القاهرة 06 اغسطس 2019 الساعة 11:54 ص
كتب : أحمد مصطفى الغـر
كثيرة هى الكتب التي تم تأليفها عن رحلات الحج، فرحلة الحج والعمرة هى رحلة العمر للمسلمين مُنذ أن أذّن سيدنا إبراهيم (عليه السلام) في الناس بالحج، وقد كتب الكثير من أعلام الكتاب والمؤلفين عن شعيرة الحج، وما يتعلق بها من ظواهر دينية واجتماعية، سواء تلك المتعلقة بالحجاج أو الخاصة بالمشاعر أو المتعلقة بأهالي مكة وسكانها، إضافة إلى تلك الكتابات الأدبية، توجد دراسات ميدانية وتاريخية وآثارية، جميعها تخصص في تدوين رحلات الحج، حيث دوّن الأدباء ما يتعلق بمسيرهم من بلادهم وحتى وصولهم مكة، فقد ظهر التأليف عن رحلة الحج مبكرا منذ القرن الهجري الثاني، لكن هذه الكتابات قد شاعت بعد القرن السادس الهجري.
يمثل أدب رحـلات الحج وثائق روحية وتاريخية في غاية الأهمية، لما اشتملت عليه من وصف دقيق للمسجد الحرام والمسافات بينه وباقي المشاعر المكرمة والمقدسة، ومن أوائل من كتبوا في أدب رحلات الحج؛ نذكر "أبو الفرج بن الجوزي" صاحب كتاب "مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن"، أما "ابن جبير" فإن رحلته هى المرجع لكل الرحالة بعده، حيث تعتبر رحلته هى طليعة أدب جغرافي متميز بالمعنى الفني لكلمة أدب.
أدب رحلات الحج سفرٌ غني، يحكي عن مكة المكرمة والمدينة المنورة والطريق إليهما ومنهما، أسست له رحلات الحج المتتابعة منذ قديم العصور وفي فترات تاريخية متعددة. ومن كتب الرحلات الحجازية أيضا نجد "التحفة الإيقاظية في الرحلة الحجازية" للمثقف العراقي "سليمان فيضي"، وكتاب في منزل الوحي لـ "محمد حسين هيكل" الذي يعتبر رحلة روحية فيها يتم إعادة اكتشاف الذات للمؤلف، أما الكاتب التونسي الكبير "محمد السنوسي" فقد ألّف كتابه الكبير من 3 أجزاء والذي يصف فيه رحلته متبعاً الآية القرآنية (قل سيروا في الأرض)، ونجد أيضا رحلة عبدالرحمن الكواكبي، المعروفة بـ"أم القرى"، وكتاب "الرحلة الحجازية النجدية" للعلامة العراقي "محمد بهجة البيطار"، و"رحلة الحجاز" للمازني، ورحلة بنت الشاطئ المعروفة باسم "أرض المعجزات"، ورحلة الكاتب أحمد بهجت التي سماها "الوقوع في هو الكعبة"، ورحلة يوسف إدريس التي سجلها في كتابه "إسلام بلا ضفاف"، و"الطريق إلى مكة" للمفكر الألماني "مراد هوفمان".
الأديب "جمال الغيطاني" أسمى كتابه عن رحلته إلى الحرم "حمام الحمي"، ولم يسر فيه على نهج الرحلات الأخرى، بل اعتمد أسلوب النجوى، يبحث فيها عن أثر النبي وصحبه الكرام، أما د. طه حسين فعندما زار الحجاز كان بادي التأثر وقال إن "لكل مسلم وطنان، لا يستطيع أحد أن يشك في ذلك، وطنه الذي نشأ فيه، وهذا الوطن المقدس الذي أنشأ أمته وكون قلبه وعقله وذوقه وعواطفه جميعا، لقد كنت أعيش بفكري وعقلي في هذه البلاد المقدسة عشرين عاماً منذ بدأت أكتب على هامش السيرة حتي الآن وهنا أحس أنني أعيش بفكري وعقلي وجسدي جميعاً".
أما أمير الشعراء "أحمد شوقي" فقد أنشأ قصيدة رائعة عن أشواقه للحرمين دونما زيارة لهما، إذ إنه لم يحج، ومما جاء في قصيدته:
إلى عرفات الله يا خير زائر
عليك سلام الله في عرفات
ويوم تولي وجهة البيت زائرا
وسيم مجالي البشر والقسمات
على كل أفق بالحجاز ملائك
تزف تحايا الله والبركات
إذا زرت بعد البيت قبر محمد
وقبلت مثلي الأعظم العطرات
وفاضت من الدمع العيون مهابة
لأحمد بين الستر والحجرات
وأشرق نور تحت كل ثنية
وضاع أريج تحت كل حصاة
فقل لرسول الله يا خير مرسل
أبثك ما تدري من الحسرات
إن أدب الرحلات مدين للحج بالكثير، فالكثير من الرحالة بدأوا رحلاتهم بقصد الحج، كما هو معروف عن رحلة ابن بطوطة وابن جبير وغيرهما من الرحالة المشهورين، كما أن كتب الرحالة تعد من أهم المصادر التاريخية حيث أبدعوا في تدوين رحلاتهم وتسجيل انطباعاتهم، والتي هى في مجملها سجلا للكثير من المشاهدات التي رصدوها عن مكة المكرمة والمدينة المنورة وطرق الوصول إليهما، وقد رصد المفكر "أحمد محمد محمود" كثيرًا مما كتبه أولئك الرحالة في كتاب أصدره بعنوان "جمهرة الرحلات"، قُسمه إلى 8 أجزاء، وخصّص الجزء الثالث منه لرحلات مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ومع كثرة ما تم كتابته عن رحلة الحج المقدسة إلى مكة المكرمة، فقد قام الباحث "عاتق بن غيث البلادي" بعملٍ ضخم ضم فيه تراجم مؤرخي مكة وجغرافيتها على مر العصور، حيث بلغ عددهم أكثر من 180 عَلَماً كتبوا عن مكة المكرمة نشره في مجلدين وسماه 'نشر الرياحين في تاريخ البلد الأمين'، ونختم بما كتبه العالم الهندي "مولانا رفيع الدين المراد أبادي"، حين كتب: "وتجلى لي جمال الكعبة، ألقيت عليها نظرة واحدة فإذا بمتاعب السفر قد زالت، وإذا بمصائبه قد تلاشت، ولم أعد أشعر بما أعاني من مشقة نتيجة المشي تحت وهج الشمس المحرقة، وعلى الرمال الملتهبة، مسافة تزيد على اثني عشر كيلًا، إن نظرة واحدة لجمال الكعبة أزالت عني جميع متاعبي السابقة، وسوف تزول عني أية متاعب لاحقة إلى أن يتوفاني الله رب العالمين".