القاهرة 03 سبتمبر 2019 الساعة 04:43 م
كتب: محمد علي
في كتابه "قصة السينما في مصر" يشير سعد الدين توفيق لعزوف المتفرج الواعي لفن السينما عن مشاهدة الفيلم المصري على حساب الفيلم الأمريكي، موضحًا بأن هذا قد جعل العديد من الصناع يلجئون إلى تمصير القصة الأمريكية وتقديمها... ومع مرور الزمن أصبح الصناع يسيرون على نهج التمصير للصناعة ككل بدايًة من القصة والسيناريو مرورًا بالتصوير والفكرة الإخراجية للفيلم؛ ظنًا منهم بأن هذا سوف يساعد على عودة الجمهور. وهذا يضعنا أمام سؤال هام يخص الصناعة، هل تمصير الفيلم الأجنبي يضر بالصناعة، أم يضيف لها ويساعد على تطورها؟
لا توجد إجابة محددة، فالتباين الملحوظ بين صناع الأفلام الذين يلجأن إلي التمصير شديد الاختلاف وبالطبع من بينهم من يضر بالصناعة أشد الضرر، وآخرين يقدمون تمصيرًا حقيقيًا يضيف للصناعة ويساعدها لمجاراة عصر التطور التكنلوجي السينمائي..
وفي هذه السطور سوف نتخذ من المخرج طارق العريان مثالًا للحديث عن تمصير الأفلام؛ من ناحية لكونه المخرج الذي تعلم السينما الأمريكية على أرضها، ومن ناحية أخري لكونه المخرج الذي عرف من أين تأكل الكتف -كما يقال في المثل الدارج- وذلك من خلال مسيرة سينمائية امتدت لقرابة الثلاثين عام قام خلالهم بإخراج ثمان أفلام..
بداية موفقة للمخرج الذي عرف من أين تؤكل الكتف.
البداية مع فيلم "الإمبراطور 1990" بالاشتراك مع الكاتب فايز غالي ومدير التصوير سعيد الشيمي. على الرغم من أن العريان قام باستلهام الفكرة من فيلم "scarface" الذي حمل لنسختين نفس الاسم واحدة منهم من إخراج هوارد هوكس وأخري لبراين دي بالما، إلا أنه قد استلهم فكرتة دون أن يستخدم التمصير المتعارف عليه، فقط قام باستخدام أدواته السينمائية لتطويعها في إخراج فيلم من نوع "الحركة Action" وهو النوع الذي فضله العريان واتخذ منه أسلوبه. ليعود العريان مرة أخري بعد سنتين بفيلم "الباشا 1992" مع الكاتب سامع الباجوري ومدير التصوير طارق التلمساني، وهنا نلاحظ التطور الذي يلحق بأسلوب العريان في الفيلم الأول لاحظنا استلهامه ولكن في "الباشا" ومع زيادة وعيه لفيلم الحركة يأخذ العريان المتفرج في عدة دوائر متشابكة بين الشارع وبيوت الدعارة وملاحقة ضباط الشرطة، في سهولة ويسر دون أن تتخلل الأخطاء لشريط الفيلم.
كان الفيلمين في وقت عرضهم من أحدث نوعيات الأفلام في السينما المصرية التي كانت لا تتعدي حدودها من أفلام الدراما التراجيدي والرومانسية مع أفلام الأسرة والمجتمع بجانب النوعية الكوميدية.
وفي العام 2001 يذهب العريان للتجريب فيقدم فيلم "السلم والثعبان" بالاشتراك مع محمد حفظي في كتابة السيناريو وهو من النوعية الرومانسية ربما لا يستخدم فيه الكثير من أسلوبه، إلا أنه عبر فيه عن حياة طبقة من المجتمع، قال في تصريح منسوب له بأنه يجيد تصوير حياة هذه الطبقة، قادرًا على نقل صورة من حياتهم بشكل جيد، كما ناقش الفيلم مشاكل الشباب الفردية المتعلقة بمسئلة الحب والحرية.
وفي العام 2004 يعود العريان مرة أخرى للاشتراك مع حفظي في كتابة السيناريو ولكن هذه المرة بالنوعية التي ميزته وخلق منها عالمة، حتي عدا فيلم "تيتو 2004" من أهم أفلامه التي شكلت حجر الزاوية لفيلمي أولاد رزق، فالمناطق الشعبية التي اخذت الحيز الأكبر من جزئي الأخير؛ مهد العريان لها في ذلك الفيلم التمهيد الذي يعبر عن مخرج يعرف كيف يُجرب الكاميرا الخاصة به قبل أن يشرع في تصوير موضوعًا ما، ولا ننسي أن العريان قد صرح سابقًا بأنه كان لا يجيد تصوير تلك الأماكن –العشوائيات .
العودة وبقوة.
وعندما حل العام 2015 ظهر العريان من جديد بفلمين هما الجزء الأول من ولاد رزق والآخر أسوار القمر من النوعية الرومانسية، وفي الجزء الأول من ولاد رزق ساهم الجهيني كاتب السيناريو والحوار في تطور أسلوب العريان إلى حد كبير من خلال استخدام تقنيات مختلفة في الكتابة جعلت العريان يُنفذ الفيلم بالطريقة التي يحبها.
وقبل الجزء الثاني من ولاد رزق شارك العريان بموسم 2017 بفيلم الخلية بالتعاون مع الجهيني لكتابة السيناريو والحوار ومع مدير التصوير مازن المتجول والذي نجح نجاح باهر على مستوي الإيرادات حيث حقق 56 مليون جنية؛ وفيه جرب العديد من الأساليب المتعددة في تنفيذ فيلم الحركة.
كيف أقنع وأمتع العريان في ولاد رزق2؟
أولًا: كما يقول هيتشكوك "حتي تتمكن من صناعة فيلم جيد عليك بالاهتمام بثلاثة عناصر السيناريو والسيناريو وأيضًا السيناريو."
كان الجهيني قد أسهب في تأسيس الشخصيات في الجزء الأول من الفيلم لذا كان من المنطقي أن يهتم في تقديمة للجزء الثاني بالحبكة التي هي من أهم عناصر نجاح فيلم الحركة، فيستخدم تقنية الفلاش باك ليرجع إلي بداية الأزمة التي تتعرض لها عُصبة الراء - ولاد رزق- ليتعرف الجمهور والمشاهدين سريعًا على ما آل إليه الأخوة واشتراكهم مع ضابط الشرطة رؤوف لتمكنهم من تنفيذ العديد من عمليات السطو والسرقة بالإكراه، ويتنقل الجهيني بالسرد حتي ليفسح المجال لدخول شخصيات جديدة تزيد من حبكة الفيلم، وذلك بدخول شخصية الخواجة والتي شكلت صراع جديد جعلت حبكة الفيلم تزداد قوة مما صَعب على المشاهد محاولات التخمين فيما سوف تكون عليه النهاية، وتزداد جماليات السرد السينمائي للقصة في إعادة تأويل حكاية العُصبة والتي كان قد نقلها "رجب - احمد الفيشاوي" للضابط رؤوف في الجزء الأول ولكن هذه المرة يحاكيها "عاطف أو كما يقول رؤوف -العبيط اللي بجد-" للخواجة.
وكان لهذا الالتواء في سيناريو وحوار الجزء الثاني وتوسيع محاور وخطوط الصراع بإدخال شخصيات جديدة، سواء ضيوف شرف أو أدوار ثانوية لتجديد الدماء كخالد الصاوي وباسم سمرة وغادة عادل والمشهد الصامت لسوسن بدر، وكذلك الظهور المميز لأياد نصار الأثر الفني الذي وصل بحبكة الفيلم لحد الكمال، هذا بالنسبة للكتابة التي نجح فيها الجهيني لحد كبير حتي إنها عدت من العلامات التي ميزت الفيلم، ومن الأرجح أنها سوف تجعله في مكانة هامة بين أفلام الحركة المصرية عندما يتم تقييم الفيلم ونقده بالشكل الأمثل.
نجح العريان في استثمار الجهد المبذول في الكتابة فاستطاع أن ينقلها ويقدم قصة سينمائية تشويقيه مختلفة عما هو سائد، يستطيع المتفرج العادي أن يؤكد فور خروجه من صالة العرض أن العريان قدم لنوعية فيلم الحركة المصري أكثر التجارب نضج واتزان وذلك من حيث أسلوب التنفيذ وروعة التصوير.
فنفذ العريان أسلوبه بحرفية شديدة وذلك يتجلي بوضوح في مشاهد المطاردات والمشاجرات، والتي يظهر فيها اهتمامه الشديد بالعنصر الجسدي لدى الممثل للشخصية مما يبرهن على التدريبات القصوى التي مكنتهم من الوصول لهذا الأداء التمثيلي الجيد إلي حد كبير، وكذلك اختيار حجم اللقطات وزوايا التصوير وذلك بما يخدم الغرض الفيلمي والالتزام بتقديم صورة حية من الشوارع والأحياء التي يصورها دون اللجوء للكاميرا الطائرة، والتي باتت أسلوب متبع لدي العديد من المخرجين في تصوير مشاهد المطاردات.
لماذا ولاد رزق2 الفيلم الأهم في سباق العام؟
على الرغم من الوصف الملازم للعريان إلا وهو مخرج أمريكي الهوي! إلا أن وجود فيلم من هذه النوعية وبهذه الكلفة الإنتاجية ينم عن مستقبل مشرق ينتظر السينما المصرية، فإعادة استخدام النجاح في إنتاج أجزاء من أفلام ليس بالضرورة استسهال من الصناع، إنما هو استثمار لذلك النجاح وهذا سوف يساعد بشكل مباشر الصناعة، لعلنا نكون قادرين بعد عدة سنوات على إنتاج سلاسل سينمائية على شاكلة "فاست أند فيورياس" على سبيل المثال.
أما عن الآراء التي تري الفيلم منافيًا للآداب العامة ويخدش الحياء بسبب الألفاظ بالحوار أو مشاهد الجنس والمخدرات ربما معهم بعض الحق، فكان يجب على مسئولي التوزيع رفع معدل السن الملائم للمشاهدة، ولكن هذا يعني عدد أقل وخسائر مالية أكثر. ولكن في حالة الأصوات التي تنادي بعودة إلقاء النظر على أرشيف السينما المصرية وإعادة اكتشاف أفلام الجريمة -الحركة- مثل "اللص والكلاب" "جعلوني مجرمًا" وغيرها؛ ربما يكون لديهم وجهات نظر تختلف عما يحلم به العريان والجهيني في تقديم شخصيات وعوالم ليست كما يرمز لها في الغرب على أنها "روبن هود" أو كما يريد الشرق أفلام ترمز لأبطال السيرة الشعبية