القاهرة 09 يوليو 2019 الساعة 09:14 ص
قصة : چورچ إيد "George Ade" ترجمة : صلاح صبري
العنوان الأصلي للقصة:
The Fable of the Preacher Who Flew His Kite, But Not Because He Wished to Do So
أدرك واعظ أن كلماته لا تنال إعجاب جمهور المصلين، الذين لم يكونوا يظهرون أية رغبة في ملاحقته بعد انتهاء الصلوات، وكانوا ينعتونه بالـ"مخنث". أحس أنهم ينتقدونه بشدة فيما بينهم. أدرك الواعظ أن ثمة خطأ فادحًا لا بد أن يكون في مواعظه. كان يحاول أن يقدم خطبه بأسلوب واضح ومباشر، حاذفًا الاقتباسات الغريبة، ومستدعيًا شخصيات تاريخية مألوفة لمستمعيه، وموضحًا- مسبقًا- النص اللاتيني باللغة الإنجليزية، مراعيًا- قدر الإمكان- المستوى العقلي لجمهور المصلين الذين كانوا يتشاركون في دفع راتبه. غير أن ذلك لم يكن يرضيهم. كانوا يفهمون كل حرف يقوله، ومن ثم، بدأوا يظنون أنه مبتذل.
لذلك راح يتأمل الموقف، وقرر أنه إذا كان يرغب في إقناع الجميع بأنه واعظ من الطراز الأول، فإن عليه أن يمارس بعض الدجل. استعد جيدًا بعدد وافر من الخزعبلات.
صبيحة يوم الأحد التالي، نهض في الشرفة وراح يتلو كلامًا ليس له معنًى على الإطلاق، ثم استحوذ على عقول جمهوره بنظرة ذاهلة قائلاً: ليس بإمكاننا أن نبين مدى شاعرية نصنا هذا وما يتضمنه من تصوف بأفضل من هذه الأبيات الشهيرة للشاعر الأيسلندي العظيم أيكون نوروچي:
"الاقتناء ليس الامتلاك-
تحت السماء التي لوحتها الشمس،
حيث تعربد الهيولي، ويهزأ المستقبل العريض
بهذه الطموحات العليلة-
يكون الانتقام الشامل."
عندما اختتم الواعظ هذا المقتطف من الشاعر الأيسلندي الشهير، توقف مطأطئًا وهو يتنفس عبر منخريه بصوت مسموع مثل "كميل" في الفصل الثالث.
امرأة بدينة في الصف الأمامي ارتدت نظارتها وانحنت للأمام لكي لا يفوتها حرف مما يقول. تاجر مهيب على اليمين أومأ برأسه في هدوء ورزانة. بدا وكأنه يعرف المقتطف. كل واحد من المصلين راح يرمق الآخر ولسان حاله يقول: "من المؤكد أنه واعظ بليغ!"
مسد الواعظ حاجبه قائلاً إنه واثق أن كل من سمعه يتذكر ما قاله كواروليوس "Quarolius" متبعًا نفس طريقة التفكير. كان كواروليوس هو الذي ناقش رأي عالم اللاهوت الفارسي العظيم رامتازوك "Ramtazuk" القائل إن الروح بعد ظهورها من المجهول كان دليلها هو الحافز الروحي أكثر من كونه الدافع العقلي. لم يكن الواعظ يعرف ما معنى هذا الكلام، ولم يكن يأبه، ولكنك تستطيع أن تطمئن، فقد استطاع إقناع المصلين في لحظة واحدة.
راح المصلون يعضون شفاههم السفلى وهم يتشوفون إلى مزيد من اللغة الراقية. لقد دفعوا نقودهم من أجل الخطب الطويلة، وهم مستعدون لاستيعاب جميع أساليب التوصيل. لقد ظلوا ممسكين بالوسائد وبدا أنهم يقضون وقتًا لطيفًا.
راح الواعظ يقتبس بغزارة من الشاعر العظيم أميبيوس "Amebius". تلا عليهم ثمانية عشر بيتًا بالإغريقية ثم خاطبهم قائلاً: "كم هو حقيقي هذا!" ولم يهتز جفن لأي من المصلين.
ظل يقول لهم كلامًا فارغًا، وكلما سئم من تزييف الأفكار الفلسفية، يقتبس من مشاهير الشعراء من مختلف البلدان والثقافات. مقارنة بهذا الشعر، وكان كله من نفس مدرسة المقطوعة الأيسلندية، كانت أشد المقطوعات غموضًا وضبابية تشبه الواجهة الزجاجية لمحل لبيع الحلوى بعد أن يدعكها الصبي الملون مستخدمًا جلد الشمواه.
بعد ذلك صار بليغًا، وبدأ يتخلص من الكلمات الطويلة التي لم تُستخدم قبل ذلك الموسم. وكأنه كان يمسك لعبة نارية في كلتا يديه فلا تستطيع أن تراه من الشرر المتطاير.
بعد ذلك يخفض صوته ويتحدث هامسًا عن الطيور والزهور. وبالرغم من عدم وجود ما يدعو للبكاء، يسفح بعد ذلك بضع دمعات حقيقية. ثم لا يتبقى قفاز في الكنيسة إلا وقد ابتل.
وبعد أن يجلس، يدرك، من نظرات الفزع في عيون المصلين، أنه نجح نجاحًا باهرًا.
هل أعطوه سعفة في ذلك اليوم؟ مؤكد!
لم تستطع السيدة البدينة أن تسيطر على مشاعرها وهي تحكي كيف ساعدتها الموعظة. وقال التاجر المهيب إنه يتمنى أن يعلن تأييده لذلك النقد العلمي المحكم.
في حقيقة الأمر، لقد اتفق الجميع على أن الموعظة كانت ممتازة ومدهشة. الشيء الوحيد الذي أزعجهم هو أنهم يخشون أن يرفع القس أجره لو أنهم أرادوا أن يحافظ على هذا المستوى.
في الوقت نفسه، كان الواعظ ينتظر أن يأتي أحدهم ويسأله عن بولنتا وأميبيوس وكواروليوس والشاعر الأيسلندي العظيم. ولكن أحدًا لم يجرؤ على الاعتراف بجهله بهؤلاء المشاهير. المصلون لم يعترفوا حتى بينهم وبين أنفسهم أن الواعظ قد اخترع أسماء جديدة. ركبوا أدمغتهم، وكل ما قالوه هو أنها كانت موعظة بليغة.
مدركًا أنهم سيتقبلون أي شيء، عرف الواعظ ما الذي سيفعله بعد ذلك.
المغزى الأخلاقي: أعطِ الناس ما يعتقدون أنهم بحاجة إليه!