القاهرة 17 سبتمبر 2019 الساعة 12:54 م
كتب: عمرو ناجي
مجموعة قصصية فرضت نفسها من عنوانها المحير ، فهذه الازدواجية في العنوان الملفت والمحير في أننا واحد ..حيث السرعة والأعرج وكان هذا هو الدافع الأول لقراءة المجموعة التي نعرف مؤلفها بأنه كاتب مقال في أخبار الأدب والقاهرة وروزاليوسف والدستور وغيرها من الصحف والمجلات المصرية والعربية.
اكتب هذا لأن المجموعة كما أشرت منذ قليل مفاجأة في مضمونها كما في عنونها وفي نهايتها ..
فالعنوان كما نعلم هو العتبة الأول للولوج من خلالها إلي المتن أن مجموعة أو رواية أو كتاب فكرى أو فلسفي أو سياسي أو حتي مذكرات أو في الفكر الديني فالعنوان مهم للغاية.
لأنه كما قال أهل الاختصاص العتبة الأولى !!
مداخلة (حكي لي الكاتب مرة أنه عندما قابل الأستاذ صلاح عيسي في مكتبه في إحدى المرات التي كان فيها في جريدة القاهرة سأله
_حسين هل تكتب القصة والرواية ؟!
_نعم ..لكني لم أسع للنشر!
وقال أيضا هنا عندما كان في زيارة للدكتور رضا البهات الذى قال له (يا حسين اتعرف بشيء واحد يا قصة يا مقال )
ومن هنا قرر القاص والكاتب أن يصدر أول كتبه، وتكون مجموعة قصصية ..وليس مقالاته الذى كان ينوي أن ينشرها في كتاب من خلال سلسله كتاب الجماهير تلك السلسلة التي يشرف عليها الروائي الكبير فؤاد حجازي والذى كان يحمل عنوانا مميزا اسمه (عقول و بيوت خربة)
وقد رفض أن يفصح عن فحوى العنوان عندما طلبت منه ذلك.
وإلي هنا نتوقف لنعود إلى الأعرج السريع.. وتلك القصة التي تحمل المجموعة اسمها لنجد أن تناقش محنة الإنسان المصري بعد انفجار 25 يناير وسرقة هذا الفعل العفوي من شباب شعر أن كل شيء فيه يسرق ويضيع منه وهو غير قادر أن يعترض كما البطة المذبوحة والموضوعة في إناء موضع على شعلة نار ..الكل يعاني ويئن لكن لا أحد بقادر أن يأخذ موقفا مما يحدث له .. وهنا أجدني مضطرا أن أنقل هذا النص الممتع كما وضعه المؤلف حتي نقرأه جميعا فنستمتع به:
(الحلة على البوتاجاز تتحمل شدة النار المشتعلة في تأني وصبر شديدين وتتحمل أكثر المياه التي تغلي داخلها ولا أحد يدري أيهما يؤثر في الحلة. أهو الألم الداخلي أم الألم الخارجي لحظات قليلة مرت قبل أن يلقى داخل جوف الحلة ببطة ذبحت منذ أكثر من ربع ساعة وتركت بعيدا حتى همدت تماما ولم يبق فيها نفس ثم وضعت في الماء المغلي والذي لم يشتكي من النار ولا من الحلة المقيد لحريته والتي لم تشتكي قط من وضعها المأساوي على البوتاجاز الكل يتحمل الظروف التي وجد نفسه فيها ولا يتذمر ولا يثور على وضع هو قاسي لكن ما العمل.
فكل من حولي لا يرحمني ولا يرحم جسدي الضعيف فما ذنبي أن كنت قد خرجت إلى الدنيا بهذا الجسم العليل. وما هو ذنبي أن كان رزقي قليل ومن يتجار في الحبوب المخدرة أصبح من ذو الأموال والوجاهة كما هو الحال في الحارة التي أعيش فيها حيث بائع البانجو هو الأقوى وبائعة الحبوب المخدرة هي الأغنى. ماذا أفعل إن كان هذا قدري .
هل أعترض .. هل تريدون أن أكفر.
فقد حاولت كثيراً أن أكون شاباً قوياً ولم أقدر وأصبحت الاعرج السـريع القوي الضعيف، الفاهم الغبي.
حاولت أن أكون صاحب مشروع .. فقالوا لي أشتري توك توك..
كيف وأنا ليس لدي مال .. وخطبت فتاة أبوها لديه توك توك..
وفعلت وفعل هو أن عملني وأعطاني توك توكه لكي أعمل عليه وأنا أكره سيرته.. لكي أكسب منه وأتزوج.. وأنا كاره له وللزوج تلك هي حياتي ومن حولي لا يرحمني ويدعني في حالي .. كما الحلة الموضوعة على البوتاجاز لكي تسخن وتنصهر بمرور الوقت كما يحدث لي.)
وهذا النص يعد نصا عصي علي التعريف علي قصره الواضح، وهذا يوضح لنا فن القص واختزال العالم في لحظه، أو حدثا كبيرا في نص قصير للغاية ورشاقة لغته والفلسفة الوجودية الواضحة في النص ومعانة الانسان المصري على مر عصوره ...
فكلنا هو الأعرج السريع الذي يود أن يكون لكن كل شيء موجود في الواقع يعوق الإنسان المصري أن يجد نفسه وذاته، بل والأنكى يجد كل شيء يقف في طريقه ويعوقه ليحقق ذاته فتحول إلى القوي الضعيف، الغني الفقير، الفاهم إلى غبي!
والإنسان ومعاناته مع الواقع هذا هو ما نجده في نصوص المجموعة مرة من ناحية الموت وألاعيبه، ومرة ما يحدث في الشارع المصري الذى يحدث يشيب الجنين في بطن أمه.
هنا نكتشف قيمة القص وسحره.