القاهرة 20 اغسطس 2019 الساعة 10:29 ص
د.محمد السيد إسماعيل
ينبغى أن نفرق – فى البداية – بين مصطلحين يتم الخلط بينهما كثيرا وهما : " النسائى " و" النسوى " فالأول يعنى ما تكتبه المرأة تحديدا بغض النظر عن الرؤية التى تنطلق منها والتى قد تكون ذكورية فى جوهرها أو تعيد إنتاج ثقافة المجتمع الأبوى المهيمنة أما مصطلح " النسوى " فلا يشترط أن تكتبه المرأة حيث تنطوى تحته كتابة المرأة والرجل معا والاشتراط الأساسى فى هذه الحالة هو الرؤية التى تطرحها هذه الكتابة من حيث تبنيها لحقوق المرأة والدفاع عنها والتعبير عن خصوصيتها بهذا المعنى فإن " النسوية " خاصة بالرؤية وليست مرهونة بالجنس ولأن الرواية أكثر الأنواع وضوحا فى تمثيل هذا المعنى فيمكننى أن أستشهد هنا برواية " خالتى صفية والدير " لبهاء طاهر و" ذات " لصنع الله إبراهيم أما بالنسبة للشعر فيمكن القول إن هناك ما يشبه الانفجار فى القصيدة النسوية منذ عقد التسعينيات إلى الآن مقارنة بالأجيال السابقة فجيل ريادة القصيدة التفعيلية كله – وأنا هنا أتكلم عن مصر – لم تظهر فيه شاعرة كبيرة وفى جيل الستينيات يمكن أن نذكر ملك عبد العزيز ووفاء وجدى وفى السبعينيات الشاعرة ميسون صقر ومع الثمانينيات تزايد عدد الشاعرات بصورة ملحوظة ويمكننا أن نذكر فاطمة قنديل وإيمان مرسال ةهدى حسين ووفاء المصرى ونجاة على وفردوس عبد الرحمن إلى أن تحدث الانفراجة الكبيرة فى التسعينيات وما بعدها ومن هذه الأسماء :
سارة عابدين وزهرة يسرى ورنا التونسى وعزة حسين وهدى عمران وديمة محمود وزيزى شوشة .والحقيقة أننا أمام ثلاث وجهات نظر حول ما يسمى بالكتابة النسوية تتبنى الأولى وجود سمات فارقة لهذه الكتابة تميزها عن كتابة الرجل كما يبدو فى كتاب " صوت الأنثى – دراسات فى الكتابة النسوية العربية " للأستاذة نازك الأعرجى وتعرفه بأنه " الأدب الذى تكتبه المرأة على خلفية وعى متقدم " لكنها تذهب إلى نتيجة خطيرة حين ترى أن " الأدب الذى تكتبه المرأة يختلف جوهريا عن عن الأدب الذى يكتبه الرجل من حيث عناصر الصراع التى يتوفر عليها ...ومن حيث الإشكالية الوجودية التى ينبثق عنها " ويبدو الأمر – من خلال هذه التوصيف – كما لو كان كل ما يكتبه الرجل ممثلا لأنماط الوعى المجتمعى السائد وأن كل ما تكتبه المرأة متمرد على هذه الأنماط وممثل لأنماط مغايرة ساعية إلى تحرير المرأة الأمر الثانى هو أنها تربط الكتابة النسوية بالدوران حول " شرط المرأة فى مجتمعها " ورغم مشروعية هذا الهم فليس من المقبول أن يظل أفق الكتابة النسوية الوحيد أو الأساسى .
وتنويعا لهذه الآراء ترى رشيدة بن سعيد أن الكتابة النسوية " تتميز بحضور مرتفع نسبيا لدور المرسل وهذا يعنى أن الوظيفة التعبيرية حاضرة كشكل ذى دلالة أكبر " وفى تصورى أن هذه خاصية جمالية شاعت فى كتابة الرجل والمرأة فى المرحلة الرومانسية تحديدا .أما وجهة النظر الثانية الرافضة لهذا المصطلح فيمكن أن نجدها عند د.منى أبوسنة فهى ترى أن " الأدب النسائى إبداع يقف عند حدود القسمة الثنائية فهو إذن ليس إبداعا صادقا – تقصد فى حالة وقوفه عند حدود هذه القسمة – ولكى نتجاوز هذه الإشكالية علينا مجاوزة مقولة الأدب النسائى لأن هذا اللون من الأدب يستدعى مقولة الأدب الرجالى " وتبقى وجهة النظر الثالثة التى تبدو فى كتاب " فى أدب المرأة " للدكتور سيد محمد قطب وآخرين حين يقول " إن القول بوجود شخصية نسائية تماما فى الإبداع أيا كانت أنواع هذا الإبداع هو وهم بدرجة جيد على الأقل والقول بأن التشابه قائم بين المرأة والرجل فى الإبداع لايقل عنه وهما فدائما هناك من الثوابت والمتغيرات أو التشابه والاختلاف " وهذا الرأى يرى وجود ملامح خصوصية فى الكتابة النسوية لكنها لاتصل إلى حد التمايز الجوهرى كما ذهبت نازك الأعرجى وفى السياق ذاته ترى شيرين أبو النجا فى كتابها " نسائى أم نسوى " أن النص النسوى هو " النص الذى يأخذ المرأة كفاعل فى اعتباره وهو النص القادر على تحويل الرؤية المعرفية الأنطولوجية للمرأة إلى علاقات نصية وهو النص المهموم بالأنثوى المسكوت عنه الأنثوى الذى يشكل وجوده خلخلة الثقافة المهيمنة وأخيرا هو الأنثوى الذى يشكل الهامش " ومع ذلك تذهب إلى نتيجة لاتترتب على ماسبق بل تتناقض معه حين تقول بشكل جازم إنه " ليس هناك ما يسمى بسمات الكتابة النسوية " صحيح أن الإبداع فعل فردى فى الأساس لكن هذا لايمنع البحث عن متشابهات خاصة بعد أن تحولت المرأة من غرض شعرى أو من موضوع لغوى إلى ذات فاعلة بتعبيرات عبد الله الغذامى فى " المرأة واللغة " وسوف أحاول فى النهاية وضع عدد من التصورات المبدئية القابلة للاختبار والتى قد تكون مميزة للسعر النسوى ومنها :
-الإحساس بهيمنة السلطة ليس فى مستواها السياسى بل فى مستواها المجتمعى الخاضع للأعراف والتقاليد المقيدة لحرية المرأة والتى قد تتجلى – طبقا لألفين توفلر فى " تحول السلطة " – فى مؤسسات كثيرة : المسجد – الكنيسة – المدرسة وحتى السوبر ماركت .
- استحضار تيمة البيت / العائلة سواء على مستوى الوصف المكانى أو مستوى الأفراد ليس على سبيل التمرد بالضرورة بل أحيانا كثيرة يتم الاستحضار بصورة إيجابية
- استحضار الرجل سواء كان زوجا أو حبيبا أو صديقا وهو الوجه الآخر لاستحضار الأنثى فى شعرية الرجل .
- استحضار تيمة الجسد إبداعيا وهو يعد فعل مقاومة ضد تسليع الجسد بابتذال العرى الذى يعد الوجه الآخر لاحتقاره واعتباره عورة .لقد أعادت الشعرية النسوية الحديثة الاعتبار للجسد ومنحته مكانته الطبيعية ضد الثقافة الحداثاوية والماضوية على السواء
- استبطان الذات وتأملها وسبر أغوارها وكشف المكبوت والمسكوت عنه وقد تجلى ذلك أسلوبيا فى تكرار تقنية المنولوج والتداعى الحر
- حضور الوجدان فى مقابل العقل ، فالسمة الوجدانية – وهى لا تعنى العاطفية بالضرورة – هى الأكثر حضورا فى الشعرية النسوية وقد تمثلت فى الحديث عن الاغتراب والشعور بالوحدة والعزلة والحزن فى مقابل ما يمكن أن نسميه بشعرية العقل أو القصيدة المعرفية
- خصوصية اللغة والتى تعد المدخل الأكثر جدوى فى قراءة الشعرية النسوية وأعتقد أن المعجم اللغوى هو أهم ما يميز هذه الشعرية وما ينبغى التوفر عليه حقا .