القاهرة 25 اغسطس 2019 الساعة 06:00 م
كتبت: سماح عبد السلام
أقامت مؤسسة بتانة الخميس الماضى احتفالية للاحتفاء بتجربة الشاعر والناقد الدكتور حسن طلب، شارك فيها كل من الناقد الدكتور أحمد درويش والدكتور سعيد توفيق، وأدارها الشاعر شعبان يوسف، بحضور عدد كبير من المثقفين ومجايليه.
فى تقديمه للاحتفالية قال الشاعر شعبان يوسف: نحتفل بطلب لشعريته الكبيرة، حيث تعرفت عليه منذ أواخر 1976، إذ كان يتم التحضير لمجلة إضاءة 77، وكان طلب اسماً معروفاً قبل أن يرتبط بهذه الجماعة، وأتذكر أننى قرأت تحقيقياً فى مجلة "الزهور" التى كانت تصدر فى السبعينات كملحق لمجلة الهلال، وقد تحدثت عن حسن طلب كأحد فرسان الشعر فى سوهاج.
وأضاف شعبان يوسف: أرى أنه من الشعراء التجريبيين الأوائل، أول دوواينه "وشم على نهدى فتاة" صدر بتقديم لرجاء النقاش، وقد شارك طلب بقوة شديدة فى مجلة إضاءة 77، كانت هيئة التحرير فى الإصدار الأول تضم حسن طلب وحلمى سالم وجمال القصاص ورفعت سلام وصدرت يوليو 1977. وكان المقدمة التى كتبها حلمى سالم بمثابة بيان للجماعة.
ويتابع: تعتبر إضاءة مغامرة من المغامرات على ثلاثة مستويات الأول أنها تجربة شعرية فريدة أرادت التجريب والتغيير وإدخال دم جديد فى الحركة الشعرية، أما المستوى الثانى لكونها نشرة خرجت خارج المجلات الموجودة أنذاك، والمستوى الثالث ان مجلة إضاءة 77 كانت مجلة شعرية كتب مقدمتها العدد الأول حلمى سالم، والعدد الثانى حسن طلب وبالعدد الثالث جمال القصاص وعندما أراد رفعت سلام كتابة مقدمة العدد الرابع أعترض حلمى سالم عليه لأنها كان بها نفس سياسى، إضاءة جزء من تجارب طلب الثقافية والفنية والفكرية.
واختتم مقدمته قائلاً: أرى أن طلب الشاعر الأبرز فى جيل السبعينات، استطاع عبر رحلته الطويلة أن يتخفف من جرعة ادخال الفلسفة أو الأفكار العميقة حتى اشتبك مع الواقع السياسى.
وفى كلمة قال الدكتور أحمد درويش: أن الشعر على نحو خاص جنس شديد الخصوصية والرفاعية، وهو جنسً صعب، الشعر ربما منفرداً عن بقية الأجناس الأدبية يتطلب بالضرورة شرارة الموهبة، فالشعر عندما يتلبس إنسان يتلبسه فى ملمحه وسلوكه فيصبح شاعراً فى غير أوقات كتابة القصيدة وقليلون هم الذين تلبسهم الشعر حتى فى سلوكهم وشردوهم وحديثهم، وأذكر منهم محمد حسن إسماعيل والفيتورى وحسن طلب.
ويستطرد: الشعر إذا أخلص له صاحبه فهو لا يكون أبداً وليد فكرة تأملات على مقهى وانما يحتاج إلى انماط جديدة من المعرفة، والشاعر فى حاجة إلى بذل مجهود فيما يمكن أن يُسمى مرحلة ما قبل القصيدة، هناك مرحلة سابقة على مرحلة تكوين قصيدة فى النفس، وهناك مراحل بعضها معنوى وبعضها رمزى.
وأذكر أننى قبل سنوات ناقشت ديوان "آية جيم"، كنت تحدثت عن أن الشاعر فى حاجة إلى بستان يقف وراءه ويزوره ويستنشق هواءه ويملأ من رئتيه قبل أن يبدأ فى الشعر لكى يبث لنا كلاماً جديداً ويشجع رئتينا على تنفس جديد، لكن هناك ما قبل هذا البستان مشاتل بعض الشعراء الجيدين يزرعون فيها وردوهم وينموها وقلت أن محاولة حسن طلب فى ديوانه "آية جيم"، بصرف النظر عن ماذا تقول ولكن كيف تقول؟ كانت لوناً من تنمية مشاتل الشعراء فيما قبل البساتين.
وأضاف درويش: طلب يجرب كيف تصُنع زهرة، ويجرب كيف تنمى وردة وكيف تربى نرجساً، يجرب كيف يتعامل مع الكلمات بأعتبارها أشياء وليس باعتبارها دوال، الشاعر لا ينظر إلى الكلمة على أنها دال ولكن باعتبارها شيء، يحاول أن يصنع منها شيئاً مدهشاً ومثيراً؛ لهذا قلت ان تجربة أن تجربة حسن طلب وقت ديوانه "آية جيم" كانت تجربة فى هذه المشاتل التى تقف وراء البساتين والتى تجعل من الشعراء صنُاع الأشياء وليسوا ممتثلين لتنفيذ الدوال، ومن أجل هذا تجعل كلامهم وأن تكرر جديدة على السماع، حسن طلب استطاع أن يصنع هذا ويضيف إليه شيئاً هاماً والتفريق بين فكرة القطيعة الإيجابية والسلبية.
وهو صاحب ثقافة عالية ومن حسن الحظ أن جزءً من ثقافته مرتبطة بالفلسفة، والفلسفة مرتبطة بالشعر ارتباطاً شديداً، والنقد وهو قرين الشعر كان يصدر دائماً عن الفلاسفة والنقاد وعندنا كان يصدر غالباً عن أصحاب الكلام الحُلو، ولكن وجد فى تراثنا شعراء ونقاد فلاسفة، وحسن استفاد من هذا الجانب.
ولا يكاد يخلو ديواناً من ديوانه من تناص مع شاعر كبير، لكنه عندما يتناص يتناص على سبيل التقاطع الإيجابى، ليأخذ شحُنة انطلاقية، كما أنه يلعب على تجارب شاقة، يستطيع أن يغاير المسافة بين الأشياء قرباً وبعدا، تجريداً وتجسيداً، انتماءً وانفصالاً، يصنع هذا لأنه قارئ متصل ومتجدد ومن أجل هذا اضاف فى نصف قرن للشعر إضافات هامة.
وفى قراءة أخرى للدكتور سعيد توفيق لتجربة حسن طلب، حيث اختص ديوانه "شيء عبر لا شيء"، وهو من الدواوين الأخيرة التى لم يلُقى عليها الضوء، يحمل هذا الديوان الطابع الفلسفى الموجود أيضاً فى تجربة طلب.
والفلسفة والشعر عن طلب حاضرة حضوراً واضحاً وطاغياً فى هذا الديوان، واتحدث عن خصيصة فى هذا الديوان تتعلق بلغته. ولنسأل دائماً: متى ينطق الشاعر بصوته الخاص لأن الشاعر لا يكون شاعراً إلا أن ينطق بصوته الخاص، فكل فن هو فى الحقيقة لغة لكن الشعر هو الفن الذى تتحق فيه ماهية اللغة حينما تجلب الخارج إلى الداخل.
وأضاف توفيق: من هنا يمكن أن نفهم أولية اللغة فى شعر حسن طلب، بل يمكن أن نذكر ان طلب نفسه كان يتأمل اللغة فى شعره، وهذه ظاهرة فريده لا نجدها إلا عند شعراء كبار، نجد ذلك فى مناظرته مع أمل دنقل عن دور الكلمة وما وظيفتها وما الشعر.
ويستطرد: ديوان "شيء عبر لا شيء"، فيه الكثير من الخصائص التي توجد في لغته الشعرية، ولكن موضوع الديوان جديد على شعره، بل على الشعر العربي في عمومه، إذ يبلغ التأمل الفلسفي ذروته في هذا الديوان، وهو يعبر عن أعمق ما قاله الفلاسقة العظام- خاصةً هيدجر- عن "حقيقة الشيء أو معناه"، ولكن في لغة شعرية مكثفة تستدعي التأمل، الشعر في هذا الديوان ليس قريب المأتى؛ لأن موضوعه ليس مطروقًا، رغم أنه قريب منا في حياتنا اليومية وعالمنا المعيش؛ ولذلك فإننا نتعلم منه كيف ينبغي أن نعايش الأشياء ونحيا بقربها، كي نفهم عالمنا ووجودنا نفسه.
ويستكمل: نلحظ اهتمام طلب فى اللغة من خلال العناية المفرطة بالكلمة، حيث أن الكلمة الواحدة توحى بمعان وظلال عديدة، ولنتأمل على سبيل كلمة الشئ وكيف تتكرر فى مواضع كثير عبر ديوانه " شيء عبر لا شيء".
ويتابع: نستطيع أن نفصل القول فى كثير من خصائص لغة طلب فى هذا الديوان وغيره ولكننا نريد أن نعرف أيضاً وفى المقام الأول أن اللغة الشعرية تسقط موضوعاً ما، وهذا هو ما يسعى الشاعر إلى فهم معناه، ومن هنا تأتى العلاقة بين الشعر والفيلسوف. ذلك أن الشعر ليس مجرد حالة لغوية او جمالية خالصة، وإنما هو حالة قومية وإنسانية ووجودية بالمعنى العام فى الوجود الإنسانى.