القاهرة 20 اغسطس 2019 الساعة 10:38 ص
د/ حمدي سليمان
ليست ثمة نظرية تصلح كأداة
لتفسير ما يحدث في واقعنا العربي الآن ..
يكشف لنا الصراع التجاري الدائر الآن من أجل السيطرة على أكبر عدد من الأسواق بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين, مدى تحكم الدولتين في الاقتصاد العالمي, وما يعانيه العالم الآن من العديد من المشكلات الاقتصادية, خاصة عالمنا العربي الذي تعد المعاناة فيه أشد وأقوى, حيث تظهر تجلياتها على كافة مناحي الحياة, وربما كان هذا – ومازال- من الأسباب الجوهرية التي دفعت عدد من بلدانه إلى الخروج في ثورات الربيع العربي, وهى مشكلات يرجع الأصل فيها إلى السياسات الاقتصادية الخاطئة وتردى عملية الإنتاج , والاستسلام للأنماط الاستهلاكية الوافدة, التي بالتأكيد تحمل ثقافة منتجيها بل وتسعى إلى خلق وتثبيت صور وخبرات ومعانٍ جديدة مغايرة, وهو ما قد يؤثر على الثقافات الأصلية لهذه المجتمعات, وما تبقى لديها من قيم ثقافية تميزها عن المجتمعات الأخرى, لذا ووفق هذا السياق يمكننا الإشارة إلى أن ما تتعرض له مجتمعاتنا والذي يشبه الثورة الثقافية والاجتماعية والايكولوجية , التي تغير كثيرا من ملامح الحياة التقليدية , قد يكون له تأثير سلبي على الملامح الثقافية المميزة لهذه المجتمعات. خاصه بعد ما أصبحت السمة الغالبة عليها هي سمة ثقافة الاستهلاك, والسعي الدائم لإشباع الحاجات, وخلق طموحات استهلاكية, ومحاولة تحقيقها, والوصول إلى أقصى ما يمكن منها, وهو ما يدفع هذه البلدان إلى استنزاف أسرع لما تبقى من ثرواتها الطبيعية لتلبى هذه الشراهة الاستهلاكية .
*- الثقافة الاستهلاكية من المركز إلى الأطراف :-
من الطبيعى أن توصف المجتمعات الرأسمالية المعاصرة , على أنها مجتمعات استهلاكية , فقد تحولت هذه المجتمعات الى الاستهلاك بعد أن نجحت في تحقيق طفرة في الإنتاج , فازداد حجم المعروض من السلع , وتحول الإنتاج إلى هدف في حد ذاته, الأمر الذي أدى إلى تكدس للسلع , ووفرة في أنواعها وفي إطار هذه العملية أصبحت الدعوة إلى الاستهلاك جزءاً من العملية الإنتاجية , وانتشر الميل إلى الاستهلاك وشملت المظاهر الاستهلاكية كل شىء , وأصبحت تسيطر على كل تصرفات الأفراد وسلوكهم تجاه السلع, وطرق إشباع رغباتهم منها , واندمج الإنسان في هذا المجتمع, وهو أمر طبيعي في المركز لتوفر عنصري الحياة, الإنتاج والاستهلاك .
أما فيما يخص الأطراف فالأمر مختلف, خاصة في مجتمعاتنا التي أصبحت الثقافة الاستهلاكية فيها هى المسيطرة على كل شىء, وانسحبت الثقافة الإنتاجية بأشكالها المختلفة وقيمها التي كانت تعطى للحياة والأفراد معنى , ومن المؤسف أن هذا الانسحاب للثقافة الإنتاجية يتعاظم في الوقت الذي تعانى فيه هذه المجتمعات من مشكلات اقتصادية ضخمة , تتجلى صورها في كافة مناحي الحياة .
*- من المدينة الى القرية :-
ويمكن القول أن هذه الثقافة الاستهلاكية قد تم تغلغلها في مجتمعاتنا بنفس الآلية, بمعنى أنها بدأت في المدن الكبرى التي تمثل المركز ثم انتقلت إلى الأطراف, المتمثلة في الأقاليم والمراكز والقرى, والتي كانت ذات يوم مناطق ضخ إنتاجي, وتشكل عصب الحياة في المجتمع ككل, ونحن نتفهم ذلك حيث تقدم المدينة بشكل عام وبشكل خاص في مجتمعاتنا نموذجا للثقافة الاستهلاكية , لأنها تدير روؤس الأموال ( المصارف والبنوك ), والخدمات, وإدارة الحياة السياسية والاجتماعية , ويغلب عليها وجود فئات الموظفين , والتكنوقراط , والساسة , ورجال الأعمال , بينما مالا نفهمه أن تتسرب هذه الثقافة الاستهلاكية إلى الأقاليم والمراكز والقرى, التي كانت ثقافة الإنتاج فيها تعنى إنتاج ضروريات / شروط الحياة اليومية ,وذلك لكونها ثقافة وطريقة حياة في نفس الوقت, كما أنها كانت تعتمد في حياتها على أقصى استثمار للمكان, لأن شروط الحياة شحيحة, فتقوم بإنتاج كثير مما يحتاجونه دون الاعتماد على الغير.
*- خصائص وأنواع الثقافة الاستهلاكية :-
الثقافة الاستهلاكية في جوهرها هي ثقافة قهرية, تدفع الناس دفعا الى الاستهلاك والجري وراء طموحاتهم, بصرف النظر عن الفوائد الفعلية المتحققة من ذلك, كما أنها ثقافة رمزية, حيث إنها تخلق من الرموز ما يجعلنا نفهم ذواتنا وذوات الآخرين على نحو معين , وتخضع الرموز والعلامات في ثقافة الاستهلاك إلى التغير المستمر , وتتخلل كل المعانى الثقافية القائمة, والمستهلكون لهذه الثقافة يتحدثون من خلال مظهرهم وملبسهم والسلع والممارسات التي تحيط بهم.
وتتعدد أنواع الثقافة الاستهلاكية فهى لاتقتصر على السلع المادية, بل تتجاوزها إلى الاستهلاك الثقافي, والترفيهي,إضافة إلى المجال الأخطر وهو الاستهلاك الترفي الذي ينفق الكثير من المال على سلع كمالية, وفي مناسبات غير ضرورية, بقصد التباهي وحب الظهور وربما بسبب تعويض نقص اجتماعى معين .
*- السلع الثقافية ودورها غير المباشر في خلق مناخ استهلاكي :-
من الطبيعى أن تغذى الثقافة الاستهلاكية بإمداد مستمر من السلع الثقافية, "الأفكار", التي تبدو وكأنها تقدم أفقا لا نهائياً, تطرح من خلاله امكانية تحقيق الأحلام على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية , كما أنها تقوم بدور كبير في إقناع الأفراد بضرورة التغير, والتحول عن الأفكار التقليدية المعطلة لحركة التاريخ , فكل المعانى متاحة وقابلة للتحول ,نعم ولا غرابة في التحول,فهى سمة الحياة , لكن يجب التاكيد على أننا نعيش تحولاً سريعاً, بل فائق السرعة , لذا كان تأثيره على المنظومة الاجتماعية والثقافية مربكا في كثير من دول العالم الثالث و بالغ الخطورة, وهوما تؤكده حالة الفوضى التي تعيشها هذه الدول على المستوى السياسى والاقتصادي الآن,إضافة إلى ما يعانيه أبناؤها من التشوه الثقافي , لذا تعمل الدول المسيطرة من خلال السيناريوهات المتجددة للعولمة على دمج هذه المنظومات المختلفة للدول في نموذج عولمي مرن, يساعد على تنمية الثقافة الاستهلاكية لدى شعوب دول العالم الثالث .
وهنا يبرز دور السلع الثقافية التي تقوم بالدور التحضيري لخلق مناخ ثقافي, يسمح بالتعدد والتجاور لكل الأشياء, من الموسيقى الى السلع الغذائية , حيث إننا نعيش في سوق كبير وكل ما يعرض فيه من منتجات فكرية وثقافية وفنية واقتصادية هي في نظرهم سلع- أو هكذا يجب أن تكون- قيمتها وحياتها مرهونة بعملية العرض والطلب وقدرتها على التنافس مع السلع الأخرى المثيلة لها, والتي تتعدد مناطق إنتاجها عالمياً, فالسوق الحديث الآن تفتخر بتعدد وتنوع منتجاتها , فهى منتجات لبيئات ثقافية مختلفة أعدت للاختلاط على نطاق عالمي – ربما لا نحتاج في الوقت القريب إلى كتابة اسم بلد الصنع – إذا نحن نستقبل كل يوم, بل كل لحظة أشكالا متنوعة من السلع الثقافية التي تصدر إلينا على اعتبار أنها تمثل العناصر الثقافية الضرورية لخلق النموذج الأمثل للحياة الحديثة, ولزيادة تقبل هذه السلع الثقافية في مجتمعات العالم الثالث, تقول الدول المنتجة لها أن هذه السلع الثقافية ليست منتجا غربيا صرفا, بل هي نتاج تراكم ثقافي للمجتمعات الإنسانية كافة, وكل ما فعله الغرب – حسب ما يتم تصديره – هو الاستفادة من هذا التراث الإنساني القديم والحديث معا, ووضعه في نماذج ثقافية حديثة لخدمة الإنسان وتقدم البشرية, ونحن لا نختلف مع هذا التصور, لكننا نتوقف أمام مقاصده النفعية التي تتحول إلى أرصدة مادية في خزائن منتجة ,أي الغرب والدول الإنتاجية الكبرى.
وقد سمح التطور المذهل للميديا بزيادة قنوات الاتصال, التي تتدفق عبر الحدود الثقافية والتي كان لها دور مهم في تفكيك الأشكال القديمة من التهميش والسيطرة وتقبل أشكالا جديدة من التعددية الثقافية, وهو ما ينسحب أيضا على السوق بمعنى زيادة تقبل المنتجات الوافده تحت دعوى حرية السوق ,والتعددية السلعية, ووفق هذا يجب تقبل المنتجات التي تنتمي لبيئات ثقافية مختلفة, حيث تزول الاختلافات ما بين الاشياء وبعضها, أو بين الخبرات المتعلقة بصنعها, أو بين الطرق التي تستقبل بها هذه المنتجات.
ولا عجب في ذلك إذا كان لدى الدول الفقيرة القدرة التنافسية التي تحمى منتجها بكافة أنواعه من شراسة السوق العولمي الجديد, ولكن كيف يحدث ذلك, ونحن نعلم مدى تردى المنتج المحلى بل وانعدامه في كثير من الأحيان, لذا فالأمر كما يعلمه الجميع يسير في اتجاه واحد, ألا وهو زيادة تراكم الثروة والسلطة في الدول المتقدمة وزيادة تراكم الفقر والتخلف في الدول الفقيرة , وتحول أبناء هذه الدول الفقيرة إلى حيوانات استهلاكية, تلتهم ما يقدم لها من مخلفات هذه الدول المتقدمة, دون اعتراض, أو حتى أبداء الرأى فيما اذا كان هذا المنتج يرضى الذائقة المحلية أم لا, فهذه الدول ليس لها حق الاختيار أو ابداء الرأى , فالدول المتقدمة تنتج السلعة, وتنتج أيضا الثقافة المسوقة لها, بل وتعيد تشكيل الذائقة العالمية حسب مخططاتها الإنتاجية لكل مرحلة , فهم يصدرون السلع والثقافة المصاحبة لها, والتي تتحول مع الوقت وبواسطة الآله الإعلامية والإعلانية إلى مطلب محلى, وضرورة من ضروريات الحياة الحديثة, والوجاهة الاجتماعية , وتقوم الرأسمالية المحلية في هذه الدول الفقيرة بدور كبير في الترويج للثقافة الاستهلاكية ,وهى بطبيعتها ترتبط بشكل وثيق بالرأسمالية العالمية , كما تساهم الحكومات المحلية في هذه الدول ايضا في عمليات الترويج لهذه الثقافة,حيث تستخدم الميديا الحديثة في السيطرة على شعوبها من خلال إعادة إنتاج التخلف عبر الوسائط الإعلامية الحكومية, وغير الحكومية , وذلك ببث ثقافة سطحية تسعى من خلالها إلى تجذير الفردية واللعب على المصلحة الخاصة, وتشجيعها للنمط الاستهلاكى السريع بحجة العمل على إشباع حاجات الأفراد, وتحقيق رغباتهم.
والحقيقة هناك روافد تغذى ثقافة الاستهلاك وتجعل تأثيرها على الآفراد أوضح ما يكون .
*- المراكز المغذية لثقافة الاستهلاك :-
تلعب العديد من وسائط الاتصال التقليدية والحديثة في مجتمعاتنا دوراً كبيراً في تغذية ثقافة الاستهلاك, في على مستوى وسائط الاتصال التقليدية والمتمثلة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية نستطيع ان نرصد الآتى :-
أولا: الوسائط التقليدية :-
الإعلام المقروء :(الصحف والمجلات ):
تقوم الصحف والمجلات بدور إعلانى يطغى على مادتها الأخبارية والثقافية الأساسية ,حيث تفرد لهذه الإعلانات الصفحات الرئيسية والمهمة داخل مطبوعاتها , ويبرر القائمون على هذه المؤسسات الصحفية زيادة مساحة الإعلان داخل مطبوعاتهم , بأن الإعلان الآن هو الذي يتحكم في استمرار المطبوعة وبقائها, ويفصلون بين فلسفة وسياسة المطبوعة وسياسة الإعلان داخلها, فلا غضاضة أن تكون السلعة المعلن عنها أو صاحبها على خلاف من حيث المبدأ مع سياسة المطبوعة , وهو ما نجده بشكل واضح في الصحف الحزبية التي هي في الأساس تعبر عن وجهة نظر مؤسساتها الحزبية.
الإذاعة :
تستغل الإذاعة كوسيط جماهيرى, بعض فقراتها الاكثر جماهيرية, لتبث العديد من الإعلانات عن مختلف أنواع السلع, وهو ما نلاحظه بشكل مكثف أثناء شهر رمضان , وهى لا تراعى في ذلك أهمية عملية التواصل بين المادة المقدمة والمستمع, الذي يؤخذ على خوانة, ويستغل بشكل غير مباشر .
التليفزيون والفضائيات :-
تطور الإعلان التليفزيونى بشكل مذهل, وأصبح فنا قائما بذاته ,يعتمد على سيناريوهات معده بعناية من قبل متخصصين أحترفوا هذا المجال من الكتابة , إضافة لاستخدامه المفرط للصورة ,ومابالنا وسطوة الصورة , وقدرتها على التأثير والأقناع, خاصة اذا كانت تستخدم للاثارة والتشويق والابهار واللعب على الغرائز , كما يوظف لترويج لهذه الإعلانات مشاهير النجوم في مجالي الفن والرياضة, لذا أصبح الإعلان التليفزيوني الآن من أهم وسائل الترويج والانتشار السريع للسلع .
ولا يقتصر دور التليفزيون في ترويج الثقافة الاستهلاكية على الإعلان المباشر فقط, فالفضائيات الآن وما أكثرها في عالمنا العربي, تعد من المراكز الأساسية لتسطيح الوعي الجماهيري, وتشويه الذائقة الثقافية والفنية, وذلك من خلال بث العديد من البرامج التافهة والمسطحة, والتي لا تبغي من ورائها غير التسلية وقتل الوقت, ومن ضمنها برامج المسابقات الخفيفة التي تقوم على أحلام الثراء بالصدفة والربح السريع, وهو ما يصب أيضا في دعم ثقافة الاستهلاك, وللأسف إن معظم هذه الفضائيات يتم دعمها من قبل مؤسسات حكومية, وتبث على الأقمار الصناعية العربية.
ثانياً : الوسائط الحديثة :-
يعتبر أهم ما يميز عالمنا المعاصر عن تلك العوالم التي سبقته هو تلك " الثورة " التي حدثت في مجال الاتصالات والوسائط الحديثة, حتى أصبح الكثيرون, وهم محقون في ذلك، يختزلون كل التقدم الذي أنجزه العالم المعاصر في تلك النقلة في تكنولوجيا الاتصالات والوسائط, فإذا كانت العصور السابقة قد حظيت بمسميات تجزيئية من قبيل عصر الصحافة أو عصر الإذاعة أو السينما أو التليفزيون... الخ .
فإن العصر الحالى على خلاف ذلك, تقاربت فيه كل هذه العصور بتكنولوجياتها مع الانطلاقات التكنولوجية الحديثة لتطبع العالم المعاصر, وتسمه بالتقدم في مجال الوسائط والاتصالات عموما , ومن هنا جاءت مسميات عصرنا الحالى جمعيا مرتبطة بالطفرة في مجال الوسائط والاتصالات , بداية من أوسع المقولات " العولمة " إلى تلك المتصلة مباشرة بتكنولوجيا والوسائط مثل عصر" ثورة الاتصالات والوسائط " أو "مجتمع المعلومات" أو " عصر الانفجار المعرفي " أو الثورة المعلوماتية "حتى غدت هذه المفردات تمثل أكثر المفردات تردداً .
الإنترنت :-
الإنترنت ساحة كبرى للترويج الإعلاني عن السلع والمنتجات, فهو من أرخص الوسائل في هذا المجال بالمقارنة بالإعلانات التليفزيونية والصحفية أو إعلانات الشوارع كما يمكن من خلاله لاصحاب السلع والمنتجات أن يقوموا بعملية الإعلان بأنفسهم وبشكل مباشر دون وسيط فنى يكلفهم الكثير من المال , لذا ذادت مساحة الإعلان على الإنترنت , ويميز الإعلان على الإنترنت أن الوصول للسلعة المطلوبة لايستغرق من الوقت غير ثوانى , كما أنه لايحتاج لقطع المسافات للبحث عن السلعة , فهو يوفر الوقت والجهد , فأنت تستطيع أن تستعلم عن أيه سلعة من أى نوع وتجمع عنها المعلومات اللازمة , وأنت جالس في بيتك من خلال ضغطة بسيطة على الماوس , كما هو الحال أيضا اذا ما أردت أن تعلن عن أى شىء ترغب في الترويج له أو بيعه , لذا يعد الإنترنت الآن من أخطر المراكز التي تغذى عملية الثقافة الاستهلاكية .
الهواتف المحمولة ( الموبايلات) :-
من الوسائط الحديثة التي تستخدم في مجال الإعلان أيضا , وذلك عبر الرسائل النصية المرسلة للمشتركين , والتي تعلن عن مسابقات سريعة ومغرية , يمكن للمشترك أن يتواصل معها اذا ما اراد , ومثل هذه المسابقات تغرى العديد من الشباب الذين ينفقون الكثير من الدقائق حتى تتاح لهم فرصة المشاركة فقط , أما الفوز فهى عملية صعبة , ورغم ذلك لا تتوقف الأحلام الاستهلاكية السريعة لهؤلاء .
المراكز التجارية الكبرى (المولات) :-
انتشرت المراكز التجارية الكبرى في عالمنا العربي بشكل مخيف , وأصبحت تتنافس فيما بينها على أرتفاع عدد الادوار, وكثرة الخدمات الترفيهية, بجانب الخدمات الاستهلاكية والتي هي الأساس في وجودها, كما يتنافس أصحاب المعارض داخل هذه المولات في تقديم أفضل المزايا والتسهيلات لإثارة العملاء, للشراء, حتى وأن كانت السلعة غير مطلوبة في حينها أو غير ضرورية بالنسبة للعميل.
وتبتكر التوكيلات داخل هذه المراكز العديد من الحيل ,التي تسهم في زيادة الإقبال على سلعها, فهي تقدم جوائز نقدية وعينية كبيرة للعملاء , لكنها مشروطة بحجم المشتريات وارتفاع قيمة الفاتورة, وهو ما يعلى من حجم الإقبال الاستهلاكي, ويشكل ضغطاً نفسياً على الأفراد خاصة وأننا نعلم جيداً, أن شعوبنا ليس لديها ثقافة الشراء, كما هو الحال لدى الشعوب المتقدمة.
مهرجانات التسوق :-
هى أحد الأشكال الحديث في عمليات التسويق , والتي تلقى إقبالا شديداً من قبل الأفراد الذين يترقبونها , ويعدون أنفسهم وأموالهم أنتظاراً لاستقبالها , حتى أن البعض منهم أصبح يؤجل الكثير من عمليات الشراء لحين موعد أقامة هذه المهرجانات , أملا في الحصول على سلع ومنتجات بأسعار أرخص من الاسعار العادية , وهو تفكير منطقي وطبيعي, إلا أن الأمر لا يسير بهذه الآلية المنطقية المحددة, فغالبا ما تتجاوز عمليات الشراء أحتياجات الأفراد الفعلية , وهو ما يشكل عبء إضافي على إمكانيات الأسرة , إضافة الى أن الرقابة التجارية على الأسعار , لكثير من السلع المعروضة في هذه المهرجانات التسويقية تكون ضعيفة , وهو ما يفتح المجال للتلاعب والغش التجارى .
وينطبق الحال أيضا على الاوكازيونات الموسمية , التي يسعى التجار من خلالها للتخلص من السلع المتبقية , وذلك بعرضها للبيع بأسعار مخفضة لاغراء العملاء وجزبهم لشراء هذه المنتجات .
البنوك :-
تلقى البنوك أهتماما كبيرا من قبل الحكومات في الدول المتقدمة , أما في دول العالم الثالث فحدث ولا حرج , فهى مجال للشك والريبة , وعنصر أساسى من عناصر الفساد وضعف الاقتصادى القومى , أما عن علاقتها بدعم الثقافة الاستهلاكية , فهذا هو أيضا من أدوارها السلبية في الدول الفقيرة , فهي تغذى الأنماط الاستهلاكية لدى أفراد هذه الدول, عن طريق التسهيلات المفرطة التي توفرها لاستخراج بطاقات التسويق ( فيز الشراء ), وتدفع بجيوش من موظفيها للترويج لها داخل المصالح الحكومية والشركات , والمؤسسات الخاصة, مستغلة في ذلك تطلعات الأفراد لإشباع حاجاتهم, وعدم وعيهم الكافي بحجم الفوائد البنكية التي يمكن أن تتراكم عليهم.
*- خدعة الاستهلاك :-
ربما يعتقد البعض أن اندفاعه تجاه شراء سلعة ما هو نتاج قرار شخصي أو أسرى محض, أو أنه احتياج حقيقي لا غنى عنه, حيث لا يتوقف الفرد أمام مثل هذه التعقيدات الشكلية – ويعتقد أنه هو صاحب القرار الأول والأخير في عملية الشراء , حتى وإن كانت السلعة غير ضرورية بالنسبة له, هذا ما يشعر به الفرد أثناء قيامة بالشراء, وهو أيضا التفسير المباشر إذا ما سُئل عن ضرورة شراء سلعة ما, وهو من وجهة نظره محق في ذلك, ولكن نحن ننظر لها من وجهة نظر أخرى قائمة على التحليل الثقافي والسوسيولوجي, أي النظر لعملية الاستهلاك في إطار نظرة بنائية شاملة وفي ضوء التطورات التي خضع – ويخضع لها المجتمع - , فإذا كان الاستهلاك قد أصبح قاسما مشتركا بين المجتمعات والأفراد, وإذا كانت ثمة نزعة استهلاكية قد تسربت إلى نفوس الأفراد وسلوكياتهم الشرائية, فإن مرد ذلك إلى ظروف بنائية تاريخية, ترتبط بتطور النظام الرأسمالي وتطور نظم الإنتاج والثقافة داخله.
وتشير سامية الساعاتي إلى ما أورده كريستوفر لاش من أن اقتصاد السوق القائم على الاستهلاك الجماهيري قد أدى إلى نمط الذات المعتمدة أو الموجهة بالآخرين ولا تعتمد في تقدير نفسها على محددات داخلية, بقدر ما تعتمد على أحكام الآخرين وقبولهم لها,وهكذا تحولت إلى ذات خاضعة لا تملك من أمر نفسها شيئاً.
وهو ما أكده جلال أمين حيث أشار إلى أن تعددت أصناف السلع وأنواعها بدرجة لم يعرف لها مثيل من قبل, قد يربك المستهلك بحيث يواجه عشرات الأصناف من الجبن أو اللحم, وعشرات الجرائد اليومية و المجلات الأسبوعية والشهرية, والمسرحيات والأفلام والفرق الموسيقية وعشرات الفضائيات والبرامج الاذاعية , وهنا يصبح من العبث ان نفترض ان المستهلك قادر على المقارنة بين المنفعة المتوقعة من كل من هذه الأصناف وبين أثمانها, لكي يحقق أقصى إشباع ممكن من دخله, وإذا بالمستهلك مضطر إلى إن يترك نفسه تحكمه العادة او الصدفة إو الإيحاء من البائع, وليس هناك أي سبب للاعتقاد بأن الاختيار سيكون متفقا مع ميوله الحقيقية , بل وقد تكون نتيجة الاختيار أسوأ مما كانت عندما كانت الأصناف المطروحة أمامه محدودة العدد, إذ كثيرا ما يجد المستهلك نفسه في مواجهة سلع رديئة قامت بطرد السلع الجيدة, ولسنا في حاجة إلى تكرار ما هو معروف من خضوع المستهلك المستمر لخداع الحملات الدعائية, ولكن هذا الخداع لم يعد الآن يقتصر على مجرد ترغيب المستهلك فيما هو ليس بحاجة إليه, كتغير طراز السيارة أو جهاز الموبايل أو الكمبيوتر الشخصي, بل أصبح في كثير من الأحيان يندرج في باب الكذب المحض فالكتب الجديدة مثلا أصبحت تحمل عناوين ضعيفة الصلة بمحتويات الكتاب, ولكنها أكثر اجتذابا لاهتمام المستهلك و وتحمل على غلافها مقتطفات مما كتبه النقاد عن الكتاب, ممهورة بإمضائهم, ولكنها تسقط من هذه المقتطفات ما قد يكون قد أشار إليه النقاد من عيوب في الكتاب.