القاهرة 30 ابريل 2019 الساعة 12:54 م
كتبت: أمل ممدوح
في مجموعة من المقالات التزمت الكادر والمشهد السينمائي ، تعد نوعا من التأريخ المتواصل للمجريات السينمائية لمدة سبع سنوات؛ صدر مؤخرا عن سلسلة آفاق السينما التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، كتابا للمخرج التسجيلي صاحب التاريخ الكبير هاشم النحاس بعنوان "داخل الكادر .. رؤى سينمائية"، وهو نفس عنوان عموده الأسبوعي في جريدة القاهرة " داخل الكادر" الذي استمر على مدار سبع سنوات متواصلة منذ عام 2007 وحتى 2014 ، ناقش في هذه المقالات العديد من الرؤى للكثير من إشكاليات السينما المصرية سواء كمؤسسة مجتمعية، أو فنية، كما تطرق لبعض الشخصيات المؤثرة في السينما المصرية، فحمل كل مقالٍ منها موضوعا أو قضيةً تتعلق بالسينما المصرية تتجاوز تاريخ نشرها، حيث ما زال أغلبها حيا حتى الآن .
يبدأ الكتاب الذي يقع في 180 صفحة بإهداء من المؤلف إلى روح صديقه الراحل الكاتب السياسي والمؤرخ الصحفي صلاح عيسى، الذي كان يرأس تحرير جريدة القاهرة في فترة كتابة هذه المقالات، مرجعا الفضل له لظهور هذه المقالات ونشرها،أما متن الكتاب فيضم 47 مقالا أعاد المؤلف ترتيبها غير ملتزم بتاريخ نشرها،مقسما إياها لخمسة عناوين رئيسية يندرج تحت كل منها عدد من المقالات يجمعها محور واحد ، العناوين الخمسة تتضمن: إشكاليات ، آفاق متعددة ، عن نجيب محفوظ ، مع عاطف الطيب ، شخصيات أخرى .
إشكاليات :
يضم هذا العنوان 17 مقالا ، بمواضيع متنوعة مثل"استراتيجية للسينما المصرية " والحديث عن وضع مبادئ أساسية وأطر منهجية لاستراتيجية علاقة الدولة بالسينما، من أهمها: الحماية، والدعم، وتوفير البنية التحتية، وإشاعة الحرية، ويقصد بالحماية تلك التي تحقق العدالة بين مصلحة كلٍ من الطرفين -الفرد والمجتمع، المنتج والمستهلك معًا، ليأخذ كل منهما حقه دون أن تطغى مصلحة أحدهما على مصلحة الآخر، وأما البنية التحتية فيرى أن على الدولة توفيرها كليا أو جزئيا وضرورة العمل على إنشاء السينماتيك، والفيديوتيك، ومتحف السينما، والتعليم، وإصدار القوانين الخاصة بها، وعن الحرية فيرى أن بدونها يصبح الفيلم مجرد صورة مسلوبة الروح، متطرقا للرقابة ولضرورة تدخل الدولة لتغيير المناخ الثقافي .
وتحت عنوان "مشاكل السينما المصرية"يذكر العديد من المشاكل التي تعاني منها السينما المصرية وتكاد أن تخنقها وخاصة في الزمن الحاضر، حيث يتعرض الإنتاج السينمائي للقرصنة واختراق رأس المال الأجنبي، وارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي والاحتكار وتعدد أنواع الضرائب والرقابة علي العمل..إلى ما لا نهاية له من المشكلات القديمة الحديثة.
ثم يأتي الحديث عن "بعض أزمات السينما المصرية"مثل قلة التمويل والإنتاج والعلاقة بين الدولة والسينما، لننتقل للحديث عن "التحديات الثقافية" التي تواجهنا في المعرفة السينمائية، كالقصور الشديد في مصادر معرفة تاريخ السينما المصرية،سواء لقلة المراجع أو عدم وجود أرشيف حقيقي للسينما لرجوع الباحثين إليه، بالإضافة للجدار العازل بين المثقفين والسينما، يتحدث أيضا في هذا القسم عن موقع "السينما المصرية من العالمية"، متحدثا عن دعائم السينما من فنان وأدوات التعبير وجمهور ورأس مال متسائلا عن مدى توفر ذلك في السينما المصرية، وينتقل للحديث عن المخرج التسجيلي مجدي عبد الرحمن مستدعيا بعضا من أحلامه السينمائية، ثم يناقش فكرة طرح دار عرض للفيلم التسجيلي, تلك الفكرة التي تراود الفنانين التسجيليين منذ الستينيات، كما يناقش فكرة الإنتاج المشترك كحلم داعب السينمائيين المصريين، مع التطرق لبعض المحاولات المجهضة في ذلك وأهم عقبات الفكرة، كالرقابة مما لا يسمح بالقدر الكافي من الحرية في تناول المشكلات الاجتماعية والسياسية، ويذهب لفكرة موت الناقد متطرقا لأزمة انحسار مساحة النقد السينمائي عالميا وتضييق مساحته، ثم"إشكالية المشهد الجنسي في السينما العربية"، ووجهتي النظر المنقسمة حوله ما بين الارتباط بالتقاليد الشرقية أو حق حرية التعبير للفنان، ويضرب المؤلف في ذلك عدة نماذج يناقشها، كما يتحدث عن مشكلات الفيلم التسجيلي وأزماته في التجديد والتطور وعن عيوبه هو والأفلام القصيرة، مثل : المعالجة التقريرية والمشاهد التمثيلية المقحمة وافتقاد وحدة الموضوع ووحدة الشعور وفقر الصورة الفيلمية واللجوء إلى المفاجأة المفتعلة، وبعنوان "نقيب أم ضابط شرطة" يتحدث المؤلف عن دور رقابة نقابة المهن السينمائية في حماية أعضائها لا توجيه الاتهامات إليهم .
آفاق متعددة :
يضم هذا الجزء تسع مقالات، بعضها يتحدث عن "عبور النوعيات"وهو عنوان ندوة للمخرج سيد سعيد، تحدث فيها عن تداخل الحدود بين الفنون والأنواع الفنية ، لنمر بموضوع "التكنولوجيا وحرية التعبير" حيث أتاحت التكنولوجيا الحديثة، قدرا أكبر من الحرية يظهر على مستوى الإنتاج, وهو ما توفره كاميرات المحمول والنشر أو البث، وهو ما توفره شبكة الإنترنت، ضاربا المثل بالفيلم القصير جدا "فرعون في السربون" للمخرج هشام جاد، ثم ننتقل إلى "استمارة سمير فريد" الناقد الكبير، حيث يتحدث المؤلف عن كتابه "مدخل إلى تاريخ السينما العربية "،ويخلص في فصله الثالث إلى مشروعه القومي لتأريخ السينما في مصر، والذي يقدم فيه استمارة فريدة من نوعها ودقتها تتكون من 63 مادة ينبغي توافرها من المعلومات عن كل فيلم يتم إنتاجه، حتى تتأسس قاعدة ثرية من المعلومات عن الأفلام تكون أساسا لوضع تاريخ السينما، إضافة إلى عرض لبقية فصول هذا الكتاب، وعن "الخيال في الفيلم التسجيلي" يتطرق للحديث عن فيلم "أي كلام" كفيلم تسجيلي به قدر كبير من الخيال والرمز، ثم ينتقل تباعا للحديث عن "لغة السينما" بالتطبيق على فيلم " الذاكرة الخصبة " إنتاج 1980, وعن "العلاقة الصحية بين الدين والسينما"، بضرب المثل بالمهرجان السينمائي للمركز الكاثوليكي للفيلم الذي يجمع بين جودة الأفلام وبين تضمنها لقيم إنسانية وأخلاقية، فهما من شروط اختيار الأفلام فيه .
عن نجيب محفوظ :
تأتي أول المقالات الست في هذا القسم عن علاقة الأديب الكبير نجيب محفوظ بالسينما، من خلال تناول فصل من كتاب الناقد الكبير سمير فريد بعنوان "نجيب محفوظ كاتبا سينمائيا" في كتابه "نجيب محفوظ سينمائيا"، وفيه يجمع كل ما عُرف عن العلاقة بين محفوظ والسينما في كتابات سابقة، مضيفا إليها ما كان غائبًا عنها ، لتتمثل هذه العلاقة في محاورعشرة هي : الأفلام التي كتبها أو اشترك في كتابتها للسينما ولم تنشر كأعمال أدبيّة، وكتاباته وحواراته المنشورة عن السينما، وتأثير اللغة السينمائيّة على أسلوبه الأدبي، والسينما في عالمه الأدبي، والأفلام الطويلة السينمائيّة والتليفزيونيّة التي أعدّت عن أعماله الأدبيّة، والأفلام القصيرة السينمائيّة والتليفزيونيّة التي أعدّت عن أعماله الأدبيّة، وأفلام طلبة معاهد السينما التي أعدّت عن أعماله الأدبيّة، والأفلام التسجيليّة والبرامج التليفزيونيّة التي أنتجت عنه أو اشترك بالظهور فيها، وأخيرًا عمله كرقيب على الأفلام السينمائية.
في نفس القسم يأتي عنوان آخر عن "سينما محفوظ الواقعية"،حيث يرى المؤلف أن محفوظ فرض على السينما المصريّة نهج الواقعية بمعناها المألوف، من تمثيل الأشياء بأقرب صورها للواقع، متجاوزا ذلك أيضا إلى ما يعنيه بريخت من الواقعية باعتبارها "اكتشاف تركيبات المعلولات والعلل فى المجتمع"، متطرقا للنزعة النقدية في واقعية محفوظ وكذلك المسحة الميلودرامية، ونصل إلى "نجيب محفوظ وأقرانه"، لنتطرق لأهم المخرجين الذين استأثروا بكتابات محفوظ، وخاصة صلاح أبو سيف الذي استأثر بكتاباته السينمائية الأولى، وكذلك نيازي مصطفى وعاطف سالم وتوفيق صالح وحسن الإمام.
وتحت عنوان "من أفضال نجيب محفوظ" يشير المؤلف إلى كتابه الذي حمل عنوان "نجيب محفوظ على الشاشة" عام 1972، والذي يكشف لأول مرة عن أدوار نجيب محفوظ المتعددة في السينما المصرية، والتي لم تكن معروفة وقتها، ومنها السيناريوهات التي كتبها للسينما مباشرة، ويشير العنوان التالي إلى " الاحتفاء بنجيب محفوظ في الرباط"، وذلك في مهرجان الرباط لسينما المؤلف في دورته السابعة عشر عام2011، حيث احتفى بمرور مائة عام على ميلاد محفوظ، ثم عنوان أخير "نجيب محفوظ والسينما وأنا" ويتضمن تجربة المؤلف مع أدب وسينما نجيب محفوظ .
مع عاطف الطيب :
ضم هذا القسم أربع مقالات عنوان أولها "سينما التحريض"، حيث يرى المؤلف أن الطيب لا ينتمي فقط لجيل من عظام المخرجين التنويريين، بل إنه يتجاوز مستوى التنوير إلى مستوى التحريض المباشر، ضاربا المثل بفيلمه الأشهر "البريء" وأفلامه الأخرى مثل "ضد الحكومة" و"كشف المستور"، والتي تناهض السلطة البوليسية والفساد وتحرض على التغيير، وعن "الطيب والشرطة" نتتبع كيف كان يتصدى الطيب لأخطاء الشرطة في عدة أفلام في زمنها، "الهرم وراء القضبان".. هنا يشار للتيار الجديد في السينما المصرية، الذي خرج من الاستوديوهات وراح يصور مشاهده في الشوارع والأماكن الواقعية، وكان عاطف الطيب أحد رواد هذه الحركة بامتياز، ومن أهم أفلامه في هذه النوعية "سواق الأتوبيس" و"كتيبة الإعدام" و"الحب فوق هضبة الهرم"، وبعنوان "مشهد أخلاقي" يستعرض المؤلف إحدى مشاهد فيلم الحب فوق هضبة الهرم والذي أثار اعتراض الرقابة وقتها، فيفنده موضحا مدى أخلاقية مضمونه في الحقيقة وما قصد منه .
شخصيات أخرى :
وهو آخر أقسام الكتاب ويضم 11 مقالا منها : "الابن الأثير لأستوديو مصر" ويتحدث فيه عن المخرج أحمد بدرخان، الذي أرسله طلعت حرب فى أول بعثة مصرية لدراسة السينما بالخارج على نفقة الاستوديو، ليعود مخرجا بنفس الأستوديو، فأخرج له فيلم "شيء من لا شيء " ومن بعده سبعة أعمال أخرى، وبعنوان "كمال أبو العلا شاعر المونتاج" يقدم المؤلف شهادته الفنية عن هذا المونتير الهام متحدثا عن أول أعمالهما معا "خيامية "وأعمال أخرى، ثم عن "فريد المزاوي رائد الثقافة السينمائية" فهو رائد حركة الثقافة السينمائية المصرية المعاصرة، ومؤسس ومدير ندوة الفيلم المختار التي كانت شرارة الانطلاق التي تولدت عنها "جمعية الفيلم" عام1959، وهو أيضا مؤسس"المهرجان الكاثوليكي المصري للسينما" في 1952، "المزاوي وتلميذه".. هنا يروي المؤلف حكايته مع المزاوي كتلميذ له.. كيف بدأت وكيف تطورت وكيف أثر فيه فنيا، "التلمساني ومهرجان الإسماعيلية".. حيث الحديث عن المصور السينمائي محسن التلمساني, وعن تكريم مهرجان الإسماعيلية له بعد رحيله، مع الإشارة لواحد من أهم أفلامه وأكثرها تميزا "ينابيع الشمس".
يتوقف المؤلف أيضا عند" صلاح أبو سيف وطاقته الإبداعية المتجددة "، وعند "نور الشريف" وذكرياته الفنية معه وعنه، ثم ينعي المؤلف المخرج الهام "توفيق صالح" مشيرا إلى فيلمه "درب المهابيل" مع لمحات من سيرته الفنية، ويتوقف أيضا مودعا الناقد "رفيق الصبان" مشيرا إلى مراحل سيرته الفنية والنقدية بدءا من كتابة وإنتاج فيلمه "زائر الفجر" وأفلاما أخرى كفيلم "حبيبي دائما" و"ليلة ساحنة" وغيرها، "من فرسان السينما في مصر".. تحت هذا العنوان يتحدث المؤلف عن مدكور ثابت أستاذ السينما الأكاديمي والكاتب المثقف مشيرا لعدد من أفلامه وإصداراته الهامة.
* الكتاب رقم 93 في السلسلة، تصميم الغلاف لجوزيف الديك ، رئيس تحرير د. يحي عزمي ، مدير تحرير أمل ممدوح , وأمين عام النشر جرجس شكري.