القاهرة 20 اغسطس 2019 الساعة 10:19 ص
كتب ـ أحمد مصطفى الغـر
(يوجد طريق أسفل قصر قارون الأثري يصل بين الفيوم جنوبا والإسكندرية شمالا، ومن يدخله لا يخرج منه أبدا)، هذه مجرد حكاية خرافية صاحبت قصر قارون الأثري في محافظة الفيوم، والتي بالرغم من كونها خرافة إلا أنها كانت جزءًا من حكايات أخرى مماثلة قد أحدثت شهرة لهذا المعلم الأثري الهام، يمكننا نفي هذه الرواية الخرافية حول القصر لكن لا يمكن نفي وجود طريق بري يصل بين الإسكندرية والفيوم عبر الصحراء، ويرجح الأثريون أنه كان طريقا للتجارة في عهد الفراعنة، تخرج منه القوافل إلى الواحات البحرية ومحافظات الصعيد والإسكندرية.
يقع القصر بالقرب من بحيرة قارون التي تعد منتجعا سياحيا عالميا، ووسط مدينة زاخرة بالأماكن الأثرية، والقصر هو معبد بني في العصر اليوناني، ولا علاقة له بقارون الذي جاء ذكره في القرآن الكريم، فقصر قارون الحقيقي لا يُعرَف مكانه حتى اليوم، وإن كانت هناك ترجيحات بوجوده في منطقة نينوى بالعراق، أما قصر قارون الموجود بالفيوم فكان يسمى معبد الإله "سوبك" أو "ديونيسيوس" (إله الحب والخمر في العصر الروماني اليوناني)، لكن في العصور الإسلامية أطلق عليه قصر قارون لوجوده بالقرب من بحيرة قارون المجاورة له، والتي تمت تسميتها بهذا الاسم لكثرة القرون والخلجان بها، فأطلق عليها في البداية بحيرة القرون، ثم حُرِفَت إلى بحيرة قارون.
من الحكايات التي دارت حول قصر قارون أنه يتكون من 365 حجرة، بعدد أيام السنة، وكل حجرة بها شرفة تدخل منها الشمس ليوم واحد في السنة، ولا تدخلها مرة أخرى إلا في نفس اليوم من السنة التي تليها، ولكن الحقيقة أن عدد الغرف به لم يصل إلى 100 غرفة صغيرة للغاية، كان يستخدمها كهنة هذا العصر لأشيائهم الخاصة، كما كانت تستخدم لتخزين الغلال. وقد قال المؤرخ الإغريقي "هيرودوت" الذي زار بحيرة قارون بالفيوم في القرن الخامس قبل الميلاد، بعد أن سمع ادعاءات أن قارون هو الملك المصري أمنمحات الثالث، فسأل مرافقيه عن مكان الردم الذى خرج عند حفر بحيرة موريس، وهي بحيرة قارون حاليا، خاصة أن معلومات هيرودوت السابقة تؤكد أن قصر قارون وقصته قد وقعت في المدينة الآشورية نينوى عاصمة آشور، والذي كان يدعى "أبولو" وكان يمتلك أموالًا طائلة محفوظة في كنوز تحت الأرض، لكن من خلال الدراسة تم الكشف أن هيرودوت قد ربط بين القصتين في نينوى وفي الفيوم فيما يخص كيفية وصول اللصوص للكنز عن طريق الحفر تحت الأرض، ولذلك سأل عن الردم المستخرج من حفر البحيرة، وتبين لاحقا من خلال البحث والدراسة أن تلك المعلومات وأن من روجها هم اليهود.
وقد تم بناء قصر قارون من الحجر الجيري، ويبلغ ارتفاعه 13 مترا، وعرضه 19 مترا، وطوله 32 مترا، ويتكون من 3 طوابق، ويحتوي على نقش يمثل الإله سوبك، الذي بني في عصره هذا المعبد، ويوجد في القصر عدة حجرات فيها صور جدارية معظمها تتعلق بعبادة الشمس، وقوالب خاصة بسك العملة، كما يحتوي على حمام روماني وبعض الأدوات المنزلية القديمة وأوانٍ فخارية، كما يحتوي القصر أيضا على جزء من قلعة رومانية صغيرة، بها 9 أبراج ومحاطة بسور له باب حديدي، والقصر يتكون من بهوين كبيرين، يفضيان إلى حجرة تسمى قدس الأقداس، الذي يحوي 3 مقصورات، اثنتان منها لوضع التماثيل والثالثة للمركب المقدس، كما أن قدس الأقداس توجد تحته ممرات تؤدي إلى الطابق العلوي، وقد تم الكشف مؤخرًا أن الشمس تتعامد على قدس الأقداس في كل عام في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر من كل عام، وهذه ظاهرة معمارية فلكية فريدة، تحدث تزامنا مع بداية الانقلاب الشتوي.
المقصورة الرئيسية بالقصر كان بها مومياء التمساح، رمز الإله "سوبك"، إله الفيوم في العصور الفرعونية، والذي لا يجب أن يعرض للشمس حتى لا تتعرض المومياء للأذى، خاصة وأن هذه المومياء من المفترض أن تكون في العالم الآخر وأن الشمس تشرق على عالم الأحياء، ويحقق قصر قارون أعلى ايرادات سياحية من بين 5 مناطق أثرية مفتوحة للزيارة بمحافظة الفيوم، خاصةً إبان ظاهرة تعامد الشمس على قدس الأقداس في 21 ديسمبر من كل عام، حيث تلفت الظاهرة انتباه السياح إلى المكان.