القاهرة 23 يوليو 2019 الساعة 11:33 ص
بقلم: شيرلي چاكسن ‘Shirley Jackson’
ترجمة: صلاح صبري
العنوان الأصلي للقصة: The Lottery (1948)
صبيحة السابع والعشرين من يونيو، كانت السماء صافية، والشمس، في ذلك اليوم الصيفي الرائع، ترسل أشعتها الدافئة لتغمر المروج الخضراء المزدانة بالورود الزاهية الألوان. في حوالي الساعة العاشرة، بدأ أهل القرية يتوافدون إلى الساحة، ما بين مكتب البريد والبنك. في بعض القرى المزدحمة بالسكان قد تستغرق عملية السحب يومين كاملين، فيتحتم أن تبدأ في السادس والعشرين من يونيو/ حزيران. ولكن في هذه القرية التي لا يتجاوز عدد سكانها الثلاثمائة نسمة، لم تكن العملية كلها تستغرق أكثر من ساعتين، لهذا كان السحب يبدأ في العاشرة صباحًا، ويتبقى- رغم هذا- وقت كافٍ ليعود السكان إلى بيوتهم في الظهيرة لتناول الغداء.
بطبيعة الحال، يُقبل الأطفال أولاً وهم يكادون لا يصدقون أنهم أخيرًا قد نالوا حريتهم؛ فالإجازة الصيفية لم تكن قد بدأت إلا منذ وقت قصير. يتوافدون في البداية هادئين، ثم لا يلبثون أن ينفجروا في اللعب صاخبين، ومواصلين حديثهم عن قاعات الدرس والمعلمين، وعن الكتب وما تعرضوا له من عقاب وتوبيخ. أخذ بوبي مارتن يحشو جيوبه بالأحجار، وسرعان ما حذا الصبية الآخرون حذوه، حريصين على انتقاء الأحجار الملساء المستديرة. استطاع بوبي وهاري چونز ودِكي دِلاكروا ‘Dickie Delacroix’ في النهاية أن يجمعوا كومة كبيرة من الأحجار عند ناصية الساحة، ثم راحوا يحرسونها من هجمات الصبية الآخرين، بينما انتحت الفتيات جانبًا، متحدثاتٍ فيما بينهن، ومختلساتٍ النظر بين الفينة والأخرى إلى أولئك الأطفال الصغار المتمرغين في التراب أو المتعلقين في أيدي إخوتهم أو أخواتهم الأكبر منهم سنًّا.
بعد قليل، بدأ الرجال في التوافد. وراحوا يتتبعون أطفالهم وهم يتحدثون عن الزراعة والأمطار، والجرارات الزراعية والضرائب. وقفوا معًا، بعيدًا عن كومة الأحجار، وأخذوا يتبادلون النكات بصوت خافت ويبتسمون. ثم أتت النساء في أعقاب الرجال، مرتديات ملابسهن المنزلية وستراتهن الكالحة. تبادلن التحية، وبعض النميمة والشائعات وهن في طريقهن للحاق بأزواجهن. ثم بدأن، وهن واقفات إلى جوار أزواجهن، ينادين أطفالهن الذين لم يستجيبوا إلا بعد أن نادتهم أمهاتهم عدة مرات. أفلت بوبي مارتن من يد أمه وجرى عائدًا إلى كومة الأحجار وهو يضحك. صرخ والده مناديًا، فرجع مسرعًا ليتخذ مكانه بين أبيه وأخيه الأكبر.
السيد سمرز ‘Summers’ هو منظم اليانصيب، وهو أيضًا منظم الفعاليات المصاحبة له مثل الرقصات الجماعية وأنشطة المراهقين والحفلة التنكرية، حيث كان لديه من الوقت والطاقة ما يمكنه من تنظيم هذه الأنشطة. كان رجلاً مرحًا ودودًا، مستدير الوجه، يتاجر في الفحم، وكان الناس يرثون له؛ فقد كانت زوجته عاقرًا وسليطة اللسان. عندما وصل إلى الساحة حاملاً الصندوق الخشبي الأسود، سرت همهمة بين أهالي القرية، ولوَّح لهم قائلاً: "تأخرتُ اليوم قليلاً أيها الإخوة." ثم تبعه السيد جراي?ز ‘Graves’، مدير مكتب البريد، حاملاً كرسيًّا بثلاث أرجل، وضعه في منتصف الساحة ليضع السيد سمرز الصندوق الأسود فوقه. وقف سكان القرية في أماكنهم حريصين على وجود مسافة كافية بينهم وبين الكرسي. عندما صاح السيد سمرز متسائلاً: "ألا يريد أحد مساعدتي؟"، سيطرت على الجمع حالة من التردد قبل أن يتقدم السيد مارتن وابنه الأكبر باكستر ليحافظا على الصندوق مستقرًّا فوق الكرسي، بينما راح السيد سمرز يُقلِّب أوراق اليانصيب التي بداخله.
تجهيزات اليانصيب الأصلية فُقِدت منذ زمن بعيد، وحتى هذا الصندوق الأسود المستقر على الكرسي بدأ استخدامه قبل ميلاد وارنر العجوز، أكبر رجال القرية على الإطلاق. تحدث السيد سمرز مع سكان القرية مرات عديدة عن أهمية عمل صندوق جديد، غير أنهم جميعًا كانوا راغبين في التمسك بالتقاليد التي يمثلها ذلك الصندوق الأسود. ثمة حكاية تقول بأن هذا الصندوق مصنوع من بقايا الصندوق السابق له، وهو الصندوق الذي صنعه المستوطنون الأوائل الذين شيدوا هذه القرية. كل عام عقب انتهاء السحب، يثير السيد سمرز موضوع عمل صندوق جديد، ولكن الأهالي ظلوا يتجاهلون الأمر تمامًا.
يزداد الصندوق سوءًا كل عام: الآن لم يعد أسود تمامًا، وإنما هو متشقق من أحد جوانبه بشكل يظهر الخشب بلونه الأصلي، بينما كلح لونه ولطخته الأوساخ في مناطق أخرى.
ظل السيد مارتن وابنه باكستر ممسكين بالصندوق ثابتًا في مكانه حتى انتهى السيد سمرز من تقليب الأوراق. ولأن الناس قد نسوا معظم طقوس اليانصيب أو تجاهلوها، فقد استطاع السيد سمرز استخدام قصاصات الورق بدلاً من الرقائق الخشبية التي ظلت تُستَخدم لأجيال عديدة. قال السيد سمرز إن الرقائق الخشبية كانت مناسبة تمامًا عندما كانت القرية صغيرة، ولكن اليوم، بعد أن ارتفع عدد السكان إلى ما يزيد عن ثلثمائة نسمة، فمن الضروري أن نستخدم شيئًا يناسب حجم الصندوق الأسود. عشية اليوم السابق للسحب، يجهز السيد سمرز والسيد جراي?ز قصاصات الورق ويضعانها في الصندوق، الذي يتم غلقه جيدًا ليحتفظوا به بعد ذلك في مكان أمين بشركة الفحم حتى يأخذه السيد سمرز إلى الساحة في الصباح. أما بقية العام، فقد كانوا يحتفظون بالصندوق في مكان أو آخر؛ مكث عامًا في إسطبل السيد جراي?ز وعامًا آخر على الأرض في مكتب البريد. وأحيانًا أخرى، يوضع فوق رفٍّ في محل بقالة مارتن ويُترك هناك.
من المعتاد أن يحدث لغط كثير قبل أن يعلن السيد سمرز عن بدء المسابقة. هناك القوائم التي يجب إعدادها، قوائم برؤوس العائلات، وقوائم بأرباب الأسر في كل عائلة، وقوائم بأفراد كل أسرة في كل عائلة. وكذلك يتحتم على السيد سمرز أن يؤدي اليمين أمام مدير مكتب البريد كمسؤول رسمي عن اليانصيب. ذات مرة، تذكر بعض الناس أن مسؤول اليانصيب من المفترض أن يتلو أنشودة ما، ترنيمة ما كانت تُغنى بشكل روتيني كل عام. بعضهم يعتقد أن مسؤول اليانصيب كان يظل في مكانه وهو يتلو هذه الترنيمة، ويعتقد آخرون أنه كان يتنقل بين الناس، ولكن هذا الجزء من الطقوس قد تم هجره منذ سنوات بعيدة. كانت هناك أيضًا تحية معينة يجب على المسؤول أن يلقيها على كل شخص يتقدم ليسحب قصاصة من الصندوق، ولكنها أيضًا تغيرت مع الوقت، ولم يعد من الضروري الآن إلا أن يتحدث المسؤول مع كل شخص يتقدم نحو الصندوق. السيد سمرز يؤدي كل ذلك بإتقان، بقميصه الأبيض الناصع، وبنطاله الأزرق من الچينز. واضعًا إحدى يديه على الصندوق دونما اهتمام، يبدو شخصًا لائقًا ومهمًّا وهو يتحدث طويلاً مع السيد جراي?ز وأفراد أسرة مارتن.
حالما انتهى السيد سمرز من حديثه والتفت إلى الجمهور، أقبلت السيدة هَتْشِنْسِن ‘Hutchinson’ مسرعة، وسترتها ملقاة على كتفيها، واتخذت مكانها في هدوء في مؤخرة الجمهور. خاطبت السيدة دلاكروا الواقفة إلى جوارها قائلة: "نسيت تمامًا أي يوم هذا.." فضحكتا معًا بصوت خافت، واستطردت السيدة هتشنسن: "ظننت أن الرجل العجوز خرج ثانية ليرص الخشب.. ثم نظرتُ من النافذة فلم أجد للأطفال أثرًا.. فتذكرتُ عندئذ أن اليوم هو السابع والعشرون فأتيت مهرولة." جففت يديها في مئزرها، وردت السيدة دلاكروا قائلة: "ومع ذلك.. جئتِ في الوقت المناسب.. فهم ما زالوا يثرثرون هناك."
اشرأبت السيدة هتشنسن فوجدت زوجها وأطفالها واقفين قريبًا من المقدمة. ربتت على ذراع السيدة دلاكروا مودعة وراحت تشق طريقها بين الجمهور. أفسح الناس لها الطريق مرحبين، بينما رفع شخصان أو ثلاثة أصواتهم قائلين: "ها هي السيدة زوجتك قد وصلت أخيرًا يا بِل." وصلت السيدة هتشنسن عند زوجها، وهلل السيد سمرز، الذي كان ينتظرها، قائلاً: "ظننتُ أننا سنبدأ من غيرك يا تِسي‘Tessie’." ابتسمت السيدة هتشنسن قائلة: "هل كان يرضيك أن أترك أطباقي متسخة في الحوض يا چو ‘Joe’؟" وسرت ضحكات خفيفة بين الحاضرين بينما أخذوا يعودون إلى أماكنهم بعد وصول السيدة هتشنسن إلى زوجها.
قال السيد سمرز بجدية: "حسنًا.. أظن أن من الأفضل أن نبدأ الآن حتى ننتهي من هذا الأمر لكي نستطيع العودة إلى أعمالنا.. هل هناك أحد ليس حاضرًا؟"
صاح عدة أشخاص قائلين: "دَنْبَر ‘Dunbar’."
راجع السيد سمرز قائمته قائلاً: "كلايد دنبر.. هذا صحيح.. ساقه مكسورة.. أليس كذلك؟ من يسحب له؟"
قالت امرأة: "أنا." التفت السيد سمرز نحوها متسائلاً: "امرأة تسحب نيابة عن زوجها؟ أليس لديك ولد يافع يسحب لك يا چايني ‘Janey’؟" رغم أن السيد سمرز والحاضرين جميعًا يعلمون الإجابة تمامًا، فإن هذا السؤال كان يتحتم على مسؤول اليانصيب توجيهه رسميًّا. انتظر السيد سمرز إجابة السيدة دنبر وقد بدت على وجهه ملامح الاهتمام.
ردت السيدة دنبر بأسًى قائلة: "هورايس لم يبلغ السادسة عشرة بعد.. أعتقد أنه يجب أن أحل محل الرجل العجوز هذا العام."
قال السيد سمرز: "حسنًا." دَوَّن ملاحظة على القائمة التي يمسكها، ثم استطرد متسائلاً: "هل سيقوم ابن واطسن ‘Watson’ بالسحب هذا العام؟"
رفع صبي طويل يده قائلاً: "نعم.. أنا سأسحب لي ولوالدتي." أخذت عينه ترف بعصبية وطأطأ رأسه في استحياء بينما تعالت عدة أصوات قائلة أشياء من قبيل: "ما أروعك من رفيق يا چاك ‘Jack’!" و"ما أسعد أن نرى والدتك عندها رجل يسحب نيابة عنها."
قال السيد سمرز: "حسنًا.. أعتقد أن الجميع موجودون.. هل وارنر العجوز هنا؟"
صاح صوت قائلاً: "أنا هنا." فأومأ له السيد سمرز.
خيم السكون فجأة على الجمهور، بينما تنحنح السيد سمرز وهو ينظر في قائمته، ثم هتف قائلاً: "مستعدون؟ الآن سأقرأ الأسماء.. أرباب الأسر.. وعلى كل رجل أن يأتي ويسحب ورقة من الصندوق. أبقِ الورقة مطوية في يدك ولا تنظر فيها إلى أن يأخذ كل واحد دوره.. كل شيء واضح؟"
الرجال فعلوا ذلك مرات عديدة من قبل، فلم يأبهوا كثيرًا لسماع تلك التعليمات: معظمهم كان هادئًا. يبللون شفاههم بألسنتهم. ولا يتلفتون حولهم. ثم رفع السيد سمرز إحدى يديه عاليًا وصاح قائلاً: "آدمز ‘Adams’. انفصل رجل عن الجمهور وتقدم للأمام. قال السيد سمرز: "أهلاً ستي? ‘Steve’. فرد آدمز قائلاً: "أهلاً يا چو." تبادلا- بعصبية- ابتسامتين باهتتين. ثم مد السيد آدمز يده داخل الصندوق وسحب ورقة مطوية. قبض عليها بإحكام وهو عائد متعجلاً لمكانه بين الجمهور، حيث كان يقف مبتعدًا قليلاً عن أسرته، دون أن ينظر في يده.
ثم هتف السيد سمرز: "آلن... آندرسن... بنثام."
في الصف الخلفي، قالت السيدة دلاكروا للسيدة جراي?ز: "يبدو أن مسابقات اليانصيب تتعاقب بلا أي فواصل زمنية على الإطلاق.. أشعر أن المسابقة الفائتة لم يمضِ عليها سوى أسبوع واحد."
قالت السيدة جراي?ز: "الوقت يمر سريعًا بالتأكيد."
"كلارك... دلاكروا"
"ها هو زوجي العجوز." قالتها السيدة دلاكروا وهي تحبس أنفاسها بينما يتقدم زوجها ناحية الصندوق.
قال السيد سمرز: "دنبر." فتقدمت السيدة بثبات بينما هتفت امرأة: "استمري يا چايني" وهتفت أخرى: "ها هي تتقدم."
قالت السيدة جراي?ز: "هذا دورنا." ثم راحت تراقب زوجها الذي أتى من جانب الصندوق وانتقى ورقة وحيَّا السيد سمرز متجهمًا. حينئذ، كان كل رجل من الحاضرين يمسك في يده ورقة مطوية، ويقلبها بانفعال مرارًا وتكرارًا. وقفت السيدة دنبر مع ولديها ممسكة بالورقة.
"هاربرت... هتشنسن."
صرخت السيدة هتشنسن: "انهض يا بِل." فضحك القريبون منها.
"چونز."
خاطب السيد آدمز العجوز وارنر الواقف إلى جواره قائلاً: "يقولون إنهم في القرية الشمالية سيهجرون اليانصيب."
استهزأ العجوز وارنر قائلاً: "إنهم مجموعة من المغفلين.. هؤلاء الشباب لا يعجبهم شيء.. الخطوة التالية سيطلبون العودة لحياة الكهوف.. حيث لا يعمل أحد بعد ذلك.. يعيشون هكذا فترة.. كان هناك مثل يقول ‘اليانصيب في حزيران ينضج الذرة سريعًا.’ أول شييء لن نأكل جميعًا إلا الحشائش.. كانت هناك دائمًا مسابقات اليانصيب.." ثم أردف بعصبية: "من المؤسف أن ترى چو سمرز الشاب وهو يمزح مع الجميع."
قالت السيدة آدمز: "بعض الأماكن هجرت اليانصيب بالفعل."
قال العجوز بإصرار: "لا شيء في هذا سوى المتاعب.. إنهم مجموعة من الشباب المغفلين."
"مارتن." وراح بوبي مارتن يتابع والده. "أو?ردايك... پيرسي."
قالت السيدة دنبر لابنها الأكبر: "أتمنى لو يسرعون."
قال الصبي: "كادوا أن ينتهوا."
قالت أمه: "كن مستعدًّا لتعود مسرعًا وتخبر والدك.
نادى السيد سمرز اسمه هو ثم خطا للأمام واختار قصاصة من الصندوق. ثم صاح: "وارنر."
شق العجوز طريقه بين الجمهور قائلاً: "سبعة وسبعون عامًا وأنا أشارك في اليانصيب."
"هذه هي المرة السابعة والسبعون."
"واطسن"، أتى الصبي الطويل مرتبكًا. قال أحدهم: "لا تتوتر يا چاك" وقال السيد سمرز: "خذ وقتك يا بني."
"زانيني ‘Zanini’."
بعد ذلك ساد الصمت فترة طويلة إلى أن صاح السيد وهو يرفع ورقته عاليًا، قائلاً: "حسنًا يا رفاق." ظلوا ساكنين برهة، ثم فردوا القصاصات المطوية في أيديهم. فجأة، صاحت النساء جميعًا في لحظة واحدة متسائلات: "من؟" "من نصيب من؟" "هل هم عائلة دنبر؟" "عائلة واطسن؟" ثم بدأت الأصوات تتعالى قائلة: "إنه هتشنسن.. إنه بِل." "لقد نالها بِل هتشنسن."
التفتت السيدة دنبر لابنها قائلة: "اذهب وأخبر والدك."
قالت السيدة دلاكروا: "تحلي بالروح الرياضية يا تِسي." وقال السيد جراي?ز: "كل منا أخذ نفس الفرصة."
صاح بِل هتشنسن: "اخرسي يا تِسي."
قال السيد سمرز: "حسنًا.. لقد تم ذلك بسرعة إلى حد ما.. والآن علينا أن نسرع قليلاً لننهي الأمر في موعده." تفحص قائمته التالية، قائلاً: "بِل.. اسحب أنت لأسرة هتشنسن.. هل هناك أفراد آخرون في أسرة هتشنسن؟"
صرخت السيدة هتشنسن قائلة: "هناك دون ‘Don’ وإي?ا ‘Eva’.. دعهما تأخذان فرصتيهما!"
خاطبها السيد سمرز برفق قائلاً: "البنات يسحبن مع عائلات أزواجهن يا تسي.. تعلمين ذلك مثلما يعلمه الجميع."
صاحت تِسي: "لم يكن الأمر عادلاً."
قال بل هتشنسن بأسًى: "لا أعتقد يا چو.. ابنتي تسحب مع عائلة زوجها.. هذا فقط عادل.. وأنا ليس في أسرتي أفراد آخرون سوى الأطفال."
قال السيد سمرز موضحًا: "إذن، فأنت ستسحب مرة بصفتك رب أسرة.. ومرة بصفتك فردًا من الأسرة.. صحيح؟"
قال بل: "صحيح؟"
سأله السيد سمرز بطريقة رسمية قائلاً: "كم عدد الأطفال يا بل؟"
أجاب بل: "ثلاثة.. چاي آر ‘Jr.’، ونانسي، وداي? ‘Dave’ الصغير.. وتِسي وأنا."
قال السيد سمرز: "حسنًا.. هل استعدت تذاكرهم يا هاري؟"
أومأ السيد جراي?ز رافعًا القصاصات عاليًا. وجهه السيد سمرز قائلاً: "ضعها في الصندوق.. ثم خذ تذكرة بل وضعها أيضًا."
محاولةً الاحتفاظ بهدوئها قدر استطاعتها، خاطبته السيدة هتشنسن قائلة: "أظن أن علينا أن نعيد العملية كلها من جديد.. قلتُ لك لم يكن عدلاً.. إنك لم تعطه وقتًا كافيًا ليختار.. الجميع رأوا ذلك."
رمى السيد جراي?ز جميع القصاصات على الأرض فبعثرها الهواء، بينما احتفظ بالتذاكر الخمس ووضعها في داخل الصندوق.
قالت السيدة هتشنسن: "اسمعوني جميعًا..."
تساءل السيد سمرز: "جاهز يا بل؟" فأومأ بل ملقيًا نظرة خاطفة على زوجته وأطفاله.
قال السيد سمرز: "تذكروا.. خذوا التذاكر وأبقوها مطوية حتى يأخذ كل واحد تذكرته.. يا هاري.. ساعد داي? الصغير." أمسك السيد جراي?ز يد الصغير الذي تقدم طائعًا نحو الصندوق. قال السيد سمرز: "اسحب ورقة من الصندوق يا داي?ي." وضع الصغير يده في الصندوق وانفجر ضاحكًا. قال السيد سمرز: "خذ ورقة واحدة.. أمسكها له يا هاري." أمسك السيد جراي?ز يد الصغير القابضة على الورقة وأخذها منه، بينما وقف الصغير إلى جواره وهو يتطلع إليه في اندهاش.
قال السيد سمرز: "دور نانسي." نانسي في الثانية عشرة من عمرها، وقد خفقت قلوب زملائها بعنف وهي تتقدم نحو الصندوق عابثة بتنورتها في اضطراب، ثم سحبت ورقة برشاقة. نادى السيد سمرز: "چاي آر بِل"، وهو صبي أحمر الوجه ضخم القدمين، كاد أن يقلب الصندوق وهو يسحب الورقة. صاح السيد سمرز: "تِسي." ترددت قليلاً وهي تنظر في تحدٍّ، ثم زمت شفتيها وتقدمت نحو الصندوق، ونتشت ورقة وأخفتها وراء ظهرها.
قال السيد سمرز: "بِل"، فمد بِل يده في الصندوق وأخرج الورقة المتبقية واستدار عائدًا.
خيم الصمت على الحضرين. همست فتاة: "أتمنى ألا تكون نانسي"، فترامت همستها إلى الجميع.
قال وارنر العجوز بوضوح: "اليانصيب لم يكن كما عهدناه.. الناس أنفسهم ليسوا كما عهدناهم من قبل."
صاح السيد سمرز: "حسنًا.. افردوا الأوراق.. وافرد أنت ورقة داي? الصغير يا هاري."
فرد السيد جراي?ز ورقة الصغير، وزفر الجميع في ارتياح حينما رفعها عاليًا ورأوا أنها بيضاء. وفتح كل من نانسي وچاي آر ورقته في آن واحد، وكلاهما ضحك مشرق الوجه، مستديرًا ناحية الجمهور، ورافعًا ورقته فوق رأسه.
صاح السيد سمرز: "تِسي." ساد الصمت لحظة، ثم نظر السيد سمرز لـ"بِل هتشنسن" الذي فرد قصاصته ليراها الجميع. كانت بيضاء.
خفض السيد سمرز صوته قائلاً: "إذن هي تِسي.. أرنا ورقتها يا بِل."
توجه بل هتشنسن صوب زوجته، وانتزع القصاصة من يدها. كانت تحوي بقعة سوداء، تلك البقعة التي رسمها السيد سمرز بقلمه الثقيل ليلة أمس وهو في مكتبه بشركة الفحم. رفعها بِل عاليًا، فسرت ضجة عظيمة بين الجمهور.
قال السيد سمرز: "حسنًا أيها الناس.. دعونا ننتهي من هذا الأمر بسرعة."
رغم أن سكان القرية كانوا قد نسوا الطقوس وأضاعوا الصندوق الأسود الأصلي، فإنهم ما زالوا يتذكرون كيف يستخدمون الأحجار. كانت كومة الأحجار التي أعدها الأطفال في بداية اليوم جاهزة. وكذلك كانت هناك أحجار على الأرض مع الأوراق المتطايرة من الصندوق. انتقت دلاكروا حجرًا كبيرًا أمسكته بكلتا يديها والتفتت ناحية السيدة دنبر قائلة: "هيا.. أسرعي."
السيد دنبر معه أحجار صغيرة في كلتا يديه، وقد خاطبته زوجته قائلة: "لا أستطيع أن أعدو مطلقًا.. اذهب أنت وسألحق بك."
الأطفال كانت معهم حجارتهم بالفعل، وثم شخص أعطى الصغير داي?ي هتشنسن بضع حصيات.
كانت تِسي هتشنسن حينئذ في منتصف مساحة من الأرض خالية تمامًا. مدت يديها في يأس بينما الجمهور يزحف نحوها من جميع الجهات. صرخت: "ليس عادلاً." أصابها حجر في رأسها. هلل وارنر العجوز: "هيا.. هيا جميعًا." كان ستي? آدمز يتقدم سكان القرية، وبجانبه السيدة جراي?ز.
وبينما هم يتكالبون عليها، صرخت السيدة هتشنسن قائلة: "ليس عدلاً.. ليس حقًّا."