القاهرة 21 مايو 2019 الساعة 01:20 م
كتبت: د. هـنـاء زيــادة
يذكر التاريخ بأن أولى النفايات التي تشكلت في الفضاء وكان سببها الإنسان، كان مصدرها القمر الأمريكي (فانغارد-1) الذي أُطلق إلى الفضاء في 17 مارس من العام 1958، ولكنه لم يعمل سوى 6 سنوات فقط، وهو أقدم جسم تدور بقاياه حتى الآن في الفضاء. لاحقا توالت الأشياء التي تطرح في الفضاء؛ مثل قفاز رائد الفضاء الأمريكي "إدْ وايت" عندما خرج من مركبته إلى الفضاء، وآلة التصوير الخاصة بـ "ميكل كولنز" من مركبته (جميني-10)، إضافةً لأكياس القمامة التي تتخلص منها المحطات الفضائية المأهولة بالبشر. وهنا تتكاثر الأفكار والتكهنات حول النفايات الفضائية والحطام الذي يمكن أن يتشكل خاصة إذا عرفنا أن قطعة صغيرة بحجم كرة الجولف يمكنها أن تحطم قمرا صناعيا قيمته أكثر من 100 مليون دولار، وحوله إلى آلاف القطع الصغيرة إذا اصطدمت به. ففي الأول من يناير من العام 2007 طرحت كمية كبيرة من النفايات الفضائية في الفضاء، نتيجة التجربة الصينية لاختبار سلاح فضائي جديد ضد الأقمار الصناعية التي تدور حول الارض، فقد أدت التجربة إلى تكوين كميةٍ ضخمةٍ من الحطام تصل لأكثر من مليون جسم تتراوح أحجامها بين كرة الجولف و1ملم، ونظراً لإجراء التجربة في مدار أكبر من المدارات العادية فإنه يتوقع أن يبقى الحطام يدور لمدة 35 سنة قبل أن يخرج عن مداره ويسقط على كوكب الأرض.
تشير التقديرات الحديثة أن هناك أكثر من 170 مليون قطعة من الحطام، تُقدر بثمانية آلاف طن، وقد أعلن مؤخرا مدير وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، جيم برايدنستاين، أن إسقاط الهند مؤخرا لأحد أقمارها الصناعية في مدار الأرض بواسطة صاروخ قد خلّف 400 قطعة من الحطام الفضائي بعد خمسة أيام على التجربة الهندية، وهو ما يزيد الخطر على رواد الفضاء الموجودين في محطة الفضاء الدولية، موضحا: "لا يمكن تعقبها كلها. نحن نتعقب القطع التي يفوق قطرها 10 سنتيمترات، ولكل منها رقم وباستطاعتنا تعقبها، لكن هذا النوع من النشاطات لا يتناسب مع مستقبل الرحلات المأهولة، وهذا الأمر غير مقبول". تشير بعض التكهنات إلى أن خطر تصادم الحطام الفضائي مع محطة الفضاء الدولية ازداد بنسبة 44% عقب التجربة الهندية، غير أن هذا الخطريتبدد سريعًا لأن غالبية قطع الحطام موجودة على علو منخفض وستزول سريعًا مع العودة إلى الغلاف الجوي. جديرٌ بالذكر أن وزارة الدفاع الأمريكية بالتعاون مع وكالة ناسا يحصيان باستمرار الأجسام الموجودة في الفضاء لتوقع خطر الاصطدام، ليس فقط لمحطة الفضاء الدولية، بل أيضًا للأقمار الصناعية، حيث تم رصد 23 ألف جسم بقطر يفوق 10 سنتيمترات، وهذا يشمل 10 آلاف قطعة حطام فضائي بينها حوالي 3 آلاف خلفها حدث واحد هو التجربة الصينية المضادة للأقمار الصناعية في 2007.
أصبح الفضاء جزءً من الحياة اليومية بداية من الاتصالات وحتى مراقبة الكوارث، وبالتالي فإن فقدان أي محطة إرسال سيكون مشكلة كبرى. لكن ماذا عن الحطام والمخلفات الفضائية التي تتشكل مع الزمن؟، ربما لهذا السبب البالغ الأهمية يجتمع سنوياً في هولندا في المركز التكنولوجي لوكالة الفضاء الاوروبية، أكثر من 200 خبير أوروبي في شؤون الحطام المداري، وذلك من أجل مناقشة كيفية تنظيف الفضاء من الحطام، إنهم يمثلون الشركات المصنعة للاقمار الصناعية والصواريخ ووكالات الفضاء، وجميعهم متفقون على إيجاد حل لهذه المشكلة. رئيسة قسم تنظيف الفضاء في وكالة الفضاء الاوروبية )لويزا إينوسانتي( ترى ان "النقطة الهامة جداً هي السرعة التي يسبح فيها أي جسم صغير في الفضاء. فهذه السرعة ستتسبب بانفجار الجسم الآخر او القمر الصناعي الذي يصطدم به، ما سيؤدي لتشكيل سحابة من الحطام. لذا أي حزء صغير من الحطام له أهمية كبيرة"، وتعتبر أن "مشكلة الحطام الفضائي يجب حلها بطريقتين. الاولى وهي ايقاف التلويث. والثانية، علينا ان نزيل القمامة أي الحطام". ومن الحلول التي تم إقتراحها لمعالجة الأمر: برنامج يعمل في إطاره العديد من العلماء والمهندسين الأوروبيين في وكالة الفضاء الأوروبية يعرف بـ(إي-ديأوربيت) هدفه التثبت من امكانية التقاط حطام قمر صناعي ووضعه في مكان آمن. حيث يجري الاختبار على روبوت مع نموذج قمر صناعي لمعرفة كيفية الاقتراب من قطعة كبيرة من الحطام الفضائي. التجربة تقوم على تجهيز ذراع الرجل الآلي الصغير بآلة للتصوير لمحاكاة حركة قمر صناعي روبوت حول هدفه، والهدف هو حطام قمر صناعي نرغب بإزالته من المدار والتقاطه، فالروبوت يتحرك كجسم واحد مع القمر المحطم كما لو انهما يرقصان دون ان يلامسان بعضهما، يمكن للروبوت أن يحرك يده فيلتقط حلقة محول القاذفة الموجودة على القمر المحطم ثم تطلق عملية أخرى لالتقاط الحلقة الثانية وهكذا يسهل على الروبوت جلب الحكام إلى الأرض لتدميره أو رميه في جنوب المحيط الهادئ.
طريقة أخرى تجري دراستها ضمن نفس البرنامج، تقوم على استخدام شباك لالتقاط أجسام كبيرة من النفايات المدارية، فكرتها تقوم على ما يشبه عمل صيادي السمك في البحر. مع شبكة كبيرة جدا يمكن التقاط الأجسام الكبيرة والأقمار الصناعية الخارجة عن السيطرة وتتحرك بحرية. دون الاقتراب منها، حيث يتم الرمي بالشبكة ومحاولة تغليفها بالكامل، فالأمر يشبه عملية صيد الأسماك من البحر. تشير الإحصائيات إلى وجود 2000 جسم فضائي مشغل في مدار الأرض وبعيدا في الفضاء، الأقمار الصناعية البعيدة صممت لتوضع في نهاية حياتها على مدارات تعتبر مقبرة لها في حين تعود إلى الأرض تلك القريبة من الكوكب، ولدى دخول هذه الأقمار المجال الجوي تتحلل وحدها، ألواحها الشمسية تحترق لكن المواد الثقيلة فيها مثل التيتانيوم لا تتفتت وتصطدم بالأرض، لذلك يدرس العلماء ما يحدث خلال دخول هذه الأجسام في الغلاف الجوي ويعملون على صناعة أقمار قادرة على التفكك متى يرغبون بذلك.
فمن الآن فصاعدا، الأقمار الصناعية التي يتم إطلاقها تتبع منهج محدد ودقيق يؤمن نهاية حياتها وفق خطة محددة مسبقا؛ لعل وعسى .. نتجنب الاصطدامات الناتجة عن الحطام الفضائي الذي تسبب فيه الإنسان.