القاهرة 01 اكتوبر 2019 الساعة 01:22 م
بدعوة كريمة من مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات برئاسة الداعية الإسلامي الحبيب على الجفري؛ ألقيت محاضرة بعنوان "كيف يتناول الإعلام المصري قضية الإلحاد؟"؛ خاصة بعد أن أصبحت مصر هي الدولة الأولى عربيا في نسبة الإلحاد وفقاً لتقرير صدر عن مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية، وهو ما يتطلب منا خطابا إعلاميا مصريا لمواجهة الظاهرة التي أصبح أتباعها ما يقرب من 3 ملايين شخص وفقا لبعض الإحصاءات.
ببداية المحاضرة، أكدت على إن تناول الخطاب الإعلامي فى مصر لظاهرة الإلحاد جاء خلال السنوات الأربع الماضية للأسف مجتزءً؛ حيث لم يتم التعامل مع تلك الظاهرة بربطها بسياقها السياسي والاقتصادي والمجتمعي والثقافي؛ واقتصار الأمر فقط بالتركيز علي منظور واحد إلا هو المنظور الديني على اعتبار أن تزايد صفوف الملحدين في مصر جاء بعد العام الذى تولت فيه الجماعة الإرهابية مقاليد الحكم في مصر، وهو وبالمناسبة ما لا ننكره؛ ولكن هذا لا يمنع أن هناك أبعادا أخرى كانت وراء تزايد أعداد الملحدين كما أشرنا من قبل؛ منها الأسباب السياسية والاقتصادية والمجتمعية.
بداية؛ مواجهة ظاهرة الإلحاد تأتى عبر تفكيك خطاب الكراهية ومقولاته المتعددة في خطابنا الإعلامي المصري، وذلك بعد موجات العنف الخطيرة التي اجتاحت مصر وبعض الدول العربية في أعقاب ثورات الربيع العربي؛ حيث القتل العشوائي اليومي من قبل بعض التنظيمات الإرهابية المتطرفة، والذي يذهب ضحيته العشرات من الأبرياء، وتزيد هذه الموجات العنيفة من أزمات وصعوبات الحياة؛ ومن هنا نكون قد وضعنا أيدينا على مواجهة حقيقية لظاهرة أصبحت فى طريقها للانتشار وليس على استحياء مثل ما يحدث في المجتمعات العربية المحيطة بنا.
"التدين المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ".. هكذا قال الإمام الغزالي وهى مقولة تصلح أن نبنى انطلاقا منها استراتيجية إعلامية لمواجهة ظاهرة الإلحاد والتي تفشت بانسحاب التيار المتأسلم من المجتمع المصري بعد ان كشف المجتمع المصري زيف ادعاءاته بعد تشويهه لصورة الإسلام من خلال تطبيقهم مفهوم خاطئ للإسلام؛ وذلك من خلال إشراك رجال الدين الإسلامي والمسيحي وخبراء الفلسفة وعلم النفس والاقتصاد والسياسية في صناعة خطاب إعلامي متوازن يناقش أبعاد الظاهرة من جذورها ومن كافة الجوانب حتى نستطيع أن نتعرف على ما خفى منها، وعدم اقتصار مناقشتها على رجال الدين فقط كما يحدث في إعلامنا المصري، لذا يجب أن يعيد القائمين على صناعة هذا الخطاب تمثيل الخبراء من كافة التخصصات للبحث فى الأسباب الموضوعية التي أفضت بالشباب في مصر إلى خيار الإلحاد بدلاً من اتهامهم بالزندقة والرغبة في ممارسة شتى الرذائل بدءً من شرب الخمر وصولًا إلى إقامة علاقات جنسية غير شرعية، وهي النغمة التي للأسف ظلت سائدة لدى أغلب رجال الدين في معالجتهم للمسألة خلال مناقشة الظاهرة منذ ظهورها فى صيف 2014 وحتى الآن، وحتى لا نقع في فخ تدوير القضية مستقبليا بدلاً من البحث عن حلول حقيقية تساهم في مواجهتها قبل فوات الأوان.
من بين أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد أيضاً هي مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة والتي وفرت لهؤلاء الشباب المغرر بهم مساحات كبيرة من الحرية أكثر أمانا لهم للتعبير عن آرائهم ووجهة نظرهم في رفض الدين، بعيدًا عن التابوهات التي تخلقها الأعراف الدينية والاجتماعية، وهو ما كشفه تقرير صدر عن مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية؛ وهو ما يتطلب مزيدا من الدراسات الإعلامية بكليات الإعلام لما لعبته هذه المواقع من دور في انتشار الظاهرة وتحليل مضمون وخطابات عشرات المواقع الالكترونية على الانترنت التي تدعو للإلحاد وتدافع عن الملحدين، في مقدمتها "الملحدين المصريين" و"ملحدون بلا حدود" و"جماعة الإخوان الملحدون" و"مجموعة اللادينيين" و"ملحدون ضد الأديان"، وعرض نتائجها علي الرأي العام المصري من خلال وسائل الإعلام؛ خاصة وأن عدد المستخدمين لتلك المواقع في مصر والعالم العربي بالملايين، وهو ما نأمله خلال الفترة المقبلة من قبل الباحثين بكليات الإعلام خاصة وأن رسائل الماجستير والدكتوراه التي تناولت هذا الموضوع للأسف مازالت قليلة بعض الشيء.
تصريحات الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الديار المصرية في وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية، أكدت إن مصر بها 866 ملحدًا، ورغم أن الرقم ليس كبيرًا إلا أنه الأعلى في الدول العربية فليبيا ليس بها سوى 34 ملحدًا، أما السودان ففيها 70 ملحدا فقط، واليمن فيها 32 ملحدًا، وفي تونس 320 ملحدا وفي سوريا 56 ملحدا وفي العراق 242 ملحدا وفي السعودية 178 ملحدا وفي الأردن 170 ملحدا وفي المغرب 325 ملحدا، وهو ما نشره مركز "ريد سي" التابع لمعهد "جلوبال"؛ حيث وضع مؤشرًا للإلحاد في كل دول العالم، لكن الغريب أن غالبية المؤشرات التى ترصد نسب الإلحاد في مصر وعالمنا العربي في أغلبها غربية وليست عربية، وهو ما يفسر التضارب في عدد الملحدين في مصر والعالم العربي، الأمر الذى يتطلب سرعة تأسيس وحدة بحثية لمتابعة هذه الظاهرة يتألف أعضائها من خبراء علم النفس والاجتماع والدين والاقتصاد والسياسة والثقافة فى مصر، على أن تتولى وزارة الثقافة تأسيسها من خلال لجان المجلس الأعلى للثقافة، حتي يتم دراسة أبعاد الظاهرة وتقديم مقترحات علمية ومنهجية للمواجهة على أن تقدم تطورات الظاهرة أولاً بأول لصانع القرار في مصر.