القاهرة 02 ابريل 2019 الساعة 10:00 ص
كتب: د.محمد السيد إسماعيل
العنوان الذى اختاره الشاعر أحمد إبراهيم لديونه " له علاقة بالمطر" عنوان لافت فعودة الضمير – فى بداية العنوان – على مجهول يفتح باب التأويل وإطلاق طاقات الخيال وتعدد الدلالات فهو – أى هذا الضمير – قد يعنى " الشعر " نفسه وتكون علاقته بالمطر علاقة مشابهة فى الأثر لأنهما يغيران طبيعة الوجود فالشعر – كما قيل قديما – يؤكد صفات الخير فى الإنسان, ويحوله من البخل إلى الكرم ومن الجبن إلى الشجاعة بل إنه يحول الإنسان من كائن فان إلى كائن خالد الذكر .
الشعر إذن أداة السحر التى تغير طبيعة الإنسان وللمطر تأثير مشابه فهو يحول الجدب خصبا والموت حياة وقد يعود الضمير إلى الحب الذى لايخرج عن هذه الدلالات نفسها فهو رابطة الإنسان الوثقى بالحياة وبالله كما يقول المتصوفة, ومصداقا لهذا التأويل تحتل الأنثى محورا رئيسيا فى هذا الديوان وتأخذ صورا عديدة يمكن وصفها بالتحول من حالة إلى نقيضها شأنها شأن الحياة نفسها.
ومن الحقيقة إلى الرمز وفى التعامل الواقعى معها ينزع الشاعر تلك الهالة الرومانسية التى تحيط بها ويبدو ذلك من قوله :
" هواك ليس المبتدا ولا الخبر / ولست أول امرأة ولا بآخر النساء / ما أنت بالمبرأة / من الذنوب فى الخفاء /ولا أميرة التقى ومستجابة الدعاء " ( " له علاقة بالمطر " أحمد إبراهيم جاد ص17الهيئة المصرية العامة للكتاب 2016) .
وكما ينزع عن الحبيبة هذه الهالة المعتادة ينزعها عن نفسه أيضا فهو ليس الفارس أو الأمير أو الرجل المعجز يقول :
" وما أنا بمعجز بين الرجال / ولا أمير بلدة / فى كوكب من المحال "
هذا التعامل الواقعى مع الأنثى ومع الذات ينأى بالعلاقة عن الرؤية الرومانسية التى تؤكد غياب كل شىء بغياب الحبيبة، فالإيمان بالإرادة العليا الحاكمة للكون يظل هو الرؤية السائدة فى الديوان, وهذا هو الخطاب الذى يتوجه به الشاعر إلى حبيبته:
" أنا بدونك الحياة لن تموت / والشمس لن تغيب / أو يقرر الضوء الخفوت "
وفى موضع آخر من هذه القصيدة التى تحمل عنوان " للآلى حالها " يستخدم الشاعر الأسلوب الحجاجى القائم على الاستفهام الاستنكارى الممثل فى هذه الأسئلة المتتابعة:
" من قال أن يقصى الربيع عن الجمال / وأن تهدد الشموع الحالمات باغتيال / وأن يمارس المجون فى طقوس الابتهال /وأن يقال شاعر وما شعر / أو أن يكون عازف ولا وتر / هل يستوى البحران "
واستنكار ممارسة المجون فى طقوس الابتهال يذكرنا بقول العقاد : " إذا كان لابد من الخمر والطلا / ففى غير بيت كان من قبل معبدى "
فأحمد إبراهيم ابن التراث الشعرى يحاكيه ويتمثله دون أن يلغى هذا شخصيته المستقلة وفى قصيدة " منتهى هذا الطريق " تبدو صورة المرأة " الخزفية " التى تقف فى المنتصف كأنها تحفة بكماء جامدة وهى على النقيض من الشاعر الذى يصف نفسه بقوله: " وأنا دم لحم حريق / دلنى ياأيها القلب المعذب / كيف أنجو من مطاردة الخزف "
وفى حين أنها " غانية لكل الأشقياء " و"نار بلا دفء وغيم كاذب وبحار جدب " يبدو قلب الشاعر وقد " تخاطفه السماوات العلا / ويرق للباكين فى صلواتهم للنجم / حين دعته نجمته بليل فانحرف "
وهنا تظهر ثنائية الحسى والروحى أو ابتذال الجسد وسمو الروح, وتظهر انشغالات الشاعر العامة بالناس وقضاياهم حين يقول:
" الناس مشغولون بالأقوال / لكنى أنا / بالناس منشغل أسى "
بهذه الرؤية الإنسانية يرفض الشاعر معاملة أنثاه كأنها سلعة للاقتناء, فهو ضد تسليع الأنثى الذى شاع فى العصر الحديث عصر تشيؤ الإنسان وافتقاد قيمة العلاقات الإنسانية السوية التى لاحظها الشاعر فى مظاهر الكون التى تبدو على هذا " النجم " العاشق الذى " دعته نجمته بليل فانحرف "
وتكاد هذه الرؤية أن تكون رؤية صوفية ترى الوجود كله قائما على الحب وأحيانا تبدو المرأة " موزعة " غير مستقرة على حال فهى " مثل الفصول الأربعة / نسيمها فى المبتدا وتنتهى بزوبعة / فتارة رقيقة وتارة مروعة ".
وتوظيف النسيم والزوبعة لتصوير حالات هذه الأنثى تصوير استعارى يؤكد شاعرية هذه السطور وأحيانا تكون الأنثى رمزا للوطن, ويظهر ذلك من استخدام بعض الدوال حين يقول – مثلا- :
" إن هان تاجك فالوجود خرائب / كل الممالك لاتساوى خردلة "
وامتدادا لهذا نجد مايمكن أن نسميه بالفخر الوطنى حين يتحدث الشاعر بضمير الجمع قائلا :
" وفى هام الزمان لنا نشيد / وعلمنا الورى معنى البطولة "
ولا شك فى أن الشواهد السابقة تؤكد إيمان الشاعر بوظيفية الشعر ودوره , وشعرنا حريص على إيقاع التفعيلة وتواتر القافية, وله حق اختيار الشكل الذى يريده, ولعل هذا الحرص على التفعيلة والقافية بل والجناس أحيانا يرجع إلى استهداف القارىء والرغبة فى التأثير فيه.
ومن عوامل استهداف القارىء أيضا توظيف الأمثال الشعبية من قبيل قوله:
" فى حبها لا ذقت تمر الشام أو عنب اليمن " والأمثال العربية الموروثة فى قوله " أخرجتنى صفر اليدين / وجعلتنى ما بين بين / وسلبتنى كل المنى / وتركت لى خفى حنين " و" رجع بخفى حنين "
يدل – كما هو معروف – على خيبة المسعى .
يبقى أن أشير إلى شيوع ظاهرة التشخيص فى الديوان؛ وهو ما يؤكد الرؤية الاستعارية وأنسنة الماديات وظواهر الطبيعة, وكذلك ظاهرة المفارقة وغالبا ما تكون بين حالة وأخرى فى قوله:
" خبأت عندك ذكرياتى / خبأت سكينا وغلقت المنافذ والطرق " .