القاهرة 10 سبتمبر 2019 الساعة 12:52 م
كتب: د.محمد السيد إسماعيل
ليس هناك أدنى مبالغة فى هذا العنوان الذى اخترته للحديث عن دكتور محمد عبد القادر حاتم حيث يبدو الأمر –بعد الاطلاع على التخصصات العلمية الكثيرة المتنوعة التى حصل عليها د.عبدالقادر حاتم – يبدو كما لو كنا أمام أكثر من باحث، وسوف تندهش – بلا شك – من وجود رجل بكل هذه القدرات والميول والمؤهلات العلمية.
تخرج فى الكلية الحربية وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية عام 1939 شأنه شأن رفيق دربه وصديق طفولته الرئيس جمال عبد الناصر الذى كان زميلا له بمدرسة العطارين الابتدائية بالإسكندرية قبل انتقالهما للدراسة فى القاهرة، ولم يكتف محمد عبد القادر حاتم ببكالريوس العلوم العسكرية بل واصل دراساته فحصل عام 1947على دبلوم الاقتصاد السياسى من جامعة لندن، ثم ماجستير العلوم الاستراتيجية من كلية أركان الحرب وماجستير العلوم السياسية عام 1953 ودبلومة معهد الإحصاء ودكتوراه من حقوق القاهرة 1957 ، ولن تبارحك هذه الدهشة – بل سوف تزداد – حين تستعرض مؤلفاته التى بلغت ثلاثين كتابا فى تخصصات مختلفة تتسق مع مؤهلاته العلمية وهى تتوزع على ثلاث لغات هى : اللغة العربية واللغة الإنجليزية واللغة اليابانية.
وسوف نكتفى بذكر المؤلفات العربية لأنها دالة على قدراته الفائقة وهى : الإعلام كوسيلة للاستقرار الداخلى وتحقيق السلام العالمى – الرأى العام – الدعاية والإعلام – الدعاية : نظريات وتجارب – علم المستقبليات – الإعلام فى القرآن الكريم – الأخلاق فى القرآن الكريم – الاقتصاد السياسى والإسلام – القمر الصناعى والقانون الدولى – المعاهدات الدولية والإسلام – الاشتراكية العربية – المعاهدات الدولية : بين الإلغاء والإنهاء والتعديل – التقاليد البرلمانية فى العالم – الأحزاب السياسية فى العالم – النظام السياسى فى مصر – المفاجأة الاستراتيجية فى حرب أكتوبر 1973- دور الإعلام المصرى فى تحقيق المفاجأة الاسترتيجية فى حرب أكتوبر 1973- الإعلام العربى فى خمس حروب – من أسباب تقدم اليابان – الإدارة فى اليابان : كيف نستفيد منها – الصحافة فى مصر – التخطيط الثقافى – العولمة : مالها وما عليها.
ليس من المستغرب إذن على رجل بكل هذه المؤهلات العلمية والكتابات التنظيرية أن يتولى العديد من المناصب والوزارات وهو ماأثار تساؤلات البعض ومنهم يوسف السباعى الذى سأل عبد الناصر عن اسباب تولى عبد القادر حاتم كل هذه المناصب فرد عليه عبد الناصر بقوله : إن هذا لايعود إلى كونه صديقا قديما بل يعود إلى قدراته التى نادرا ماتتوفر فى شخص واحد .وقد لقب دكتور محمد عبد القادر حاتم بأنه – عن جدارة – " أبو الإعلام المصرى والعربى " حيث ترأس مصلحة الاستعلامات ثم عمل مستشارا لرئيس الجمهورية ووزير دولة مسئولا عن الإذاعة والإعلام العربى سنة 1958ووزير الثقافة والإرشاد القومى ( الإعلام ) فى الفترة من 20سبتمبر 1960إلى 30سبتمبر 1965ورئيس مجلس إدارة الأهرام وفى عهد السادات تولى مرة أخرى وزارة الثقافة والإعلام سنة 1971ثم نائبا لرئيس الوزراء ورئيس حكومة حرب أكتوبر وأخيرا وفى عهد محمد حسنى مبارك رئيس المجالس المتخصصة وتنسب إليه مجموعة من الإنجازات الهامة منها تأسيس البنية الأساسية للإعلام فى الخمسينيات وبالتالى تأسيس الإعلام فى الشرق الأوسط وإطلاق إذاعة القرآن الكريم وصوت العرب وإنشاء التليفزيون المصرى عام 1960 رغم اعتراض أغلب الوزراء باستثناء عبد العزيز القيسونى وزير الاقتصاد فى ذلك الوقت وموافقة جمال عبد الناصر وقد بدأ البث من قناة واحدة لمدة ست ساعات يوميا وإنشاء وكالة أنباء الشرق الأوسط ومدينة الإعلام وتطوير الهيئة العامة للاستعلامات بالإضافة إلى إنشاء مدينة السينما ومعهد السينما ومسرح البالون وإنقاذ معبد " أبو سنبل " من الغرق بالتعاون مع اليونسكو وبدعم الولايات المتحدة الأمريكية.
أكثر من عشر سنوات تولى فيها دكتور محمد عبد القادر حاتم وزارة الثقافة والإعلام ارتبط فيها مفهوم الإعلام عنده بمواجهة المستعمر وتحرير الأرض وقد تجلى ذلك فى موقفين شهيرين ، تمثل الموقف الأول فى اتفاقه مع جمال عبد الناصر على إنشاء محطة إذاعة سرية تبث أخبارا ضد الإنجليز فى فترة احتلالهم لمصر الأمر الذى أثار الرأى العام الإنجليزى وساهم فى تحقيق الاستقلال أما الموقف الثانى الأكثر شهرة ومحورية فقد تمثل فى خطته الإعلامية فى حرب أكتوبر وقد قامت هذه الخطة على إعلان حالة الطوارىء أكثر من مرة حتى يحشد العدو الإسرائيلى قواته دون تنفيذ حتى قال موشى ديان إن هذا ليس أكثر من استهلاك محلى مصرى كل ذلك مع إخفاء ساعة الصفر بطبيعة الحال وقد تم التأكد من عدم معرفة الكيان الصهيونى بساعة الصفر من خلال مقابلة محمد حسن الزيات وزير الخارجية آنذاك لهنرى كيسنجر وزير خارجية أمريكا طالبا منه الضغط على إسرائيل لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن الانسحاب من سيناء والأراضى المحتلة لكن هنرى كيسنجر رفض هذا المطلب موحيا من خلال رده انه ليس للدولة المهزومة أن تطالب بشىء ومن هذا الرد تأكدت القيادة المصرية من عدم معرفة أميركا وإسرائيل ساعة الصفر حتى كانت المفاجأة الساعة الثانية ظهرا يوم السادس من أكتوبر 1973.
ورغم كل هذا فقد رفض دكتور محمد عبد القادر حاتم أن يتم إطلاق اسمه على الشارع الذى يسكن فيه وفضل بدلا من ذلك إطلاق اسم احد الشهداء على هذا الشارع؛ مدللا بهذا على نبله وأصالته وتواضعه الكبير.