القاهرة 11 سبتمبر 2019 الساعة 05:00 م
د.فايزة حلمي
إن الضغوط ليست فقط مفهوم نفسي, لكنه أيضا فسيولوجي, والضغوط ليست كلها سيئة, بل أن بعضها يعمل كمُحَفِّز, وأحيانا الوتيرة السريعة للمجتمع الحديث تؤدى إلي التوتر, الذي له آثار جانبية خطيرة في إطلاق الهرمونات الضارة بالجسم, لذا فإن إدارة الضغوط جزء لا يتجزأ من التمتع بأسلوب حياة صحي.
"إن أسلوب حياة طفل, يُوُلد .. ويُشكَّل طِبقاً للقوة الخلّاقة للطفل, وكيف يرى العالم, وما الذى يعتقده سينجح به فى التعامل مع هذا العالم, يتأثر بنموه الجسدي والمعرفي والإنفعالي, وبحياته وسَط أسرته وأصدقائه, وجيرانه والبيئة والثقافة المحيطة به, كلها عوامل مؤثرة على أسلوب حياته".
" فالطفل الوليد يستفيد أولا من تجاربه فى تشكيل مفاهيمه عن العالم, ويكتشف البيئة المحيطة, وعملية التشكيل والإكتشاف تَحدُث كنتيجة للمحاولات والتجارب الخاطئة, والتي تجعله يُطوِّر قواعده عن العالَم , هذه القواعد التى تقودنا لتشكيل وجهة نظر عن العالم حولنا, وإحساسنا به, ونتيجة لذلك, فإن مجموعة القواعد هذه تشكل المبادئ الأساسية لحياة الأفراد الخاصة, وتحدد أساليب حياتهم.
ويرى أدلر أن سلوكيات الفرد تتشكل بأسلوب حياته, حيث الأحكام القيّمة للفرد تكون تحت تأثير أهدافه التى ينميها, وحيث كل سمات الفرد تتشكل تحت تأثير الإكتمال الشخصي".
ويمكن تقسيم قواعد أسلوب الحياة إلى أربعة مجموعات:
1- المفهوم الذاتي (Self concept ): معتقدات الفرد عمّن يكون.
2- المثل الأعلى الذاتي( Self ideal): معتقدات الفرد عمّن سيكون.
3- وجهات نظر الفرد عمّا يعترض عليه العالم فيه, وما يتوقعه العالم منه.
4- إتجاهات الفرد النابعة من الضمير الحي(الصح..الخطأ) التى ينمّيها الفرد.
ويبدأ بإستخدام هذه القواعد ليستطيع الإستمرار فى حياته, وليستطيع فهم وتقييم حياته, بل ويستطيع أن يتوقع الأحداث, ويتحكم بنفسه, لكنه غير مُدْرِك أنه يستخدم هذه القواعد التي يحتاجها ليكمل حياته.
وكما يقول Yanabasti) ) : إذا لم يكن أسلوب حياة الفرد مُنسجم مع مجتمعه, فإن ذلك يسبب توتر للفرد, ويرى أدلر أن العدوانية والسمات غير المرغوبة إجتماعيا, ليست نزعات أوّلية, لكن حين لا تنضج شخصية الفرد ولم يطّور أسلوب حياته, حينئذ تظهر هذه النزعات حين يواجه صعوبات فى حياته, لذلك فالتناقض فى الأوضاع الحياتية ليس موقف عشوائي, وحين نحلل فترة الطفولة المُبكرة لِمثل هذا الفرد, سَنجِد انه كان يعانى من إضطرابات نوم ونوبات غضب وغيرها من إشارات عدم التكيّف.
وبالتالي وجهة نظر الفرد عن حياته يمكن تحديدها كما يقول أدلر كالآتي:
" لا يستطيع الفرد التواصل مع العالم الخارجي بطريقة قدرية كما يُفترض, لكنه يتواصل أولا مع أفكاره الخاصة عن نفسه, وحدوده ليست هي الحدود العامة للآخرين, لأنه قام بتشكيلها بنفسه طبقا لحياته, وعلى ذلك فالعامل الأساسي الذى يقرر علاقته بالعالَم الخارجي, ليس تأثيرات الوراثة ولا البيئة, فالوراثة تعطيه فقط بعض القدرات, والبيئة تعطيه فقط بعض الإنطباعات, ومن هذه القدرات والإنطباعات يتشكل حجر الأساس الذى سيستخدمه فى الفهم والإدراك وتفسير تجاربه وتحديد مواقفه فى الحياة, بكلمات أخرى فإن حجر الأساس هذا هو الذى يحدد علاقته بالعالَم الخارجي. "
ويقول أيضاً : " أن وجهة نظر الفرد عن الحياة يقررها بالخبرات التى تكوّنت فى عقله والتي تشكّلت بالتفاعل مع البيئة المحيطة, وبالتالي سوف يستخدم الفرد التجارب التى عاشها والتي قام بترميزها فى عقله, فى التعامل مع المشاكل التى سيواجهها فى حياته المستقبلية, وطريقته فى مواجهة هذه المشاكل إما أن تجعله أقرب من السلوكيات الطبيعية التى يتقبلها المجتمع أو.. أبعد.
" إن الضغوط في الحياة اليومية تنشأ من عدة أسباب سواء داخلية أو خارجية, لذلك من المهم معرفة مصدرها حتى يمكن توصيفها والتعامل معها, لأن الضغوط لا تسبب فقط القلق والإكتئاب والصداع المزمن, بل أنها تؤدي لعدم القدرة علي الاستمتاع بالحياة.
لذا تعلم أن تلاحظ ضغوطك اليومية لتعرف كيفية التعامل معها, وحتى تعيش أسلوب حياة صحي, تَعَلّم كيفية التعامل مع ضغوط مثل نقص الوقت المطلوب لأداء مهام كثيرة, والمواقف ذات الضغط العالي عليك, تَعَلم أن تتحدث عن ضغوطك مع شخص موثوق به, أو تستمع للموسيقي , أو تقم بالسير قليلا, أو تأخذ قسطاً وافرا من النوم.
كذلك تعلم أن تُنوّع طعامك, من كل أنواع الخُضر والفاكهة, ولتأخذ القدر الوافر من المياه, لتحصل علي الطاقة اللازمة لك.
وحتى يكتمل أسلوب حياتك الصحي , إختَر من الأنشطة البدنية مايروق لك وإستمتع بممارستها, سواء داخل أو خارج المنزل, سواء بمفردك أو مع أصدقاء, ولا تتجاهل قدراتك بحيث لا تجهد نفسك, وكحد أدنى نصف ساعة يومياً ثلاث مرات أسبوعيا.
ومن المهم أن تراعي أن تحصل علي المساندة الإجتماعية مِمَّن حَوْلك, ولتكوّن صداقات مع مَن ترتاح لهم, لتقدم لهم مايحتاجونه من مساعدة ... وليعاملوك بالمِثل.
إن كل ذلك.. من معرفة مصْدَر الضغوط مع قسط وافر من النوم , مع نشاط بدني منتظم, مع مساندة إجتماعية من الأسرة والأصدقاء, مع تناول طعام صحي, كل ذلك له تأثير علي أسلوب حياتك صِحيا وعقلياً, ويساعدك في التخلص مِن ضغوط الحياة اليومية...
لذا فإن أسلوب حياتك الصحيح هو .... إختيارك".