القاهرة 21 مايو 2019 الساعة 02:01 م
كتب:أحمد مصطفى الغـر
يعتقد كثير من الناس أن الصيام يضعف المجهود البدني، ويؤثر بشكلسلبي في النشاط، فيقضون معظم النهار في النوم والكسل، ويبذلون أقل قدر ممكن منالنشاط البدني والحركي. وفي هذا تجنيّ بالغ على الشهر الكريم وعلى فريضة الصيام، إذيخطئ الذين يلجئون إلى خفض إنتاجهم في مجال عملهم وعدم تقيدهم بالانضباط في أوقاتالعمل بحجة أنهم صائمون، لاعتقادهم بأن الصيام يتطلب منهم الراحة أو التفرغللعبادة وهو اعتقاد يتعارض مع أهداف رمضان والحكمة من صيامه، فقد ثبت بالدليلالعلمي عن دراسة علمية حديثة أن الصيام ليس له أي تأثير سلبي في الأداء العضليوتحمل المجهود البدني، بل بالعكس أظهرت نتائج الدراسة العلمية أن درجة تحملالمجهود البدني وتاليا كفاءة الأداء العضلي تزداد بنسبة 200%، كما تحسنت درجة الشعوربإرهاق الساقين بمقدار 11%، كما يتجلى يسر الصيام في إمداد الجسم بجميع احتياجاتهالغذائية، وعدم حرمانه من كل ما هو لازم ومفيد له، فالإنسان في الصيام، يمتنع عنالطعام والشراب فترة زمنية محدودة، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وله حرية المطعموالمشرب من جميع الأغذية والأشربة المباحة ليلاً، ويعد الصيام بهذا تغييرا لمواعيدتناول الطعام والشراب فلم يفرض الله سبحانه وتعالى الانقطاع الكلي عن الطعام مدداطويلة، أو حتى مدة يوم وليلة.
الفهم الخاطئ والاستعداد المادي والشكلي لشهر رمضان، وليسالاستعداد الإيماني المبني على التقوى والرحمة والتكافل الاجتماعي، هو الذي يجسدهذا السلوك غير السليم من قبل افراد المجتمع، فالتركيز على الشكليات الغذائيةوالمسلسلات والدراما الفنية في شهر رمضان ثقافة خاطئة وتقليدا أعمى. تتعدد الأسبابفي عدم إتقان العمل والتراخي والكسل، منها ما يعود إلى عدم تنظيم الوقت، وخاصة بعدالإفطار، والسهر على المسلسلات وعدم الراحة والنوم، فيذهب الجميع للعمل وهممرهقون.
ويعزى الكسل قبل الإفطار إلى شعور سلبي يتغلغل في نفس الصائمتجاه العمل، حيث يهيئ له أن الصيام عن الطعام يؤثر سلبا على القدرة الذهنيةوالجسدية لديه، فيعتقد أنه من الطبيعي أن تنخفض إنتاجيته في هذا الشهر. وقد أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت عن موضوع (رمضان فيمكان العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، أن أكثر من 80% من العاملين فيمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعتقدون أن شهر رمضان الكريم يعزز روحهمالمعنوية في العمل، ويشير 44,5% إلى أن فعالية الموظف لا تتأثر في خلال هذا الشهر،في حين يوضح 55% منهم أنه لا يتم تأجيل القرارات أو الاجتماعات الهامة حتى انتهاءالشهر الكريم. كما أوضحت أن 74,7% من المشاركين في الدراسةيرون أن تعطيل الأعمال وتأجيل الإنجاز وتعليق القرارات وتأخير المعاملات من الأمورالشائعة في رمضان، وهذا الاعتقاد السائد قد يعود إلى انخفاض ساعات العمل في رمضانوإلى انشغال الكثير بأمور أخرى مثل التسوق أو العبادة أو غيرها من الأعمال الأخرىولكن في المقابل يرى البعض أن رمضان بالنسبة لهم موسم رائع للعمل والكسب وفرصة لاتتكرر إلا مرة واحدة في العام.
للصوم فوائد كثيرة صحية وروحية واجتماعية وتربوية عديدة،فالمفروض أنه فرصة سنوية للمراجعة والتأمل والتقييم والنقد الذاتى على المستويينالفردى والاجتماعى بهدف القضاء على السلبيات والتخلص من الكثير من الأمراضالاجتماعية والتي أهمها هو التكاسل وقلة الإنتاجية وتعطيل الأعمال، وهذا من شأنهأن يدفع حركة المجتمع بخطى أسرع، وبإخلاص أكثر، وبوعى أفضل. المسلمون الأوائل لميواجهوا المشكلة التى نواجهها اليوم لأنهم فهموا أن رمضان شهر جهاد وعمل، لا شهرنوم وخمول وكسل، وأنه لا تعارض بين العبادة والتهجد لله، وبين العمل والجهادلعمارة الأرض وتحقيق معانى الاستخلاف، وكان نتيجة ذلك أن خاضوا حروبا حققوا فيهاأعظم الانتصارات وهم صائمون. وقد حارب المسلمون فى غزوة بدر أيام الرسول (صلى اللهعليه وسلم) وهم صائمون وانتصروا، وحارب المصريون فى شهر رمضان عام 1973م وهمصائمون وانتصروا، ولم يقلل الصوم من نشاطهم.
العبادة والعمل في الإسلام صنوان لا يفترقان وقيمتان متلازمتان،الصيام في رمضان عبارة عن دورة سنوية يعطي فرصة للإنسان ليهذب نفسه ويشعر بألمالآخرين، وشهر رمضان مدرسة ورخصة من الله بحسب الأدعية لزيادة الأجر والثواب،فالصلاة لها أجر مضاعف، وعمل الخير له أجر مضاعف، ويغلب النشاط الروحي والدينيوالتربوي على أعمال هذا الشهر الفضيل. فشهر رمضان هو شهر العبادات، تتطهر فيهالنفس ويصفى الذهن، فالصيام يزيد نشاط الإنسان وقدرته على العطاء، ففيه كان نزولالقرآن، وتمت فيه أهم الفتوحات والغزوات الإسلامية، حيث حقق المسلمون الانتصاراتوالبطولات، والتاريخ الإسلاميّ بصفحاته المضيئة جاءليمحو الصُّورة السلبية من الأذهان عن شهر رمضان، فالصوم لم يكن عائقاً يحول دونالنَّصر والتقدُّم وتحقيق الإنجازات، بل هو خير معين على ذلك، وهو خير مولدللعزيمة والإصرار. لكن في وقتنا الحاضر السهر، والإفراط في الطعام،والإكثار من الحلويات، وتغير السلوك المعيشي، بالإضافة إلى عدم تناول وجبة السحورمما يسبب الجوع طوال النهار، أسباب أخرى للخمول والكسل، تضاف إلى قلة ساعات العملخلال اليوم، وكلها أمور تؤدي في النهاية إلى نقص إنتاجية العمل في شهر رمضان.