القاهرة 02 ابريل 2019 الساعة 09:29 ص
كتبت: هالة الشارونى
عندما يتسبّب تعارض طموح الأب مع طموح الأم فى الاختلاف والتصادم بينهما، يستطيع الأبناء أن يكون لهم دور فى التقريب بينهما.
الأب صاحب مصنع لملابس البنات، وزوجته هى التى تقوم بابتكار تصميمات " الموديلات " الجديدة التى تلقى أكبر نجاح.
كل من الأب والأم يريد أن تكون له الكلمة العُليا والنهائية فى إدارة العمل، وعندما يتدخــّل الزوج لفرض رأيه فى تصميمات زوجته، تترك العمل فى المصنع وتعتكف فى البيت.
لهما ابن وابنة فى سن المُراهقة (12 و 11 سنة) يجدان أنه لابد من تدخلهما للتخفيف من أثر هذه الخلافات المُستمرة عليهما، فيقترحان أن تستقل الأم بمحل لها بعيدًا عن مصانع الأب.
لكن الأب يعود فيستعين - فى مصنعه - بالتصميمات الجديدة التى تُصمِّمها زوجته لمحلها الخاص، بغير إذن منها، لأن تصميماتها كانت سبب نجاح إنتاج مصانعه. وهكذا تستمر المُنازعات العنيفة بين الزوج والزوجة، وانعكاساتها السلبية على نفسية الابن والابنة.
ومرة ثانية يتدخّل الابنان لإقناع الأب بأن يُغيِّر إنتاج مصانعه إلى صناعة قميص وبنطلون الصبيان - بمواصفات قياسية موحدة - تلبية لحاجة تصدير هذا المُنتج، وذلك لكى لا يظل فى حاجة إلى تصميمات زوجته المتنوعة الجديدة فى كل موسم لملابس البنات.
وتنجح فكرة الأبناء نجاحًا كبيرًا، ويصبح الأب من كبار رجال الصناعة والأعمـال، لكن بغير خبرة كافية بتقلبات السوق، فى نفس الوقت الذى تنجح فيه الأم فى محلها لصُنع وبيع ملابس البنات، والذى تحلم بأن تمكنها أرباحها منه لبناء بيت للأسرة، يدعم النجاح الاجتماعى بجوار النجاح الاقتصادى.
لكن فجأة، وبسبب قطع العلاقات مع البلاد التى يتم إليها تصدير إنتاج الأب، يتوقــّف تصدير قــُمصان وبنطلونات الأولاد التى تخصص الأب فى تصنيعها، فينهار الأب، ويُصاب بأزمة قلبية.
هنا يعـود الابنـان ليقتـرحـا علـى الأم أن تتعـاون مـع الأب بمـا لديهـا مـن أربـاح محلهـا، ليُسـدِّد ما عليه من ديون للبنوك، على أن يُعيد إليها هذه الأموال فى المُستقبل، وأيضـًـا تعود لتصميم ملابس البنات لمصانع زوجها فى مُقابل أن يُعطيها ثمنـًـا لكُل تصميم.
وهكذا يعود التعاون ليحل محل التنافس فى علاقة الوالدين، وذلك بفضل الدور الذى قام به الأبناء.
* * *
القصة تستفيد من رصد تغير اهتمامات الطبقة الوسطى من المجتمع المصرى، واتجاهها نحو الصناعة، بديلاً عن التركيز على شغل وظائف ثابتة، حكومية غالبًا.
لكنها ترصد أيضًا قلة الخبرة فى مجال إدارة مثل هذه الأعمال الصناعية، مثل أهمية تنوع المنتج لمجابهة تقلبات السوق، وتأثير الأسواق الخارجية على فرص الصناعة المحلية، وأهمية الاحتفاظ باحتياطى لتجنب الانهيار عند مواجهة الأزمات.
كل هذا يؤكد كيف أصبح أدب الأطفال المصرى، مرآة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة، وأثرها على علاقات وسلوك واتجاهات أفراد الأسرة من الطبقة المتوسطة، فى المدينة، فى بداية القرن الواحد والعشرين.
كما تقوم الرواية على تصوير تطور دور المرأة المصرية، وإقدامها على اقتحام عالم الصناعة والأعمال التجارية، وحاجتها إلى التعرف على أساليب التفاوض وحل المشكلات مع مجتمع ذكورى يريد أن يحتفظ لنفسه بالسيطرة، بغير اضطرارها إلى استخدام أساليب المرأة التقليدية مثل الانسحاب والاعتكاف والخصام.
وتقدم الرواية أيضًا، فى بناء فنى إنسانى متماسك شديد الجاذبية، يجعلنا نتعايش بقوة مع شخصياتها، كيف تؤثر خلافات الوالدين على نفسية الأبناء، بينما الآباء غافلون عن الأثر السلبى العميق لخلافاتهم على نفسية الأبناء.
والأهم من كل ما سبق، تغير دور الأبناء، من الاكتفاء بالطاعة الظاهرية للوالدين بغير مناقشة، والانكفاء على الذات أو الاكتفاء بجماعة الرفقاء، إلى الإيجابية والمشاركة وإبداء الرأى فى مواجهة الكبار، وعلى وجه خاص الوالدين.
وعلى الرغم من كل ما يبديه الكبار من رفض وعدم تــَقبل لمحاولات الأبناء، تقدم الرواية كيف نجح إصرار الأبناء فى اختيار طرق حكيمة وحسّاسة لكسر الحواجز التى اعتاد الآباء والأمهات أن يقيموها، فى وجه أية محاولة من الأبناء للمشاركة فى صياغة قرارات الوالدين المتعلقة بأهم أمور الحياة المشتركة للأسرة.
إن أسرة ينشغل فيها الأب والأم بالصناعة والتجارة، لابد أن تقدم نموذجًا مختلفًا من الأبناء.
يذكر أن الرواية صادرة عن دار نهضة مصر.