القاهرة 11 يونيو 2019 الساعة 11:34 ص
كتب: د.محمد السيد إسماعيل
" التراث الشعبى فى المسرح المصرى .دراسات تطبيقية على نصوص مختارة " للدكتور محمد أمين عبد الصمد هو عنوان الكتاب الصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة وهو كتاب على درجة كبيرة من الأهمية وترجع هذه الأهمية إلى طرحه لمستويات وكيفيات علاقة المسرح المصرى بالتراث الشعبى تحديدا وذلك من خلال مجموعة من النصوص التى تمثل أجيالا مسرحية مختلفة بدء من الرائد الحقيقى توفيق الحكيم الذى يمثل جيل الريادة والتأسيس مرورا بألفريد فرج الذى يعد من أكبر كتاب المسرح فى جيل الستينيات وسامح مهران الأكاديمى والكاتب المسرحى ما بعد الحداثى والذى يمثل جيل السبعينيات وانتهاء بإبراهيم الحسينى وهو من أبرز كتاب المسرح المصرى فى جيل الثمانينيات وقد توقف صاحب هذا الكتاب أمام ما يمتاز به كل كاتب من هؤلاء الكتاب فبالنسبة لتوفيق الحكيم عالج ما طرحه من رؤى وأفكار فى سبيل البحث عن " هوية " مصرية للمسرح وهى الدعوة التى أصبحت أكثر إلحاحا وتحققا على يد مسرحى آخر لايقل أهمية وهو يوسف إدريس ثم توقف أمام المأثور الشعبى القصصى المستمد من " ألف ليلة وليلة " فى مسرح ألفريد فرج الذى استفاد من الكثير من حكايات الليالى ووظفها توظيفا فنيا بارعا بغرض الإسقاط على العصر الحديث وفى مسرح سامحمهران يتوقف الباحث أمام التوظيف المغاير للتراث القائم على قلب الدلالة من خلال مسرحيته التى جعل لها عنوان " دوديتللو " ويتوقف أخيرا أمام أهم ما يميز مسرح إبراهيم الحسينى وهو أن نصوصه كتبت فى الأصل بغرض العرض المسرحى حيث نستمتع بقراءتها مستندين إلى الصورة المسرحية التى حرص إبراهيم الحسينى على تأكيدها ودعم دلالاتها كما يظهر فى مسرحيته " حكاية سعيد الوزان " ولا يتناول الباحث هذه النصوص المسرحية مباشرة بل يبدأ بتمهيد يتحدث فيه عن كون " المنتجات الثقافية مظاهر لأسلوب جماعة بشرية فى الحياة وطريقتها فى العيش وتعبيرها عن رؤيتها للكون ( الطبيعى والبشرى ) ومن بين جوانب الثقافة وفروعها المتعددة يتميز الجانب الفنى ( والأدبى جزء منه ) بحضوره البارز فى حياة الجماعة " ( " التراث الشعبى فى المسرح المصرى ..." د.محمد أمين عبد الصمد ص 5 الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة ) من هنا كان من الطبيعى أن يكون التراث الشعبى بمعارفه وقيمه وحكاياته رافدا فاعلا فى بنية النصوص المسرحية منذ بداياتها حتى اللحظة الراهنة وهو أمر لايختص به المسرح المصرى والعربى فحسب فاليونانيون أيضا نهلوا من أساطيرهم وحكاياتهم الشعبية أغلب مسرحياتهم وكذلك فعل الرومان ولم يخرج المسرح المصرى عن هذا التقليد " فنجد مثلا الشاعر الكبير أحمد شوقى قد رجع واستلهم من التراث الأدبى العربى وقدم مجنون ليلى وعنترة " حتى كانت تجربة توفيق الحكيم الذى كان أكثر وعيا فى توظيف التراث فاستلهم من التراث العربى والدينى وسار على الدرب كل من نجيب سرور وشوقى عبد الحكيم وألفريد فرج ومحمود دياب ويسرى الجندى ومحمد أبو العلا السلامةنى غير أن الدراما الشعبية قد اتخذت مساحة واسعة فى استدعاء التراث ويعرفها د.إبراهيم حمادة بأنها تلك التى تمتد جذورها فى محكيات الناس الدينية ويعرفها د.عبد الحميد يونس بأنها " مجموعة من الأشكال والمضامين الدرامية التى صدرت عن الشعب نفسه تحقيقا لمنفعة أو قيمة أو استهداف لغاية اجتماعية أو نفسية " ( ص11) وكان سعى الحكيم إلى تأكيد هوية المسرح المصرى دافعا له لاستلهام ملامح السامر الريفى فى مسرحية " الزمار " و" الصفقة " التى جعل فضاءها " الجرن " وفى مسرحية " ياطالع الشجرة " حاول الربط بين التراث الشعبى وأحدث اتجاهات المسرح وقتها وهو اتجاه اللامعقول وقد انتبه ألفريد فرج إلى ارتباط المسرح – رغم التأثيرات الغربية – بالتراث الشعبى حيث كانت " أول مسرحية عربية مستوحاة من " ألف ليلة وليلة " وهى مسرحية " هارون الرشيد " لمارون النقاش " (ص34) وهو مافعله ألفريد بعد ذلك حين أكد تأثير " ألف ليلة وليلة " كمكون رئيسى فى ثقافته " ولم يكن رجوعه إلى هذا التراث هروبا من الواقع فقد كانت مضامين المسرحيات واضحة كما فى " حلاق بغداد " المنادية بالديمقراطية بل كان الهدف من هذا الرجوع هو تعريب المسرح وهذا مايظهر فى " رسائل قاضى أشبيلية " ," على جناح التبريزى وتابعه قفة " و" الأميرة والصعلوك " و" الطيب والشرير والجميلة " التى يستلهم فيها حكاية أبى صير المزين وأبى قير الصباغ اللذين يتجاوران فى سوق الإسكندرية ورغم العلاقة التى تجمع بينهما فإنهما شديدى التناقض فأبو صير حلاق شديد الطيبة على العكس تماما من صاحبه أبى قير اللص المحتال الشرير ومن خلال هذا التناقض تدور أحداث المسرحية وهكذا يمكن القول إن التراث القصصى قد شكل جزءا كبيرا من المكون الفكرى والإبداعى فى مسرح ألفريد فرج الذى حرص على تقديم تصوير حى نابض لمقومات الشخصية العربية وقضاياها كما كانت لغته قادرة على التواصل مع الجمهور وخلق صورة بصرية وذلك لإيمانه أن المسرح " فكر وفرجة " وفى مسرحية " دوديتللو " وهى إحدى مسرحيات سامح مهران التى أخرجها بنفسه يتم تناول حدثين شديدى الإثارة وهما علاقة عماد الفايد ( دودى ) والأميرة البريطانية ديانا الزوجة السابقة لولى عهد بريطانيا والحدث الثانى هو نجاح العلماء فى أولى تجارب الاستنساخ ويستغل الكاتب هذا ويقوم باستنساخ شكسبير وشخصيات المتسلفة الغارقة فى ماضويتها وقد تعامل مهران مع التراث برؤية ناقدة تواجهه وفى مسرحية " حكاية سعيد الوزان " ينقلنا إبراهيم الحسينى إلى عالم " سعيد " الذى يختلط فيه الحلم بالحياة المعيشة والخيال بالواقع من خلال توظيف إحدى حكايات التراث القصصى الدينى حيث نجد الفقيه المتعنت مع سعيد الوزان الذى ينكر عليه التوبة وهو مايجعل مفاهيم الرحمة والمغفرة مطروحة داخل النص المسرحى وأخيرا نستطيع أن نقول إن التراث خاصة الشعبى قد شكل منبعا ثريا للكثير من كتاب المسرح المصرى فاستلهموا منه بعض أعمالهم وضمنوها خطابهم ورسالتهم التى يودون طرحها .وهذا ما حاولنا توضيحه من خلال النصوص السابقة .