزمان بمثله في أرض المعارك.
واستغل البعض من أمراء ممالك بلاد الشام فترة حكم حتشبسوت وانفصلوا عن الإمبراطورية المصرية وعقدوا تحالفات مع مملكة ميتاني القوية. وفي العام الثاني من حكمه المستقل عن حتشبسوت (حوالي العام 23 من حكمهما المشترك)، قام الملك الشجاع تحتمس الثالث ببدء حملاته العسكرية في بلاد الشرق الأدنى القديم. ونعلم عن حملات هذا الملك الحربية من خلال حولياته التي قام بتسجيلها أحد قواده على جدران الكرنك. وتذكر الحوليات أن الملك انتصر في كل بلد حارب فيه. ولم يقم تحتمس الثالث بحروبه كي يخلد اسمه فقط، وإنما أيضًا كي يمجد من اسم ربه الأعلى المعبود آمون رع سيد طيبة ورب الدولة الحديثة الذي كان يحارب تحت رايته ويجلب خيرات تلك البلدان إلى معبده وكهنته الذين كانوا يباركون الابن البار بأبيه آمون رع الملك المحارب العظيم تحتمس الثالث. وكانت الحملة العسكرية عبارة عن خطة رائعة وقوية الإحكام والتنفيذ، فنراه يزحف نحو غزة في عشرة أيام ويحتل المدينة ويأخذ طريقه إلى مجدو التي تمردت على حكمه بقيادة أمير قادش. وكانت هناك مشكلة في اختيار الطريق المناسب الذي على القوات أن تسلكه إلى مجدو؛ فكان هناك طريقان معتادان غير أن تحتمس الثالث اختار الطريق غير المتوقع والضيق والأشد خطورة ووعورة حتى يحدث المفاجأة للعدو ويقضي عليه. وكان النصر العظيم حليف الفرعون المحارب تحتمس الثالث بعد أن حاصر المدينة لمدة سبعة أشهر.
وكان يخرج على رأس جيشه محاربًا في سوريا كل صيف لمدة 18 عامًا. وكان يستخدم القوات البحرية المصرية لنقل القوات المصرية إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. واحتل قادش في العام 42 من حكمه. ودانت أكثر من 350 مدينة بالولاء لحكم مصر في بلاد الشام. وقام بحوالي 17 حملة عسكرية في غرب آسيا. وقام بحملات في بلاد النوبة وأقام بها عددًا من المعابد وساهم في تمصيرها بشكل كبير. وأطلق عليه عالم الآثار الأمريكي الشهير جيمس هنري بريستد "نابليون مصر القديمة"، غير أن هذه التسمية غير موفقة؛ لأن تحتمس الثالث لم يُهزم في أية معركة قام بها؛ كما أن إمبراطورتيه المترامية الأطراف استمرت بعد وفاته في أسرته لفترة طويلة.
تحتمس الثالث فرعون لم تنجب مصر الفرعونية مثله على الإطلاق. وكل شيء قام به كان من أجل بلده مصر العظيمة وأبناء وطنه المصريين العظام؛ مما جعل منها سيدة العالم القديم حقًا وصدقًا ومن تحتمس الثالث أسطورة خالدة نفخر بها إلى يومنا هذا.