القاهرة 01 اغسطس 2019 الساعة 01:54 ص
كتب : محمد الجنوبي
تخيل أن جامع السلطان حسن مدهون بدرجات لونية فاتحة وناعمة نظيفة جدا، درجات الأخضر والأحمر والبنفسجي وغيرها، لدرجة تحس أنك لو لمست اللون سوف يتسخ، دائما هناك تحذير في معارض منى مرزوق يقول: برجاء ممنوع اللمس تمامًا.
• فنيات الاختزال والتفكيك:
منى مرزوق تفك جامع السلطان حسن الصرح نفسه كوحدة وتفاصيله من حليات وزخرفة وتعيد صياغة كل جزء لوحده ، فالبداية كانت مع صروح خليط من عمارة مختلطة يونانية واسلامية وتعيد فكها وتركيبها بأحجام مختلفة، وتلونها بألوان فاتحة جدًا ونظيفة ونقية.
تمسح عن كل الجدران زخرفتها وتعطى نفسها مساحة لتقليص كل الزوائد وتختزل وتبسط وتضع نفسها في حلول خاصة بها تأتى من فنانة اختارت النحت وتأخذ نحتها من أشكال معمارية قديمة وتعيد صياغتها، لتلعب لعبتها وتحاول في حوار وصياغة واندماج أشكال صرحية خاصة بها ومغلقة تمامًا كأنها كتل من الثقافة المعمارية التي تعرفها، تعطى لكل قطعة من أعمالها النحتية الصرحية ألوانها المختزلة في مجموعة ألوان بدرجات لونية فاتحة وممرات، وكتل بألوان فاتحة ومبهجة أيضًا مجموعة لونية مبهجة ولم تعتمد على ألوان قاتمة إلا في قطعة واحدة تقريبًا ولكن نحت منى اعتقد أنه يوضع في أماكن مفتوحة تليق به، وأحيانا تدمج شكلين للعمارة في قطعة واحدة باختزال كل الزخرفة.
منى مرزوق تنحت أشكال وكتل، وتلغي تفاصيل كثيرة، وتختزل كل الزائد وتعيد صياغة كتلها بعد اعادة تفكيك وتركيب، كأنها تعيد صياغة صروح ذكورية موجودة في تراثها، تحاول أن تخفف ذكوريتها وخشونتها باختزالها وبتلوينها بألوان مبهجة وقوية كأنها تؤنثها، كأن هذه العمارة الضخمة ضد الأنوثة.
إن نحتها وكتلها التي تجعلها كأن بها خفة ما تحس كأن جامع السلطان حسن خفيف، تحس كأنه غير موجود لو تخيلت أنه ملون كما تريد منى مرزوق كأنه سوف يطير عن الأرض.
• تحويل الزخرفة إلى تيمة أنثوية:
أخذت التفاصيل ورسمتها في لوحات كبيرة، أخذت الزخرفة والحليات والتفاصيل التي كانت ألغتها في أعمالها السابقة وحولتها إلى أشكال زخرفية مليئة بإشارات أنثوية لينة، ومتداخلة، واضحة جدًا، لدرجة أن وحدات معروفة وأقواس نعرفها تحولت الى نهود وأفخاذ وأشكال أخرى أنثوية ناعمة وملونة بنفس الألوان الفاتحة والناعمة والممنوع لمسها أيضًا من درجة رقتها وأي لمسة تترك عليها أثر سيء، كأنها تؤنث هذه الزخرفة أو تحول هذه الزخارف كأنوثة مقاومة ضد ذكورية المبنى، كأنها تحاول أن تخفف من ثقل هذه الثقافة الذكورية الثقيلة، لكن منى تبحث أبعد من حالة Minimalism في إعطاء أشكالها قوة وحضور نعرفه ولا يذهب إلى مناطق جمالية توقف هذا النوع وتحوله الى أشكال تصميمية مدرسية، تعرف منى قدرتها على الاختزال وتقدم أعمالها بعيدًا عن ملئها بحشد من تفاصيل ثقيلة لا تضيف، أو تؤثر، فهي تقدم نموذجًا مختلفًا عن الموجود، في أجيال كثيرة قبلها شغلتهم التفاصيل لدرجة أصبحت هي قانونهم الذي أفسد أعمالًا لأجيال كثيرة قبلها، بحكم الثقافة وبحكم تاريخ الحركة الفنية المصرية.
تخلصت منى مرزوق تمامًا من هذه التفاصيل وقدمت في أعمالها الأخيرة على المسطح مساحات واسعة من الأشكال التي يصعب أن تُملأ بأي تفاصيل، لأنها هي تفاصيل تم اختصارها إلى أقصى حد، تختصر الوحدات الزخرفية إلى أقصى حد حتى أن بوحدة صغيرة تثير أسئلة وإمكانيات كثيرة لما نراه و نستعمله بشكله الخام.