القاهرة 27 اغسطس 2019 الساعة 07:29 م
كتبت: ياسمين مجدي
بادئ ذي بدء إن ترجمة عنوان الرواية إلى اللغة العربيَّة بـ أحدب نوتردام، واعتماد هذه الترجمة خلال عقود من الزمن، علما أنَّ عنوان الراوية في لغتها الأصليَّة (الفرنسيَّة) هوNotre Dame de Paris التي يمكن ترجمتها إلى نوتردام باريس2، لا تبدو لنا واضحة الأسباب التي سوّغت للمترجمين القيام بتعديل العنوان وحصره في شخصية واحدة، مع العلم أن شخصية كوازيمودو، هي إحدى الشخصيات الرئيسة في الرواية، وليست هي الشخصية الأولى. لذلك من المفيد أيضاً مقارنة النصّ الفرنسيّ مع ترجمته العربيَّة.
الأحدب قارع الأجراس المشوه جسديا الذي يقطن في كنيسة نوتردام، بطل الرواية التي ألفها فيكتور هوجو، في القرن التاسع عشر، المنعزل عن العالم خوفا من مواجهته بمظهره المختلف عنهم والذي جعل الناس تنفر منه ومن شكله الجسماني.
ورغم اعتقاد البعض أن الرواية مبنية على أسس وشخصيات حقيقية، فإن أحداثها وشخوصها من نسج الخيال. تدور أحداث الرواية عام 1482 في كنيسة «نوتردام» الشهيرة والمنطقة المحيطة بها في باريس، وبطلها «كازيمودو»، ذلك الرجل الأحدب والمشوه، إلى درجة جعلت مظهره مرعبا للآخرين. كان عمل «كازيمودو» هو قرع أجراس الكنيسة العملاقة، الأمر الذي زاد من مأساته، لأن أصوات الأجراس العالية أصابته بالصمم. وكانت الكنيسة هي عالمه الوحيد، فلا يخرج منها إلا بصحبة مسؤولها رئيس القساوسة «كلود فرولو»، ولذلك كان «فرولو» بالنسبة لـ«كازيمودو» هو الصلة الوحيدة بالعالم الخارجي. ،ما بالنسبة لسكان باريس فقد كان «كازيمودو» مسخا من صنع الشيطان، ولذلك فقد كانوا يتجنبونه، وأحيانا يسخرون منه. وكان من عادة سكان المدينة أن يحتفلوا في الأول من يناير/كانون الثاني في كل سنة بعيد الحمقى وهو عيد صاخب يتميز باحتفالات في شوارع المدينة ويصل ذروته عند انتخاب أمير الحمقى، وكان لقب تلك السنة من نصيب «كازيمودو»، فلا يوجد أبشع منه في المدينة بأكملها. ولكن الاحتفال تميز أيضا بحضور «أزميرالدا» الحسناء الغجرية التي سحرت قلوب المحتفلين بجمالها ورقصها، ولكنها سحرت أيضا «فرولو» الذي احتار بين واجبه كقسيس وولعه بـ«أزميرالدا»، فما كان منه ألا أنه أمر «كازيمودو» بخطفها، فتفشل محاولته بسبب تدخل أحد ضباط الملك، وتقرر السلطات جلد «كازيمودو» في الساحة العامة بسبب جريمته هذه، وتشاهد «أزميرالدا» هذا الأحدب المسكين وهو يعاني من الآلام والعطش فتعطف عليه وتقوم بأعطائه جرعة ماء. وهو غير مصدق، فقد كانت أول من يعطف عليه في حياته، وهي الفتاة ذات الجمال المذهل، فيقع في حبها. وفي هذه الأثناء يجن جنون «فرولو»، فعلى الرغم من سطوته الهائلة إلا أنه لا يستطيع الحصول على «أزميرالدا» بل يكتشف أنها تحب الضابط الذي أنقذها، فيحاول اغتيال هذا الضابط بدون نجاح، ولكنه ينجح في تدبير اتهامها هي بارتكاب تلك المحاولة، فيلقى القبض عليها ويزج بها في السجن. ويحاول «فرولو» اغتصاب «أزميرالدا» خلال وجودها في السجن إلا أن «كازيمودو» يمنعه من تحقيق رغبته. وعندئذ ينقلب «كازيمودو» على «فرولو». ويتم إعدام «أزميرالدا» في الساحة العامة و«فرولو» يشاهد عملية الإعدام من أعلى الكنيسة. وهنا يستشيط «كازيمودو» غضبا ويلقي بـ«فرولو» من أعلى الكنيسة وهو يصرخ بشكل هستيري. وبعد الإعدام ترمى جثة «أزميرالدا» خارج المدينة بدون جنازة أو دفن، ويذهب «كازيمودو» لرؤية جثة حبيبته، وما أن يراها حتى ينهار ويحتضنها ويموت. وهكذا تنتهي الرواية الأصلية.
بالطبع هذه ليست قصة الفيلم الذي أنتجته ديزني للأطفال حيث أن القصة الأصلية كما ذكرناها آنفا؛ حيث أن النهاية مختلفة تماما وهي يفقد فرولو حينما يفقد ويسقط من أعلى الكنيسة صريعًا في النيران المضرمة ، أما فيبس وأزميرالدا فيتعانقان ، ويخرج معهم كوازيمودو للناس فيرحبون به ، ويحملونه على الأعناق .
وقد تم تحويل هذه الرواية إلى أفلام سينمائية بلغت 6 أفلام منها بالترتيب : 1923 أحدب نوتردام (والاس وورسلي، لون شاني)، 1939 أحدب نوتردام (وليام ديترل، تشارلز لوتن، مورين أوهارا)، 1956 أحدب نوتردام (جين دلانوي، أنتوني كوين، جينا لولوبريجيدا)، 1982 أحدب نوتردام (مايكل تكنر، أنتوني هوبكينز، ديرك جاكوبي، جون جيلغود، ليسليان داون)، 1996 أحدب نوترادام لشركة والت ديزني، 1997 أحدب نوتردام (بيتر ميداك، ماندي باتينكين، ريتشارد هاريس، سلمى حايك، إدوارد أترتون، بنديك).
ونأتي هنا إلى المؤلف فيكتور هوجو صاحب المقولة الشهيرة " أنا الذي ألبست الأدب الفرنسي القبعة الحمراء – أي قبعة الجمال".، وهو من أبرز أدباء العصر الرومانسي في الأدب الفرنسي والعالمي ، كان يري في نفسه صاحب رسالة، كقائد للجماهير، قائد لا بالسيف أو المدفع وانما بالكلمة والفكرة. فهو أقرب إلى زعيم روحي للنفس البشرية أو صاحب رسالة إنسانية.
تم نشر أكثر من خمسون رواية ومسرحيات لفيكتور هوجو خلال حياته، من أهم أعماله: أحدب نوتردام، البوساء، رجل نبيل، عمال البحر، وآخر يوم في حياة رجل محكوم عليه بالإعدام.
وتعتبر كنيسة «نوتردام» ــ معنى الأسم «سيدتنا» والمقصودة هنا هي «مريم العذراء» ــ أكبر كنيسة في فرنسا على الإطلاق. ولبنائها حكاية مثيرة، حيث أراد أسقف باريس في القرن الثاني عشر أن ينشئ كنيسة أخرى تفوق بقية الكنائس جمالا وأهمية وهي كنيسة نوتردام. وكان للأسقف ما أراد بدعم من الملك الفرنسي، الذي كانت خزائنه مليئة بالأموال بسبب الازدهار الاقتصادي في فرنسا آنذاك، وبذلك تقرر بناء الكنيسة على قطعة أرض كانت تضم في السابق معبدا لآلهة ما قبل المسيحية. ووُضِع حجر الأساس في احتفال كبير حضره البابا عام 1163 وانتهى البناء بعد ذلك بقرنين. ومع ذلك فإنه لم يكن للكنيسة في البداية الشأن المنشود، فالملك الوحيد الذي تم تتويجه فيها كان ملك إنكلترا عام 1431 عندما توج نفسه ملكا على فرنسا، إذ كان الانكليز قد احتلوا باريس بهدف احتلال فرنسا بأكملها، ولكن خرج الانكليز من فرنسا في نهاية المطاف خائبين.
وفي نهاية القرن الثامن عشر تعرضت الكنيسة لتخريب كبير من قبل المشاركين في الثورة الفرنسية، حيث حُطمَ الكثير من التماثيل ونُهب الكثير من مقتنياتها، وحولها القائد الشهير للثورة الفرنسية روبسبير ولفترة قصيرة إلى معبد لدين جديد اخترعه بنفسه. وفي بداية القرن التاسع عشر قامت الحكومة الفرنسية ببعض الترميمات كي يتم تنصيب «نابليون» الأول امبراطورا فيها.
وعندما نُشِرَت قصة «أحدب نوتردام» عام 1831 كانت كنيسة نوتردام بناء ضخما في حالة يرثى لها وبحاجة لعملية تحسين هائلة، ولحسن الحظ حازت الرواية شهرة كبيرة فازدادت شهرة الكنيسة، وأخذ السياح يزورونها باستمرار، ولعلهم كانوا يشعرون بخيبة أمل كبيرة لعدم عثورهم على «كازيمودو» الأحدب المشوه. وهنا قررت الحكومة الفرنسية أن أوان عملية التحسين قد آن، وتم ذلك بنجاح كبير. وتعتبر الكنيسة حاليا مثالا رائعا لطراز العمارة القوطية. ومن الحقائق الأخرى التي ذكرتها الرواية كانت عيد الحمقى، الذي كان عيدا شعبيا يتم الاحتفال به في الأول من يناير، ويعتقد أن أصوله تعود إلى فترة ما قبل المسيحية في فرنسا. وقد توقف الاحتفال بهذا العيد في الوقت الحالي. وقد اكتشفت مؤخرا مذكرات نحات بريطاني كان قد عمل في الكنيسة في عشرينيات القرن التاسع عشر. وذكرت هذه المذكرات أنه كان هناك رجل أحدب يعمل في كنيسة نوتردام في مجال البناء أثناء وجود المؤلف فيكتور هوغو في باريس وأن هوغو ربما عرفه، ولكن هذا لا يعتبر دليلا قاطعا على أن شخصية «كازيمودو» كانت شخصية حقيقية.
ومثّل دور الأحدب مجموعة من أشهر الممثلين العالميين مثل أنتوني كوين (1956) وأنتوني هوبكنز (1982)، ولكن أشهر من مثل الدور كان الممثل البريطاني تشارلز لوتون (1939) الذي جعل الكثير من رواد السينما يتذكرون الأحدب «كازيمودو» بسببه. ولا يمكن للجمهور أن ينسى المشهد الرائع الذي يقول فيه «كازيمودو» (تشارلز لوتون) لـ«أزميرالدا» الغجرية (التي مثلت دورها الممثلة مورين أوهارا) «إنني لست حيوانا متوحشا، إنني إنسان بشع مثل رجل من القمر»، وفي نهاية الفيلم يخاطب أحد التماثيل في الكنيسة صارخا «لماذا لم أُخلَق من حجر مثلك».
ملحوظة
"المقال مأخوذ من مصادر كثيرة ومتعددة"