القاهرة 23 يوليو 2019 الساعة 11:20 ص
كتبت: أمل ممدوح
بعنوان " 90 فيلما مصريا .. نظرة نقدية " صدر مؤخرا كتاب للناقد كمال رمزي ضمن سلسلة آفاق السينما الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ليكون الكتاب رقم 96 من السلسلة ، متضمنا 90 مقالا نقديا في 276 صفحة بتصميم غلاف لمحمد أحمد مرسي ، قسمت تبعا لأنواع الأفلام إلى خمسة أقسام تتضمن : أفلام اجتماعية ، أفلام العنف والجريمة والعصابات ، أفلام كوميدية ، أفلام ذات طابع سياسي وأفلام تمثل تجارب جديدة .
نظرة عامة :
خلال متابعته لحوالي تسعين فيلما في سبع سنوات ، من عام 2009 وحتى 2016، رصد الناقد كمال رمزي في مقالاتٍ له نشرها في عموده " باختصار" في جريدة الشروق، قسمها لأقسامٍ خمسةٍ متنوعةٍ، شملت الأفلام الاجتماعية وأفلام العنف والجريمة والعصابات والأفلام الكوميدية والأفلام ذات الطابع السياسي وأفلام التجارب الجديدة، ليخرج بملاحظاتٍ عامةٍ عبر عنها في مقدمته للكتاب؛ منها غياب بعض الأنواع السينمائية مثل الأفلام الاستعراضية أو الغنائية، كذلك لاحظ اختفاء الأفلام التاريخية أو الشخصيات والأجواء التاريخية، علمًا بأنها ظهرت مبكرًا منذ الأفلام الأولى لأم كلثوم، مثل "دنانير" لأحمد بدرخان الذي تدور أحداثه في عهد هارون الرشيد، لتصل على استحياءٍ إلى "ناصر 56" لمحمد فاضل 1996، لتتوقف منذ ذلك الحين حتى فيلم "أيام السادات" لمحمد خان عام 2001.
ويلفت نظر الكاتب غياب الأفلام الرومانسية، والتي كانت الطبق المفضل، المكرر، على مائدة السينما المصرية، مقابل ملاحظة الازدهار الكمي على الأقل، لأفلام العنف بما تستدعيه من قصص العصابات والجرائم وجنون تصفية الحسابات بالدم، متسائلا عما حدث لمجتمع أميل للتسامح لم يكن يؤمن أن البطش سيد الأخلاق .
وإلى جانب الأفلام الاجتماعية ذات النزعة الواقعية، يرى المؤلف ثمة زيادةً ملحوظةً في عدد الأفلام الكوميدية، بعضها يمتزج فيه الضحك مع الأسى، أما الأفلام السياسية، فإنها تفيض بالغضب المكتوم بالحذر. لكن وسط هذا كله، يلحظ نهضة بعض الأعمال على نحوٍ يثير الإعجاب، سواء بصدقها أو بمستواها الإبداعي، أو بنفحة الحداثة والتجربة الجديدة التي تجعل لها رونقًا، يؤكد أن في السينما المصرية ما زال ما يبعث على الأمل ويستحق الحياة.
نظرة عن قرب ..
1 ـ أفلام اجتماعية
يشمل هذا القسم من الكتاب الأفلام ذات الطابع الاجتماعي ، وقد اندرج تحته 22 فيلما منهم فيلم " ميكانو" للمخرج محمود كامل، والذي يرى الكاتب أن قصته غير مألوفة في السينما المصرية، تكاد تخلو من الأحداث الخارجية، تلجأ إلى الحركة الداخلية للأبطال بما تحمله من مشاعر وانفعالات؛ لذا فإن الفيلم يتطلب فهما عميقا للشخصيات وقدرة على التعبير عن تركيبها الداخلي ،فيلم "1/صفر" لكاملة أبوذكري ، وفي رأي الكاتب أن تكنيك الصدامات المتتالية، المعتمدة على تصاعد الصراعات، وتمكن المخرجة من ضبط إيقاعها جعلا الفيلم يبدو أقرب للآهة الطويلة، فيلم " احكِ يا شهرزاد" ليسري نصر الله ، ويرى الكاتب أن رؤية الفيلم أحادية الجانب، ومن الناحية الثانية، ينهض بناؤه على أبسط وأسهل الأشكال، وحدات متوالية منفصلة، تعتمد على سرد تقليدي، لا يقترب حتى من روح الحداثة المتوافرة في "ألف ليلة وليلة"، فيلم " الفرح" لسامح عبد العزيز ويراه الكاتب فيلم مصري خالص بضوضائه وصخبه، بجرأة ينزع الفيلم قناع الفرح لتتجلى جنازة قيم النبل والصدق والبنوة واحترام الموت، كما تطرق الكاتب في هذا الجزء لأفلام أخرى مثل "بدون رقابة" لهاني جرجس فوزي و"الديلر" لأحمد صالح و"تلك الأيام " لأحمد غانم و"بنتين من مصر" لمحمد أمين و " 678 " لمحمد دياب و"حلاوة روح" لسامح عبد العزيز و"سكر مر" لهاني خليفة .
2- أفلام العنف والجريمة و العصابات
يضم هذا القسم 22 فيلما ، منهم فيلم "علقة موت" للمخرج نافع عبد الهادي، ويراه الكاتب ليس عملا سينمائيا بالمعنى العلمي أو الفني، ذلك أنه أقرب للحالة، مجرد تركيب أو وصفة بدائية خالية من الإبداع، وإن جاءت أكيدة المفعول، فهنا لا مجال لمناقشة بناء سيناريو أو تكوين الشخصيات أو حتى سير الأحداث أو أسلوب الإخراج، كما تطرق لفيلم "إبراهيم الأبيض" لمروان حامد ويرى فيه وقصصا وعلاقات تكاد تخفت وتتلاشى وتغرق آثارها في طوفان الدم ، وعن فيلم "السفاح" لسعد هنداوي فهو يرى فيه خيوط كثيرة، متراكمة، متزاحمة، ومن بينها ذلك الخيط الذهبي الموجود أصلا في القضية، والذى كان جديرا به أن يغدو محور الفيلم وركيزته الجوهرية، ويرى أن فيلم "الجزيرة 2" لشريف عرفة، فيلم قائم على الحسابات الخاطئة لأبطاله، يحاول كتاب السيناريو آل دياب محمد وخالد وشيرين رصد التكتلات المستحيلة، بين المتناقضين تماما، يتوافقون للحظات خلال عواصف ما بعد ثورة يناير 2011، ثم تتفرق بهم السبل، وعن فيلم " القط " لإبراهيم البطوط يرى الناقد كمال رمزي أن الفيلم لا يندرج في قائمة أفلام الجريمة، أو المطاردة، أو حرب العصابات، لكن ينتمي إلى مخرجه كاتب السيناريو إبراهيم البطوط الذى يحاول مغامرا، بجرأة، أن يحلق عاليا، وبعيدا، ليرى ما وراء الواقع طارحا الكثير من الأسئلة، تعبر عن نحو ما عن حيرة فكرية، سواء على مستوى التاريخ أو الديانات، أو سلوك البشر، أو معنى دورة الحياة، عن فيلم "أسوار القمر" لطارق العريان يرى أن المسألة لا تزيد على كونها صراعا، بالغ العنف، بين رجلين، من أجل امرأة، فالفيلم الساخن، المعزول تماما عن دفء الحياة، يستعرض مهارات صناعه، وتبديدها، فيما لا يفيد، ثم يتطرق لفيلم "خانة اليك" لأمير رميس، فيرى الفيلم جوهريا يتحرك على طريقة "محلك سر"، فيبدو ساكنا برغم تقافز الأبطال هنا وهناك، مع فلاشات من صور غامضة تبرق فى ذهن بعضهم ، وعن فيلم " اللي اختشوا" ماتوا لإسماعيل فاروق ، يرى أن المخرج حقق تلك الحدوتة الملتوية بنشاط مفتعل، سواء بكاميرا المصور سامح سليم، التى تتقافز هنا وهناك، ترصد حركة مرتبكة داخل المكان المغلق أو المفتوح، تقترب من وجوه فى تعبيرات تتسم بتورم الانفعالات.. أو بموسيقى ياسر كروان الزاعقة، أو بمونتاج غادة عزالدين التي تخلت هذه المرة عن فضيلة الاختزال ، ويرى أن فيلم "من 30 سنة" لعمرو عرفة عمل مسل، لكنه يفتقر للعمق والإحكام . كما تطرق الكاتب في هذا الجزء لأفلام أخرى مثل " عبده موتة " لإسماعيل فاروق و"المصلحة" لساندرا نشأت و"الألماني" لعلاء الشريف و"على جثتي" لمحمد و"جرسونيرة" لهاني جرجس فوزي و"ولاد رزق" لطارق العريان وغيرها .
3- أفلام كوميدية
يضم هذا القسم 17 فيلما من بينها فيلم "نور عيني" لوائل إحسان، ويرى الكاتب أن فيه تختلط الكوميديا بالميلودراما، تنبع الفكاهة من السخرية تجاه أبطاله، الأمر الذى يقربهم من الجمهور، فالبطل يزعم أنه قوي البنية، لكن التجربة تبين عكس ذلك، والبطلة تدعي أن حاسة الشم عندها مرهفة، لكن المواقف تثبت العكس، وفيلم "عسل أسود" لخالد مرعي ، ويرى الناقد كمال رمزي أن مشكلة الفيلم من الناحية الفنية، تكمن فى بنائه المعتمد على توالي المواقف التي قد تكون مصوغة على نحو ذكي، لكن لا تنهض في سياق متنام، حيث يؤدي كل موقف، بالضرورة، إلى الموقف الذي يليه، لذا فإن الفيلم من الممكن أن تضاف له عشرات المواقف، وأيضا من الممكن الحذف منه، وهذا ما فعله مخرج الفيلم، المونتير في ذات الوقت خالد مرعي المجتهد، الذى لم يبلور أسلوبه بعد، والذي اكتشف أن الفيلم أطول مما يجب، فتخفف فورا من استطرادات لم يجد لها ضرورة ، وعن فيلم "زهايمر" لعمرو عرفة يرى أن الفكرة جادة، جيدة في حد ذاتها، ولكن المشكلة تكمن في بناء السيناريو المتهافت، المعتمد على شخصيات مصمتة، مجرد عناوين ينقصها دفء الحياة، ويرى أن فيلم "تيتة رهيبة" لسامح عبد العزيز فيلم خفيف لطيف، يتمتع بقدر كبير من المرح، ولا يخلو من السخرية، وروح الدعابة.. ولكن فى ذات الوقت يبعث على الغيظ؛ ففكرته الجميلة التي تستحق التأمل، والتي تشع بالمعاني تأتي مبتسرة، مكبلة بضيق الأفق، مسطحة، بالإضافة لأفلام أخرى تطرق لها الكاتب في هذا القسم مثل أفلام "عائلة ميكي" لأكرم فريد و"هاتولي راجل" لمحمود شاكر خضير و"الخلبوص" لإسماعيل فاروق وغيرها .
4- أفلام ذات طابع سياسي
يضم هذا القسم 13 فيلما من بينها فيلم "صرخة نملة" لسامح عبد العزيز والذي يرى الكاتب أن الحوار فيه هو الغالب، مما أدى إلى خفوت روح الإخراج السينمائي عند سامح عبدالعزيز، ويكاد يحول الفيلم إلى عمل إذاعي يتحدث عن النملة التي يجدر بها أن تعيش داخل الجدران كي لا تداس بالأقدام ، لدينا أيضا فيلم " بعد الموقعة" ليسري نصر الله ، ويرى الكاتب أنه في جوهره عرض حال لفئة خاسرة من أبناء الشعب المصرى تداخلت عوامل عدة لوضعها داخل مصيدة محكمة الإغلاق يعبر عنها الفيلم، بذلك السياج من الأسلاك الشائكة التي تحيط بمساكنهم، بالإضافة لتلك الجدران التي تكاد تفصلهم عن العالم الرحب، وعن فيلم "فبراير الأسود" لمحمد أمين يرى أن الفيلم يبدو كما لو أنه يدور في دوائر مفرغة، فالمواقف تتراكم على نحو رتيب من دون أن يتقدم للأمام، مما يؤدي إلى ترهل العمل، خاصة أن المؤلف المخرج وقع في قبضة الاسكتشات التي قد تكون لطيفة في حد ذاتها لكنها زائدة عن الحاجة، ويرى الكاتب عن فيلم "الشتا اللي فات" لإبراهيم البطوط أنه فيلم "عرض حال" يتابع من خلال ثلاثة أبطال ومجموعة من الناس ما حدث أيام الثورة، يرتد إلى الماضي أحيانا ويعود سريعا إلى الحاضر بمؤثراته الصوتية التي تترامى إلى سمع بطلنا المعزول المعتزل الذي يقرر عدم النزول إلى الشارع والاكتفاء بمتابعة ما يحدث بواسطة وسائل الاتصال الحديثة خاصة أنه يعمل في مجالها، كما يتطرق الكاتب لأفلام أخرى مثل "الحرب العالمية الثالثة" لأحمد الجندي و"الليلة الكبيرة" لسامح عبد العزيز و"نوارة" لهالة خليل و"اشتباك" لمحمد دياب وغيرها .
5 - تجارب جديدة
يضم هذا القسم 15 فيلما من بينها فيلم "عين شمس" لإبراهيم البطوط والذي يراه الكاتب عمل فريد في نوعه لا يشبه إلا نفسه، قد يبدو عفويا يتهادى بقوة الدفع الذاتي لكن بعد مشاهدته تكتشف أن البطوط رسمه بوضوح في ذهنه، وفيلم "بالألوان الطبيعية" لأسامة ذكري ويراه عمل ضد النواهي والممنوعات يجنح للتحرر و"الانعتاق "، لكن هذا الأسلوب الجريء سرعان ما يخفت ويتلاشى، وبدلا من أن يحلق في أجواء رحبة يرتد إلى الواقع مهمشا ، ويأتي فيلم "هليوبوليس" لأحمد عبد الله فيرى الكاتب أنه كما لو أن أبطال هذا الفيلم خرجوا حالا من صفحات تشيكوف، تكاد تتطابق ملامحهم الجوهرية مع ملامح شخصيات الكاتب الروسي الكبير الذي قدم نماذجه الإنسانية بحنو وتفهم عميق، جعلها برغم محليتها تتجاوز حدود بلادها وزمانها ليغدو حضورها مستمرا ومنتشرا، تقدم نفسها صريحة واضحة مهما تغيرت لغتها أو ملابسها. ويتطرق الكاتب لفيلم "رسائل البحر" لداوود عبد السيد، فيراه فيلم- حالة- يوحي أكثر مما يصرح، يبعث على التفكير والتأمل، فمعنى أحداثه ودلالة شخصياته أعمق غورا وأوسع شمولا مما قد يبدو على السطح، وعن فيلم "الفيل الأزرق" لمروان حامد يرى أن مشاهد الفيلم تتدفق سريعا، كل لقطة تتسم بتفاصيل دقيقة لا تتأتى إلا لمخرج متمكن من أدواته يعرف تماما تأثير صوت ترابيس الأبواب الحديد لعنبر القتلة، ولا تفوته العناية بأشكال نزلاء ذلك المكان بسحنهم التي تجمع بين الجنون والإجرام، بالإضافة إلى تلاشي الخط الفاصل بين الخيالات والواقع.، ويرى أن المخرج مروان حامد يتميز بنفحة حداثة لا تخطئها العين ولا الأذن، هذا بالإضافة لتطرق الكاتب لأفلام أخرى تحت هذا التصنيف مثل "ساعة ونصف" لوائل إحسان و"ديكور" لأحمد عبد الله و"باب الوداع" لكريم حنفي و"الخروج للنهار" لهالة لطفي و"هيبتا" لهادي الباجوري وغيرهم.