القاهرة 27 اغسطس 2019 الساعة 02:07 م
كتب: أحمد مصطفى الغـر
اللغة الهيروغليفية هي أشهر نظام كتابي يعبر عن الحضارة المصرية القديمة، وهي لغة خارقة، إذ استطاعت أن تبقى حية مزدهرة لقرابة 5000 عام، وكانت لغة دائمة التطور، احتوت على 400 أصل مشترك بينها وبين اللهجات الإفريقية والآسيوية، فالرسومات التي تنتشر على جدران المعابد والمقابر، التي شيدها ملوك وملكات ونبلاء الفراعنة، هذه ليست صورا نقشت كصور، بل هي من رموز الكتابة الهيروغليفية التي بلغت 700 عنصر، حيث كان لدى قدماء المصريين عدد كبير من الرموز التي يعبرون بها عن الأشياء المادية، وهي ذات الصور التي تطورت الى مجموعة من الرموز التي دمجت بين الفن واللغة في آن واحد، وباتت تمثل أفكاراً وأصواتاً وأشياء.
بعض كتب المصريات تفيد بأن مخترع اللغة الهيروغليفية في مصر القديمة هو "تحوت"، الذي اتخذت زوجته "سيشت" ربة للكتابة، وهي الكتابة التي ظلت محيرة لعقول الكثيرين من المستكشفين وعلماء المصريات، إلى أن تمكن الفرنسي "شامبليون" من فك رموزها التي سجلتها نقوش حجر رشيد الشهير. وكان المصري القديم حريصًا أشد الحرص على الشكل الجمالي للعلامات المكونة للكلمات، وكذلك على شكل المساحة التي تشغلها هذه العلامات، فهي عادةً تُكتب بحيث ما تُكون كل كلمة شكل مربع أو مستطيل وهمي خاص بها، وهو الأمر الذي يُسهل قراءتها، فهي لغةً تُكتب كمجموعات من العلامات، خاصة بكل كلمة بطريقة تقليدية اصطلاحية ذات قواعد متعارف عليها في تنسيق العلامات داخل الكلمات.
قديمًا؛ كان من الصعب جدًا كتابة الهيروغليفية على أجهزة الكمبيوتر، لعدة أمور، منها أنه لابد من معرفة ماذا تُمثل العلامة للبحث عنها في التصنيف الصحيح، كما أنه يوجد بعض العلامات المشهورة التي يمكن كتابتها حسب نطقها الصوتي مثل كلمة عنخ (مفتاح الحياة) وكلمة رع (قرص شمس)، في وقتٍ نجد أن هناك أكثر من علامة لها نفس النطق الصوتي، أما الأسوأ فيكمن في أن ما تم كتابته لا يتم إدخاله في برنامج الكتابة "وورد" كنص، بل يتم تصديره كصورة من برنامج اللغة، وكما هو معروف فإن الصورة لا يمكن تنسيقها كالنص. لكن في 10 إبريل من عام 2007م قام ريتشموند وايفرسون بتطبيق الكود العالمي الموحد على اللغة الهيروغليفية، وهو الأمر الذي جعلها لغةً معياريةً قياسيةً تتفهمها جميع الحواسيب باختلاف أنظمة تشغيلها، وكانت هذه هي النواة الأولى لأن يُصبح بالإمكان كتابة النصوص الهيروغليفية بدون استخدام أي من برامج الكتابة القديمة، حيث تم تخصيص رقم خاص ومميز لكل علامة.
في أكتوبر 2009 تم إدخال قائمة علامات الهيروغليفية، المعروفة بقائمة جاردنر، في هذا الكود العالمي الموحد للغات، ليتمكن "مارك جان نيدرهوف" في نهاية عام 2009 توليد أول خط لكتابة الهيروغليفية في برنامج "وورد"، صحيح أنه لم يتضمن جميع العلامات (أكثر من 7000 علامة) بل على أكثرها شهرةً واستعمالًا (حوالي 1000 علامة)، لكنه كان أول الغيث، فبعد 3 سنوات، وتحديدًا فى عام 2012م، قام "جورج دروس" بإكمال باقي العلامات (حوالي 6000 علامة)، ليصبح الخط متضمنًا جميع علامات اللغة الهيروغليفية، وفي عام 2013م أصدرت شركة "جوجل" خطًا خاصًا باللغة الهيروغليفية، مما فتح الباب على مصراعيه لانتشار الخط، بل تعداه الأمر ليصبح متاحًا لمواقع الإنترنت، وأصبح بالإمكان البحث عن النصوص الهيروغليفية، مثلما نبحث باللغة العربية في مواقع الإنترنت، وفي نهاية شهر يوليو 2015 تم إصدار النسخة الأخيرة من نظام تشغيل "ويندوز 10" والذي ضمّنته شركة مايكروسوفت خطًا خاصًا باللغة الهيروغليفية، وهو ما فتح الآفاق الرحبة عالميًا لانتشار اللغة الهيروغليفية.
ونظرًا لوجود وجه شبه كبير بين اللغة الهيروغليفية واللغات اليابانية والصينية والكورية من حيث عدد الرموز الكبير للغة، وكون هذه اللغات الحديثة الحية تُكتب على الحاسوب بطريقة الصوتيات، أي نطق العلامة، وبمساعدة القاموس اللغوي يمكن إكمال الكلمة وتصحيحها إذا كان بها أخطاء إملائية، قام عالم اللغويات الشاب الياباني "سو" باختراع طريقة جديدة للكتابة مماثلة لما هو موجود في اللغة اليابانية، وذلك في نهاية مارس 2015، حيث تمت الكتابة بالنطق الصوتي للرمز لأول مرة، وإذا كان هناك أكثر من رمز بنفس النطق الصوتي يمكن التبديل بينهما بالأسهم لاختيار الرمز المطلوب، وفي وليو 2016 م تمكن الباحث بأكسفورد "مروان كيلاني" من تدشين مشروع "سنوحى" لحل مشكلة أساسية، كانت تعاني منها الهيروغليفية عند كتابتها، وهى أن العلامات كانت لا تزال تُكتب إلى جوار بعضها البعض، وليس بالطريقة المتعارف عليها كـ "مجموعات من العلامات"، خاصة بكل كلمة، بحيث ما تُكون كل كلمة شكل مربع أو مستطيل وهمي خاص بها، وبعد حل هذه المشكلة في مشروع "سنوحي"، أصبحت اللغة المصرية القديمة لغةً متكاملة الأركان، عند كتابتها على الحاسوب.
بالرغم من كل ذلك، فمن المؤسف أن اللغة الهيروغليفية لا تحظى بيوم عالمي كغيرها من اللغات في العالم، لذا فقد طالبت بعض المؤسسات المصرية وعلماء المصريات بأن يكون 19 يوليو من كل عام يوما دوليا للغة المصرية القديمة "الهيروغليفية"، حيث أن بداية السنة المصرية القديمة في كل عام توافق 19 يوليو، وهذا سيكون أفضل يوم لإحياء تلك اللغة والتذكير بها وبالحضارة المصرية القديمة، كما أنه سيكون مناسبة جيدة للترويج للمعالم الأثرية الفرعونية ببلدان العالم، ومن المصادفات أيضا، أنه في 19 يونيو 1799، تم اكتشاف حجر رشيد، والذي جرى على يد مهندس فرنسي يدعى "فرانسوا كافييه بوشار"، وهذا اليوم هو مقترح آخر ليكون يوما دوليا للغة الهيروغليفية.