القاهرة 09 يوليو 2019 الساعة 09:00 ص
كتب: أحمد مصطفى الغـر
الفيلم يحمل مقومات عديدة، جعلت منه عملًا مهما في تاريخ السينما المصرية، تحديداً ضمن أفلام ما بعد الألفية الجديدة وأفلام الحرب، كما أنه عمل متكامل نفخر بوجوده وبالجهد المبذول في إنتاجه، بعد سلسلة أفلام الحرب الشهيرة التي صدرت في السبعينيات من القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين لم يخرج علينا فيلم متكامل مثله، كما أن الفيلم يأتي في هذا التوقيت الدقيق الذي تقوم فيه الدولة المصرية بدور كبير في محاربة الإرهاب والتطرف.
ينطلق بناء الفيلم من رصد عملية تفجير أحد المواقع الإسرائيلية الكبرى والحيوية في قلب سيناء، وهذا هو موضوع الفيلم بالأساس، ويقف الفيلم متناولاً لفكرتين أساسيتين، لابد من الوقوف أمامهما، الأولى تأتي من إحدى عبارات الفيلم التي جاءت على لسان الضابط نور (أحمد عز)، وهي: "مكنتش نكسة ولا هزيمة ولا حرب بقوانينها"، هذه العبارة بكل ما تحمله من مصداقية، تعيد تشكيل المفاهيم الأرشيفية المعهودة عما حدث عام 1967م، وعمل القائمون على الفيلم على تجاوز كارثة 1967م، بمشاهد بالغة الدقة في عدة دقائق مع المشاهد الأولى من الفيلم، وهنا لا يمكن إنكار احترافية مخرج الفيلم "شريف عرفة" الذي لم يقف طويًلا عند الحدث، الذي لربما سيكون تفسيره يجعل منه عملًا وثائقيًا أكثر من كونه سينمائيًا ممتعا.
الفكرة الثانية؛ وهى الحالة الشعورية الوطنية الخالصة التي نجح فيلم الممر في غمر المشاهد بها، دون ابتذال، وقد ظهر ذلك في أكثر من موقف، وهي مشاعر لم يقدر إلا للبعض أن يشعر بها ممن عاشوا في خضم هذه المعارك، وقد تفوق الممر على أغلب الأعمال التي ناقشت الحس الوطني، والمشاعر القومية لا تتغير بقدامتها وحداثته، وكم من أجيال تحتاج معايشة مثل هذه المشاعر في الوقت الحالي. ولم يغفل الفيلم كثير من اللحظات الخاصة التي حدثت للشعب المصري عقب نكسة 1967وللضباط والجنود وذويهم، ولعل الحالة الأبرز التي ركز عليها الفيلم كانت حالة الضابط "نور"، وعلاقته بزوجته بعد عودته من مشاهد الدماء المروعة التي أحدثت لديه صدمة وصمتا تاما، وهنا يبرز دور المرأة المصرية ممثلًا في الشخصية التي قدمتها الفنانة "هند صبري" وكيف كانت هي الأساس في إعادة البناء الروحي الذي حدث لزوجها.
من مشاهد الانكسار الأخرى التي تضمنها الفيلم نجد المجند عامر "أمير صلاح الدين"، الذي هرب من خدمته بعد رأى الموت بعينيه، قبل أن يعود ويكمل دوره على أكمل وجه، أيضا أوضاع الصحافة عقب النكسة، حيث تدنت لمستويات غير مسبوقة، هنا يظهر دور الصحفي إحسان "أحمد رزق"، وهى شخصية تم رسمها بعناية لتضفي حس الدعابة من آن إلى آخر كنوع من الاستراحة القصيرة بين مشاهد الدماء والحرب.
لعل أبرز نجاحات الفيلم، أنه قد نجح فى جذب جمهور الشباب بشكل أساسى لمشاهدة هذه النوعية من الأفلام، تلك التى غابت طويلا عن الشاشة لصالح أعمال رديئة نعانى آثارها السلبية فى بعض السلوكيات المجتمعية حتى ألان، وخير دليل على نجاح الفيلم بمفاهيم السوق السينمائية هو تصدره لقائمة إيرادات السينما المصرية، وذلك بحسب شركات التوزيع في مصر.
الفيلم من تأليف وإخراج شريف عرفة، وشارك في كتابة حوار الفيلم وقام بتأليف الأغانى الشاعر أمير طعيمة، أما البطولة فهى لمجموعة من النجوم الذين نجحوا في تقديم ملحمة سينمائية مبهرة عن بطولات وتضحيات وبسالة وعظمة وقوة الجيش المصرى في حربه الشرسة ضد العدو الإسرائيلى: أحمد عز وأحمد رزق واياد نصار وأحمد فلوكس ومحمد فراج وأحمد صلاح حسنى ومحمد الشرنوبى ومحمد جمعة ومحمود حافظ وأمير صلاح الدين وأسماء ابواليزيد، كما يضم الفيلم هند صبري، وشريف منير، وأنعام سالوسة، وحجاج عبد العظيم كضيوف شرف.
الموسيقى التصويرية وضعها الموسيقار الشهير "عمر خيرت"، الذي صرح بقوله: "إننى وضعت موسيقى فيلم الممر بإحساس جندى بالجيش المصرى، ويدافع عن تراب الوطن، ويضحى بعمره على الجبهة"، مضيفاً: "فيلم الممر كان عبارة عن كتيبة من الأبطال، والشعب كان فى حاجة ملحة لمثل هذا الفيلم، الذى جسد ملحمة لن ينساها التاريخ، وشعرت بفرحة الانتصار، مع تصوير كل مشهد لفوز الجنود المصريين على الجيش الإسرائيلي"، ويتميز الموسيقار "عمر خيرت" بنجاحه المشهود في تقديم الموسيقى ذات الطابع الخاص، وهي الحس المختلف الذي يمتلكه خيرت وأثبت ذلك في عدة أعمال مثل المقطوعة الخالدة في فيلم إعدام ميت، وفيلم ولاد العم، ومسلسل العميل 1001، ومسلسل الثعلب، ومن المنتظر أن تعيش موسيقى الممر لعقود، مثلما حدث مع موسيقى فيلم إعدام ميت.
لقد نجح صناع فيلم الممر في تقديم حالة سينمائية بمعناها الكامل والواضح شديدة الثراء على مختلف المستويات، فكل المشاهد تبرز مدى الجهد المبذول والدقيق في صناعته، احترافية كبيرة ومصداقية دون افتعال أو مبالغة، المشاهد القتالية مثيرة للاهتمام وجاذبة لعين المشاهد، تتخللها بعض الجمل التي تزيد من أهمية الإثارة للمشهد، هو ليس مجرد فيلم، ولكنه وثيقة سينمائية صادقة وواقعية عن حرب الاستنزاف التي خاضها خير أجناد الأرض بعد النكسة، واستردوا من خلالها عزيمتهم وإصرارهم وكبرياءهم وكرامتهم للانتقام من العدو الإسرائيلي.