القاهرة 18 يونيو 2019 الساعة 11:43 ص
كتبت: أمل ممدوح
"إن الفن يؤهلنا لكي نجد أنفسنا ونفقدها في نفس الوقت"، بهذه الجملة يبدأ التمهيد لكتاب " أفلام الدراما النفسية والباراسيكولوجي"رقم 95 من سلسلة آفاق السينما الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والذي صدر مؤخرا لد. نادين إيهاب، متضمنا بحثها لرسالة الدكتوراه من المعهد العالي للسينما، الكتاب وقد صممت غلافه ريهام خيري، يقع في 334 صفحة تبدأ بإهداء من الكاتبة لوالديها، ثم مقدمة وتمهيد فثلاثة أبواب يتضمن كل منهم عدة فصول وأقسام أولهم بعنوان " النقد النفسي والسينما" وثانيهم" النوع بين الظواهر النفسية والباراسيكولوجي" وثالثهم بعنوان" البنية المونتاجية في أفلام الدراما"، لتأتي بعدهم ملاحق تتضمن صورا للأفلام النفسية الواردة في الكتاب وجداول توضيحة بأسمائها وتواريخها وأنواع الاضطرابات النفسية والعقلية بها.
مدخل للتأثير السيكولوجي للفيلم ..
تتناول الكاتبة في مقدمتها توضيح مصطلح التحليل النفسي باعتباره أحد أهم المصطلحات المعنية بدراسة التجربة الفيلمية، بل الذريعة الأساسية التي شكلت كل الدراسات الحديثة في السينما، فلا توجد وسيلة فنية تستطيع أن تترجم وتجسد التجربة السيكولوجية من ظواهر نفسية، مثل الوسيط الفيلمي، وهو ما أدى إلى انبثاق نظريات نقدية متعددة محاولة تفسير ?وتحليل الظاهرة السيكولوجية في الأفلام، سواء من خلال المنظِّرين الأوائل الذين اهتموا بدراسة الفيلم كتجربة (واعية)، أو الدراسات الحديثة التي اهتمت بالتجربة (اللاواعية) من قبل المشاهد? ، إن الفيلم الذي نشاهده يعد ترابطا بين علاقات نصية وأفكار خيالية تعبر عن رغباتنا فى اللاوعي، كما ترى أن الصور والمشاهد التي تقدمها لنا السينما تتماثل مع الصور والقصص داخل لاوعينا التي تجسد الرغبات أو الشهوات المكبوتة، فالسينما تساعدنا على أن نسترق البصر على خيالاتنا من خلال آلية التلصص والتقمص، مشيرة إلى أن نظرية التحليل النفسي في السينما استمدت مصادرها الأساسية من كتابات (فرويد) والمحلل النفسي (جاك لاكان)، لتتعدد بالتبعية المدارس السينمائية في استخدامها للواقع السيكولوجي، وتظهر بنيات فيلمية متميزة تتلاعب بآليات وتقنيات الوسيط الفيلمي التي تنبثق من طبيعة الموضوع النفسي، فيتداخل في علاقة شرطية مصطلح الباراسيكولوجي مع الظاهرة السيكولوجية، منتجان مصطلحا في علم النفس يشير إلى بحث روحي من المحتمل أن يكون بحثا في العقل، هذه الحالة العقلية تنعكس بوضوح في مرآة السينما. ?????
وتمهد الباحثة لأقسام كتابها موضحة أن الفيلم يطرح بتأثيره السيكولوجي على المشاهد جدلية الحلم والواقع، والتي تؤدي إلي ذلك الصراع المؤسس على فاعلية المشاهدة السينمائية، فالمشاهد يوقع نفسه طواعية في ذلك الصراع من خلال محاولته المستميتة في الهروب من عالمه الواقعي إلى عالم آخر، عالم (الحلم)، ذلك الذي يخلقه الوسيط الفيلمي، ويستطيع من خلاله تحرير اللاشعور والعقل الباطن، خاصة مع إنسان العصر الحديث الذي كان في احتياجٍ شديد لذلك، بعد ما أَلَمَّ بالعالم من تغيرات وتحولات صاعقة وتغيرات كونية ومعرفية، فالصورة تملك القدرة والفاعلية للوصول إلى أعمق وأقدم طبقات النفس، وذلك من خلال استراتيجية "التذبذب الديالكتيكي" بين الاستغراق في الذات ( أي الابتعاد عن الصورة) والانهماك في تداعيات ذاتية أحدثتها الصورة نفسها) وفقدان الذات ( أي الدخول في الصورة ).
النقد النفسي والسينما
هكذا عنون الباب الأول للكتاب ، ليأتي تحته عنوان "السينما وعلم النفس" يتضمن قسمين أولهما " فرويد والفن"، حيث استطاع فرويد من خلال تحليل بعض الأعمال الفنية أو الأدبية الوصول لنظريته الخاصة بعالم اللاوعي، كما استقى عقدتي أوديب وإلكترا من أعمال أدبية وأوجد علاقات مشتركة بين الحلم والفن، وثانيهما "فرويد والسينما" حيث تشير الكاتبة لنظريات لتفسير الظاهرة الفيلمية من منظور نفسي تستمد مصادرها الأساسية من كتابات فرويد، ومن هؤلاء المنظرين "جاك لا كان" تلميذ فرويد، الذي طور بعض أفكار فرويد عن (الأنا) و(عقدة أوديب) وربطها بلغة اللاوعي، محاولاً تحليل الأفلام من منظورٍ سيكولوجي، ثم قسم الباب لثلاثة فصول أولهم عن "نظريات التحليل النفسي والسينما"؛ تضمن عنوانين أساسيين هما "السينما والعمليات العقلية الواعية " وقد اندرج تحته عنوانين فرعيين أولهما ("هوجو منستربرج" السينما وترابطها بالعمليات العقلية)، حيث كانت أول محاولات لفهم الفيلم من منظور سيكولوجي على يد العالم النفسي هوجو منستربرج الذي ماثل بين العمليات السيكولوجية وبين المتوازيات المادية في السينما، وذلك لترابطها بالعمليات العقلية الواعية، وثاني العنوانين الفرعيين ("رودلف أرنهايم" الجزء وعلاقته التكاملية بالكل)،حيث يرى هذا العالم أن العمل الفني المركب لا يمكن أبدا فهمه إلا إذا اندمجت الأجزاء العضوية المتكاملة في الكل، أما العنوان الأساسي الثاني فهو "السينما واللاوعي"، وقد تضمن ستة أجزاء هي :"جاك لاكان" السينما والتأثير المرأوي؛ وهو ما جاء فيه الحديث عن المجالين الخيالي والرمزي ، ثم جزأ بعنوان تلاقي المجال الرمزي (اللغة) والمجال الخيالي (الذات)، الوظيفة الخيالية في السينما، (لوي ألتوسير) التأثير المرأوي والأيديولوجيا، النظرية النسويه (ضد السلطة الأبوية) و النظرية النسوية "السينما والدافع الكشفي" ،وقد تجزأ الأخير بدوره لنوعين: التلصصية والتقمص.
ويأتي الفصل الثاني من الباب بعنوان "الظواهر النفسية في السينما"، وفيه تشير الكاتبة لفيلم "عيادة الدكتور كاليجاري" لروبرت وين، الذي يعد من أوائل الأفلام في تاريخ السينما التي صورت الظواهر النفسية المعقدة والغامضة والتي تنتمي إلى المدرسة التعبيرية الألمانية، مع الإشارة لأفلام أخرى.
ويأتي الفصل الثالث بعنوان "تفسير الظاهرة الباراسيكولوجية" والذي ينقسم إلى ثلاثة أجزاء؛ أولهم "إشكالية الباراسيكولوجي" وثانيهم عن" الباراسيكولوجي واللاوعي" ثم " قدرات الباراسيكولوجي وتصنيفها" وهو الجزء الذي قسم بدوره لثلاثة عناوين؛" قدرات إلإدراك ما فوق الحسي" ويتضمن ثلاث نفاط هي: التخاطر، الاستشفاف والتنبؤ بالمستقبل، أما العنوان الثاني فهو "قدرات التحريك النفسي (السايكوكينيسيس)"، والثالث "القدرات أو الظواهر الروحية "ويأتي تحته: الباراسيكولوجي والأدب، الراديو العقلي.
النوع بين الظواهر النفسية والباراسيكولوجي
وهو عنوان الباب الثاني من الكتاب ويبدأ بمقولة "إن ما نتوقعه في الفيلم النوعي هو ما نحصل عليه"، حيث يبين أن الفيلم النوعي يبني لتلبية توقعات ورغبات المشاهدين، ويتضمن ثلاثة فصول؛ "نظرية النوع " ويندرج تحته: الاتجاه الشكلي ، إشكالية النوع ، الاتجاه الأيديولوجي، ثم الوظائف الاجتماعية للنوع ، ليأتي الفصل الثاني "الدراما النفسية" موضحا أن علم النفس أثرى الموضوعات الفيلمية، من حيث التيمات والمضامين التي تكمن في النضال بين الصراعات المختلفة بين (الهو) و(الأنا الأعلى)، وعلى مستوى آخر نحو الصراع الغريزي بين (غريزة الموت)، و(غريزة الحياة)، بين (مبدأ اللذة) و(مبدأ الواقع)، ثم يأتي عنوان" النمطية في أفلام الدراما النفسية " ليقسم لثلاثة أقسام هي : الطبيب النفسي بين الإثارة والكوميديا، البطل الذهاني بين الجريمة والرعب والشخصية المزدوجة بين الإثارة والرعب، أما الفصل الثالث في هذا الباب فبعنوان "السينما والباراسيكولوجي" والذي يشير لكون العلاقة بين الظاهرة الباراسيكولوجية وفن الفيلم علاقة متداخلة وشرطية، وعليه فإن الإبداع والاستبصار يعملان بالتقنية نفسها، وتحت العنوان السابق تأتي "أفلام الخيال"، وفيه يشار لأن الخيال هو تعبير عن اللاوعي بداخلنا، وأن الأفلام الخيالية تعكس مناطق داخل اللاوعي نحاول دائما قمعها وكبتها، فهي عوالم اللاوعي والأحلام بداخلنا، وهي بدورها تعبر عن الأيديولوجيات المهيمنة علينا والخرافات الاجتماعية، وتقسم أفلام الخيال إلى ثلاثة أقسام : الباراسيكولوجي بين الجريمة والرعب، الباراسيكولوجي والخيال العلمي، ثم الباراسيكولوجي بين الدراما والكوميديا.
البنية المونتاجية في أفلام الدراما النفسية والباراسيكولوجي
هو عنوان الباب الثالث من الكتاب وأول ما يندرج تحته من أقسام ثلاثة "الفصام العقلي والاضطرابات الضلالية"، ويشار هنا لأن الأفلام قد ساعدت في تجسيم تجارب شاذة لأشخاص مرضى عقليين، بينما نجد أن الأغلبية العظمى من تلك الأفلام يشخص فيها الاضطراب العقلي على أنه فصام، فالشخصية الرئيسية قد تعاني من اضطراب تفككي وليس فصاما، ثم يذهب هذا الجزء لتوضيح ما يتعلق بالفصام بشكل علمي، فيعرف الفصام العقلي بأنه "انشطار العقل أي انقسامه إلى نصفين"، ويعني إجمالا "انشطار الشخص أو انخلاعه عن الواقع"،فتعرض شخصيته بعدة أشكال منها التفكير غير المنظم أو الأحاسيس المضطربة، وكذلك أفعال لا يتلاءم بعضها مع البعض. ثم يشير لأعراضه ثم لأنواعه الخم : الكتاتوني، البيفرثي ، البارانويدي ، غير المتميز والتخلفي، ثم ينتقل لعنوان أساسي جديد "العوامل المسببة للفصام" يتناول العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية للفصام، لننتقل للعنوان الثالث "علاج مرض الفصام" ليضم بدوره ثلاثة فصول أولها "الإبداع والفصام" يأتي تحته " النوع بين الظواهر النفسية والباراسيكولوجي" حيث يتضمن تحليل لثلاثة أفلام هي : "سطوع Shine " من إخراج سكوت هيكس، مع التطرق لبنيته المونتاجية والصوتية والمؤثرات الصوتية والصمت والموتيفات البصرية والإيحاءات السيكولوجية، "البجعة السوداءBlack Swan " لدارين أرنوفسكي، وبنيته المونتاجية وتيمة المرأة والفصام فيه، وفيلم رون هوارد "عقل جميل A beautiful Mind "، أما الفصل الثاني في هذا القسم فعن " تفكك الهوية " ويتضمن تحليل فيلمين هما "نادي القتال Fight Club " لديفيد فينشر و" تذكار Memento" لكريستوفر نولان، أما الفصل الثالث والأخير فبعنوان "عالم مغاير" ويتضمن تحليلا لفيلمين ولبنيتهما المونتاجية هما: " الآخرون The others " لأليخاندرو أمينابار و" الحاسة السادسة The sixth sense " لإم نايت شيامالان.
وتخلص الباحثة في خاتمة كتابها، إلى أن التحليل النفسي يعد الذريعة الأساسية فى تنامى فن الفيلم سواء من الناحية السردية أو البصرية، وهو ما أدى إلى انبثاق نظريات نقدية متعددة، محاولةً تفسير وتحليل الظاهرة السيكولوجية فى الأفلام، سواء كانت بدراسة الفيلم كتجربة (واعية) أو الدراسات الحديثة التي اهتمت بالتجربة (غير الواعية) من قبل المشاهد. وترى أيضا أن هناك فرقا كبيرا بين أفكار التحليل النفسي التي ألهمت الكثيرين من مبدعي السينما لتقديمها في أفلامهم، وبين علم نفس الأمراض.
كما توصلت الكاتبة من خلال تطبيقها لنظرية النوع Genre لمدى أهميتها فى دراسة الظاهرة النفسية في السينما، لما لها من أثر كبير على الجمهور، نظرا لارتباطها بالتغيرات الاجتماعية والثقافية المختلفة، وكذلك على صناع الأفلام، وهو ما أدى لانبثاق مصطلح "الدراما النفسية" والذي تبين أنه لا يعد نوعا فيلميا مستقلا، بل يندرج تحت مظلة أفلام الإثارة النفسية، التي تندرج بدورها تحت نوعية أفلام الرعب، لما تحويه تلك الأفلام من أبعاد سيكولوجية تعبر عن مخاوف الشعوب، وتلعب دورا فى ثقافة المجتمعات وجماليات اللغة السينمائية، ولها خصائصها الفيلمية وتقاليدها الخاصة، التي تتطور بشكل ملحوظ نتيجة دخول نوعيات فيلمية عليها، تؤدي بدورها لتطور في شكل البنية المونتاجية، مما يصحبنا لمستويات متجددة الأبعاد من الصورة السينمائية، الأمر الذي كان له كبير الأثر فى تطرقنا لمفهوم (الباراسيكولوجي) وعلاقته بالإثارة النفسية، فيما يسمى "بأفلام الظواهر الخارقة"، كما توصلت أيضا لكون أكثر الأنواع الفيلمية الأساسية التى تتناول الظواهر النفسية؛ فيلم الإثارة النفسية الذى يندرج تحت أفلام الرعب النفسي، والأفلام البوليسية السوداء (أفلام البارنويا السوداء) (العصابات) – (البطل المختل) – (الأنثى القاتلة)، لترى كذلك أن الباراسيكولوجي ومثله في ذلك مثل الدراما النفسية النفسية؛ لا يعد نوعا فيلميا مستقلا بذاته، بل تتضمنه أفلام الرعب، والخيال العلمي، والأفلام السوداء.
*******************
الكتاب رقم ( 95 ) من سلسلة آفاق السينما الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ، رئيس التحرير د. يحي عزمي ، مدير التحرير أمل ممدوح ، أمين عام النشر جرجس شكري .