القاهرة 16 يوليو 2019 الساعة 09:16 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
أحمد أبو الخير مترجمًا، يستهل مقدمته لترجمته لعدد من الحوارات التي يضمها كتابه " رحيق العالم " الصادر عن منشورات الربيع بمقولة لهنري ميللر نصها يقول: " أنا لا أقرأ أبدًا لتضييع الوقت، أو طلبًا للنصيحة، بل أقرأ طالبًا مَن يخرج بي من ذاتي، أقرأ طلبًا للنشوة، وأنا دائم البحث عن الكاتب القادر على الارتفاع بي عن ذاتي ".
في مقدمته يقول أبوالخير إن البحث في الجذور التاريخية لمفهوم " الحوار " سيؤدي بنا إلى منعطفات شديدة الانحراف، ويجرنا نحو إشكاليات متعددة حصر لها، نظرًا لأن في ذلك غوصًا داخل كم لا نهائي من الأسئلة، خاصة وأن العثور على إجابة، أو على حقيقة راسخة، كما يرى المترجم، لابد له من طرح الأسئلة.وبعد عدة أسئلة تتعلق ببداية ظهور الحوار، يصل المترجم إلى القول بأن الحوار قديم، عتيق، أصيل يقترب من أصالة الذات البشرية نفسها. أيضًا يرى أبو الخير في مقدمته أن السيرة الذاتية، بكافة أنواعها، هي نوع من النميمة المقبولة، خاصة وهي عبارة عن فضح لحياة الكاتب، وفيها يعمل الكاتب على المزج بين الذاتية وبين الموضوعية والوقوف على الحياد حيال النفس.
كذلك يرى المترجم أن هناك حرصًا شديدًا وتكالبًا على قراءة الحوارات والمقابلات الصحفية، إذ يظهر طرفان في الحوار وهما الصحفي الذي يسأل والكاتب الذي يجيب، وربما يشطط الحوار في بعض الأحيان ويقترب من منطقة الجدل عندما يستدعي الموقف على الصحفي فرض أسئلة جديدة، محاولًا استيضاح المكنون الخفي، وإظهار مناطق قد تكون خفية المعالم عند القارئ.
أبو الخير يؤكد كذلك في مقدمته أن الحوار يعد نوعًا من التلصص على الكاتب من الباب الخلفي، وهو محاولة لمعرفة الدهاليز العقلية التي أنتجت أرفع الآداب وأعظم الفنون، وهو مد جسر داخل روح إنسان آخر، وهو فرصة لمشاهدة مطبخ الكاتب، ومعرفة الوصفات السحرية التي يستخدمها في كتابته، النكهات التي يضيفها على لوحة، على فيلمه التسجيلي، فيخرج كما خرج.هنا أيضًا يرى المترجم أن الترجمة لها استراتيجيات عديدة، ولها نظريات حداثية معاصرة وأخرى سحيقة.هذا ويختتم أبو الخير مقدمته هذه بقول المتصوف الكاثوليكي أنجليوس سيلسيوس: " يا صديقي..هذا يكفي تمامًا، إذا أردت أن تقرأ فلتكن أنت نفسك الكِتاب، وأنت نفسك الحقيقة ".
للعمل متعة
في " رحيق العالم " يترجم أحمد أبوالخير حوارات أجريت مع سيمون دي بوفوار، ليديا ديفيس، فلاديمير نابوكوف، ترومان كابوتي، وددي آلن.في حوارها مع مادلين جوبيل، والذي نشر في باريس ريفيو عام 1965 تتحدث سيمون دي بوفوار عن مذكراتها الخاصة، ومدى تأثرها بالأدب الإنجليزي وعن وجهة نظرها في التعليم داخل الجامعة، وهل تأثرت بالكتاب الأمريكان أم لا، دي بوفوار تبدأ يومها بشرب الشاي، وفي العاشرة تبدأ العمل على قدم وساق، وبعد ذلك تستريح بمجالسة الأصدقاء على أن تعاود العمل في الخامسة حتى التاسعة مساءً، وهي ترى أن للعمل متعة.
كما ترى دي بوفوار أن الحب شرف عظيم، ورغم ندرة الحب الحقيقي إلا أنه يثري حياة الرجال والنساء الذين يجربونه.كما تعلن في حوارها عن تمردها على بعض المفاهيم مما جعل البعض لا يحبون الكثير مما تقوله، كما تذكر أن الحياة جعلتها تكتشف أن العالم كما هو، عالم من المعاناة والاضطهاد، ويعاني من نقص التغذية لغالبية السكان.كما تعلن انخداعها بالثقافة البرجوازية وهذا ما جعلها لا تساهم في خداع الآخرين.
أما الكاتبة الأمريكية ليديا ديفيس فتعتقد، في حوارها الذي أجراه معها كل من إيلان ستافانز وريجيا غالاسو، أن المرء يتملكه الملل معظم الأوقات من الترجمة، مؤكدة أن إحدى التزامات المترجم أنه يحاول إعادة إنتاج النص بالطريقة التي قرأها القاريء بلغته الأم.وحين سُئلت هل يحتاج المترجم إلى الهيمنة على كل من ثقافة اللغة التي يترجم منها والتي يترجم إليها أوضحت أن موقف الكاتب، متضمنًا ذلك المترجم، تجاه ثقافته، فضلًا عن اتجاهه ناحية ثقافة النص الأصلي، لابد أن يكون ساعيًا أكثر منه مهيمنًا.هنا أيضًا تفترض إن كان المترجم يمتلك فهمًا عميقًا وجيدًا لثقافة لغته الخاصة سيكون التساؤل هو إلى أي مدى سيكون عمق الفهم المُحتاج للثقافة الأخرى؟
سطوة الأسلوب
ليديا تؤكد أن المترجم لابد له من طمس " توقيع " أسلوبه الذي يميزه ويسهل إدراكه، وإلا فيمكن له أن يفرض سطوة أسلوبه على النص الأصلي، أيًّا كان نمط أسلوبه، وينبغي عليه أن ينغمس داخل نص المؤلف، وأن يكون هو مؤلف النص ويتحلى بالشفافية وفقدان ذاته ويترك خلفه أسلوبه المميز والخاص به.كما تعتقد ليديا أن على المترجم أن يكون متخفيًا بشكل ما، باستثناء حين تواتيه الفرصة ليتحدث داخل الحواشي والتعليقات، أو متحدثًا مباشرة للقاريء في كلمة ختامية أو ملاحظة خاصة تتعلق والترجمة.
أما الكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف فيقول، في حواره مع هربرت جولد، إن هدف النقد هو قول شيء ما عن الكتاب سواء قرأه الناقد أو لم يقرأ، ويمكن للنقد أن يكون مفيدًا بمعنى أن يعطي للقراء، بما في ذلك مؤلف الكتاب نفسه، بعض المعلومات عن مدى إدراك الناقد وأمانته، أو كليهما.نابوكوف يحب، بجانب الروايات، اصطياد الفراشات، خاصة وهو يرى أن المكافآت والملذات من الإلهام الأدبي لا تعادل أي شيء بجانب نشوة اكتشاف عضو جديد تحت الميكروسكوب، أو أنواع غير مكتشفة على سفح الجبال في إيران وبيرو.نابوكوف حين سُئل هل هناك عيوب لشهرته، أجاب قائلاً إن لوليتا هي المشهورة وليس هو، فهو شخص غامض وروائي يحمل اسمًا يتعذر نطقه.
في " رحيق العالم " نعرف أن الكاتب الأمريكي ترومان كابوتي بدأ الكتابة وهو طفل صغير في العاشرة تقريبًا، وأدرك أنه يريد أن يكون كاتبًا حين اقترب من الخامسة عشر، ويرى أن الشكل الثابت للقصة هو ببساطة إداراك أكثر الطرق طبيعية لسردها.أما عن الأدوات التي يستخدمها المرء لتحسين أسلوبه وتقنياته فيقول إن العمل هو الأداة الوحيدة التي يعرفها، وإن للكتابة قوانين تتعلق بوجهات النظر للأمور، الضوء والظل، مثلما تفعل اللوحة أو الموسيقى.
كما يرى أن الكُتاب الذين يرون في كتابة القصة تمرينًا للأصابع، يعملون على تمرين أصابعهم دون إنتاج أي شيء.أما نظرية كابوتي الخاصة فهي أن الكاتب لابد أن يضع في اعتباره سلامة عقله، ويجفف دموعه طويلًا، قبل فترة طويلة من الجلوس لاستدعاء ردود فعل مماثلة للقاريء، مثلما يعتقد أن التأثير الأقوى في الفن بكل أشكاله، يتحقق بعمل يعمل بتأن وصرامة وهدوء.كابوتي يقرأ كثيرًا جدًّا بما في ذلك الأغلفة ووصفات الطبخ والإعلانات، ولديه حماس تجاه قراءة الجرائد.
ومتحدثًا عن عاداته أثناء الكتابة يقول كابوتي إنه مؤلف أفقي تمامًا لا يستطيع التفكير إلا إذا كان مستلقيًا، سواء في السرير أو ممددًا على الأريكة في متناول يده سيجارة وكوب قهوة، كاتبًا نسخته الأولى بالرصاص ويراجعها بالرصاص أيضًا، كما يعتقد أن الأسلوب يتم التوصل إليه بوعي، وهو الذي كان مهووسًا لسنوات بالمسرح واعتاد على ممارسة رقصة باك وينغ.ومما يراه كابوتي أنه ليس على الكاتب أن يحط من قدر نفسه عن طريق محادثة الناقد وعليه ألا يفعل ذلك أبدًا.
أما المخرج والكاتب المسرحي وعازف الجاز الأمريكي وودي آلن، في حواره مع ميشيكو كاكوتاني، يقول إنه يحب شكل السرد الكلاسيكي في المسرحية وكذلك يحبه في الرواية، ولا يستمتع بالروايات التي تفتقر بشكل أساسي إلى وضوح القصة، كما يرى أن الجلوس إلى قراءة بلزاك أو تولستوي متعة عظيمة.ويقول أيضًا إنه لأمر رائع أن تكون قادرًا على خلق العالم الخاص بك في أي وقت تشاء، الكتابة أمر مبهج جدًّا وساحر للغاية، وعلاجي بشكل غير عادي، في الكتابة نهرب من العالم إلى طريقنا الخاص، وهذا أمر جيد وممتع.