القاهرة 13 اغسطس 2019 الساعة 09:16 ص
حوار : أمل زيادة
• أكره تجميد الأحلام وتزييف الأشخاص
• أبحث عن ما يدهش القارئ
• فراشة الأدب المصري شيرين سامي تكتب لتغوص داخل خبايا النفس البشرية
كاتبة مصرية وطبيبة وأم ومدونة عتيدة، خريجة كلية الصيدلة جامعة القاهرة.
صاحبة مدونة "حدوتة مصرية" ومدونة "ذات مرّة" اختارت القلم كي يكون رفيقاً لروحها لأنها وجدت في الحرف خير أليف لها فكتابتها رقيقة رقة الطيور ونقية نقاء الطبيعة يصفها القراء بفراشة الأدب .. عرفتنا بنفسها قائلة: أنا إنسانة بسيطة تشعر أكثر من اللازم، تكره التعقيد والادعاء والمبالغة، تحب التمشية والكتابة والأغاني. وتبحث عن كل ما يلهمها. صدر لها العديد من المؤلفات التي لاقت صدى واسع في الوسط الأدبي ،تعتبر روايتها محطات هامة في حياتها أثرت وتأثرت بها حول آخر روايتها " من ذاق عرف " كان لنا مع الكاتبة والأديبة شيرين سامي هذا الحوار .
• حدثينا بإيجاز عن رواية من ذاق عرف ؟
ببساطة شديدة هي عبارة عن رحلة زوجة وأم للبحث عن والدها فتجد نفسها أسيرة عدة ألغاز مثيرة تنتقل على أثرها من مصر إلى دبي وصولاً لسويسرا . رحلة مثيرة مفعمة بالأمل وقودها الشغف هي رواية تجد نفسك فيها قد تنتهي سطورها لكنك لن تنتهي منها للأبد كما قال لي أحد القراء .
• هل كان الحُب وهما كما وضحت في الرواية ؟
لم يكن الحُب أبدًا وهمًا، الوهم هو الشعور الزائف بالحُب لاحتياج ما. لكن الحُب شعور حقيقي لا يغيره إلّا القسوة ولا ينضب إلا بالإهمال. والرواية أوضحت أن من ذاق الحُب عرفه، وعرف أنه حقيقة نختار أن نعترف بها أو نتجاهلها ونتظاهر بأنها مجرد وهم.
• هل كللت رحلة ليلى بالنجاح ؟
رحلة ليلى في ظاهرها رحلة للبحث عن أبيها، لكن في باطنها رحلة للبحث عن ذاتها وهي تيمة معروفة وقد طرحتها بطريقة عصرية مغايرة. عند كتاباتي لها تغيّرت وتطورت واستطعت أن أجد ما ساعدني في طريقي. أعتقد أن هذا هو نجاح الرحلة بالنسبة لي. بالإضافة إلى ردود الأفعال الجميلة وتأثر الكثير ممن قرأوا الرواية برحلة ليلى.
• من تعتبريه بطل روايتك بعد الأب ؟
بطل روايتي هي فكرة القدرة على التغيير، التغيير الذي يساعد الإنسان على اتخاذ القرار وتتبع الشغف والوصول إلا ذاته. أتت البطلة "الفكرة" من منظور ليلى وكل شخص قابلته في رحلتها وقدرته ثم قدرتها بالتبعية على التغيّر. أنا أحب شخصيات رواياتي وأكتبهم ليكون كل منهم بطل بذاته.
• إذا طلب منكِ أن تصفي ليلى بكلمات مبهمة فبما تصفيها ؟
إجابة هذا السؤال تنقسم لشقين شق ورد على لسان البطلة حسب وصف ليلى لنفسها
في الرواية بعدة أوصاف، فتارة هي دجاجة تنبش في الأرض، تبحث عن الدود، تطعم الصغار، تسوي ريشها، تتحمل مسئولية كل شيء، لا هي طير حر بلا مسئوليات، ولا هي عصفور زينة مدلل بلا حرية، الدجاجات لا تتخذ القرارات، ترقد في هدوء، أو تنقنق بلا هدف، "من المؤسف أن القرار الوحيد الذي اتخذته في حياتي، هو أن أكون دجاجة".
وتارة هي حمامة، أحيانًا هي تشبه الماء "شعرت أنني أشبه الماء، ليس في فائدته لكن في تماهيه مع الأشياء، يتغير لونه وطعمه مع أي إضافة بسيطة، ينقلب ببساطة من حلو لمُّر، من نظيف لقذر، من شفاف رقراق للون قاتم. لا شيء يميزه، لا يترك أثره على شيء، هو مجرد منساق ذليل لكل ما يفرضه عليه الآخرون"
وأحيانًا بيت من خشب "أستطيع أن أمنحك الظل، والدفء، أستطيع أن أمنحك رائحة المطر وهمس الرياح وقطعة من الغاب، أستطيع أن أكون لوحاتك عند الترف، ووقودك عند الشظف، معي لن تعرف الصدأ ولا التصدع، ولا الوحدة، ولا الفقر. بي عيب وحيد يجعل الجميع يفضلون عني البيوت الأسمنتية، الحرارة.. تزيد فتجعلني أنكمش حبا، خوفا، واحتياجا، وتقل فتجعلني أتمدد صخبا، غضبا وكرها. إذا أحببتني أحب خواصي ولا تحاول أن تجعلني أسمنت"
أما الشق الثاني الخاص بي فهو مختلف تماماً .أنا فأرى ليلى امرأة حائرة، تعيش حياتها مُرهقة ومُرهِقة، تتلمس الوصول لذاتها دون أن تقصد، تتعثر وتجازف وتخسر حتى تصل.
• كم من ليلى تعتقدي تعيش بيننا ؟
أعتقد كثيرون وكثيرات مثل ليلى، جمّدوا أحلامهم وطمسوا اختلافهم. عطلتهم الحياة وحالت بينهم وبين أن يكونوا أشخاص حقيقيون وليسوا النسخة المزيفة عن أنفسهم.
• ما هي أصعب رحلات الإنسان التي يخوضها ؟ هل البحث عن الذات أم البحث عن المجهول ؟
دون التعرف على الذات يعيش الإنسان في المجهول، ومهما سلك الطرق للبحث عن المجهول لن يجده تمامًا، حتى إن وجده بصورة مادية. لذلك أعتقد أن أصعب رحلة يجب أن يخوضها الإنسان هي رحلة البحث عن ذاته. وهي رحلة غير مرتبطة بعمر ما، أو بحالة اجتماعية أو ذهنية ما، لكنها مرتبطة بحالة الإنسان النفسية ومراقبته لنوازع الحزن والسعادة والتحقق.
• أيهما اشد وطأة على النفس العلم ببواطن الأمور أم يفضل أن نظل نجهلها؟
الأشد وطأة هو رحلة البحث عن المجهول لأن بعض المعرفة عذاب ولأن جهل الإنسان بذاته قد يؤدي به إلى المفاهيم الخاطئة والأوهام التي يصبح سجينًا لها. لكن إذا تطرق الأمر للبحث عن الذات فتصبح المعرفة هي خطوات إضافية لتلمس الطريق الصحيح.
• أجمع القراء على حبهم للجزء الخاص بالرسائل الذي تضمنته الرواية لماذا برأيك أثار اهتمامهم رغم كل هذا الكم من التكنولوجيا المحيط بنا والذي قصر هذه المسافات وسهلها ؟
أعتقد أن السبب لا يعود لكونها رسائل ورقية وكل هذه الرومانسية التي تحيط فكرة الرسائل المكتوبة بخط اليد. فالرسائل الإلكترونية أيضًا جميلة وتسعدنا عندما تكتب من القلب. لكن في رأيي السبب الأساسي هو أن هذه الرسائل صادقة والصدق في الكتابة هو ما يلمس الروح ويشد القلب من ذراعه. غير أنني لم أعمد إلى الرومانسية بشكلها التقليدي، لكن بشكلها المُعقّد، المُربك، المُعبّر برهافة عن الحقيقة مهما كانت قسوتها.
• تحاولين التعبير عن مشاعر المرأة ومراحل النضج التي تصيبها على مر الأيام ؟ هل المرأة كائن معقد لهذا الحد ؟
المرأة كائن بسيط يشعر بمشاعر معقدة ومتناقضة وحساسة إلى حد كبير. في محاولتي للتعبير عن المرأة لم أقصد تمرير فكرة أو رسالة، كنت مستسلمة تماما لتدفق الكتابة والاستعانة بالبحث في صناديق ذكرياتي وحوارات الأهل والأصدقاء وحتى الأغراب. كل ما يمس المرأة يتسرب داخلي على نحو ما وتستفزه الكتابة للفوران والظهور على السطح. أنا مشغولة بكل ما تشعر به المرأة وكل ما تريد أن تعبر عنه من الطفولة للكِبر.
• من خلال أعمالك هل أنت من أنصار التمرد على القيود والظروف والنصيب أم مع أن تواصل المرأة البحث عن ذاتها والتغير؟
التمرد للتمرد أمر مضحك ربما أكثر من الاستسلام للنصيب الذي قد أفهمه. قبل أن تصف المرأة نفسها بالمتمردة "وهو ما يحدث مرارا ًعلى" وسائل التواصل الاجتماعي"، يجب أن تسأل نفسها أولًا: ماذا خسرت بتمردي؟ ماذا أضعت؟ ماذا تغير في حياتي بسبب تمردي؟ ماذا قدمت وعلى ماذا أقدمت؟ ما الثمن الذي دفعته؟ كم من الأصدقاء خاف مني وابتعد وكم أصابته العدوى؟ التمرد ليس في التصرفات الظاهرية الملفتة مثل الثياب أو قصة الشعر، وليس في سلوك وعادات ما مثل التدخين أو السُباب، وليس في هجر الأسرة أو الانفصال عنها. لكن في الحقيقة التمرد شيء لا يستطيع الإنسان أن يصف نفسه به، لكن من حوله يستطيعون رصده جيدًا. إنه شيء لا يدعو للتباهي. شعور صعب، تمزق وشد وجذب ومقاومة، انتصار مدفوع الثمن أو خسارة مرهونة بسعادة آخرين. أنا من أنصار أن يواصل الإنسان البحث عن ذاته حتى عندما تأتِ لحظة التمرد والتغيير يكون بكل وعيه واستعداده النفسي.
• هل كل امرأة تملك القدرة على التغير ومواجهة الجميع أم أن هناك تنازلات تجعلنا نتراجع ؟
لكل شيء ثمن ولكل إنسان مقدرة. لا يوجد كتالوج للتغيير بأسعار التنازلات. الأمر كله محض تجربه يخضع لها الإنسان ويواجه ويتخذ القرارات ويدفع الثمن وحده. سواء أقدم أم تراجع.
• هل تفضلين النهايات المفتوحة أم النهايات المعروفة ولماذا ؟
على حسب. عندما تكون القصة تجربة إنسانية أفضّل النهايات المفتوحة حتى يتسنى للقارئ أن يستخدم خياله ويشارك في وضع نهاية متفقة مع مشاعره وتفضيلاته. لكن عندما تدور القصة حول سؤال ما، أفضل أن تكون النهاية هي الإجابة. أو على الأقل تساعده على الإجابة. بعض الروايات تنتهي أكثر من نهاية، الخط البوليسي نهايته قاطعة، الخط العاطفي نهايته سعيدة، الخط الدرامي نهايته مفتوحة.
• كيف ترين الوضع الثقافي هذه الأيام ؟
لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال لأني لا أعتبر نفسي ضمن المجتمع الثقافي وفي نسيجه. أنا فقط على الهامش، أقرأ وأكتب وأتفاعل مع من يبدي رأيه في أي من أعمالي. بالطبع أرصد بعض المشاهد العبثية لكن لم أعد أهتم بالتعليق عليها.
• ما هي العقبات التي قد تواجه أي كاتب ؟
العقبات كثيرة لكن أكبرهم من وجهة نظري هي عقبة الإدهاش. كيف تكون كاتبًا مدهشًا ضمن آلاف الكتّاب؟ كيف تكون مختلفًا عندما تستخدم نفس التيمات والأفكار التي طرحت مئات المرات؟ كيف تصنع لنفسك مكانًا مميزًا بين العديد من الكتّاب في هذا الجيل؟
عقبة أخرى كبيرة يجب على الكاتب أن يتخطاها وهي عقبة التشتت، التشتت الفعلي بين العمل والكتابة، ذلك أن الكتابة لا تصلح أبدًا كمصدر للدخل، وهذا تشتت لا مفر منه. والتشتت الذهني في ظل وسائل التواصل الاجتماعي، التي تصعّب على الكاتب أن يركز تماما في ما يكتب ويستجمع أفكاره ويستجيب لتدفقها. وهذه العقبة تحتاج إلى مقدرة هائلة على تنظيم الوقت.
• ما هي النصيحة التي تحبي أن توجهينها لكتاب هذا الجيل ؟
نصيحة من إنسانة تكره النصح، لكن يغضبني حقًا أن أجد الكاتب يسفه من أعماله بالترويج لها بشكل عبثي ومبالغ فيه. أرجوك أيها الكاتب الشاب تفاعل الفيس بوك ليس مقياسًا للنجاح، عدد حضور حفلات التوقيع ليس مقياسًا لأنك كتبت عملًا جيدًا. كل محاولاتك لإقناع الناس واستعطافهم للقراءة لك أو شراء كتبك لا تزيد المهتمين منهم إلا نفورًا. روج لنفسك بشكل غير مقصود عن طريق قصة، نص، رأي القراء في كتاباتك. لا تشغل نفسك بمن اشترى ومن قرأ. اشغل نفسك دائما بالأفكار الملهمة وكيف تطور من أساليبك وكيف تستمتع بما تكتب. أرجوك لا تسمع لنصيحة سلبية في كتاباتك. اكتب.. اكتب.. اكتب.
• ما هو جديدك؟
انتهيت من تحضير كتاب بتصنيف مختلف، أعتبره مفاجأة. أكتب الآن للأطفال والناشئة وهو ما كان بعيدًا تماما عن خيالي. لكنها تجربة فريدة وصعبة، سعيدة بالخوض فيها وفي انتظار أن تدهشني نفسي وتقودني للمزيد.