القاهرة 01 ابريل 2019 الساعة 01:40 م
المحرر الثقافي ـ المغرب
استئناف السؤال الإسلامي والتفسير منطلقات أساسية للنهوض بالدراسات الإسلامية
اختار الدكتور وليد صالح (الحاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة ييل بأمريكا والمدرس بمجلس أبحاث العلوم الإنسانية في كندا)، تناول موضوع شائك ومهمل في الدراسات الإسلامية، ألا وهو التفسير، الذي لم يكن من العلوم المركزية مثل الفقه وعلم الكلام، بل كان هامشيا، معتبرا أن الحديث عنه اليوم أمر مهم.
وأوضح وليد صالح في محاضرة له في اليوم الأخير من الدورة الأولى من الجامعة الربيعية، التي نظمتها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" بمدينة مراكش (المغربية) نهاية شهر مارس (آذار) 2019، حول "دراسة الإسلام اليوم: نحو دراسات إسلامية برؤى متعددة"، أن القصد من تناول هذا الموضوع، واستعراض المدارس التفسيرية المختلفة، ومساراتها التاريخية وتطوراتها، يأتي بهدف التعرف على مسيرة تأويل وفهم القرآن عند المسلمين، إلى جانب التعرف على تطور أشكال تعاملهم مع هذا النص المقدس.
وذكر في محاضرة له بعنوان "البدايات التاريخية وطبيعة كتابة التفسير عند المسلمين"، أنه في القرن 19 برزت ثلاث مدارس تفسيرية كبرى، هي: المدرسة التفسيرية التقليدية المنبنية على النظرة الأشعرية، ولعل أهم من يمثلها هو كتاب "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" للبيضاوي، والمدرسة الثانية هي مدرسة التفسير بالمأثور، والتي يمثلها تفسير ابن كثير. ثم المدرسة ذات التوجه القومي، والتي تعنى بالنحو وقواعد اللغة في تفسير النص القرآني.
وأوضح الدكتور وليد صالح، الذي يعد من أبرز الباحثين المعاصرين في الدراسات القرآنية والتفسير، أن انحسار علم الكلام، الذي كان طاغيا بشكل كبير، هو الذي جعل التفسير يزدهر، حيث صعد كتاب "أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي، وحل محل كتاب "الكشاف" للزمخشري، الكتاب الاعتزالي الذي كان سائدا لسنوات، وهو الشيء الذي تحقق بفعل بروز "النقوية الجديدة"، بتعبير الباحث، وظهور الطباعة، حيث ظهرت حواشي كثيرة على كتاب البيضاوي.
وفي نهاية القرن 19 سيصدر كتاب مهم هو "الذر المنثور" للسيوطي، وسيكون بداية ثورة إسلامية حقيقية، حسب وليد صالح، ستبرز في منتصف القرن العشرين، مع كتاب "التحرير والتنوير" للشيخ الطاهر ابن عاشور، الذي يعد من أهم كتب التفسير في العالم العربي، ومن أحسن تفاسير المعاصرين وأرسخها علما، وأقواها تحقيقا، حيث لا وجود فيه لابن كثير وابن تيمية، وهي شجاعة كبيرة ونقطة تحول مهمة من هذا الشيخ التونسي.
وخلص الباحث إلى أن مصطلح التفسير بالمأثور هو عمدة المصطلحات الموروثة، وأن هذا المصطلح مُنهج ليستعمل لفهم التفسير في العالم العربي لتقويض التيار الحداثي الليبرالي، مشيرا إلى أن كل هذا يتراجع اليوم ، وأننا في طريقنا إلى إحياء لتراث الأشعري. وقال إن دراسة التفسير في العالم العربي كانت ريادية، وأن ما نحتاجه اليوم هو الاهتمام أكثر بالموضوع وشرح تعقيداته
ه.
وانطلاقا من تجربتها الخاصة كمسيحية تدرس القرآن الكريم، تناولت الدكتورة كلير وايلد (الأستاذة المساعدة بكلية اللاهوت والدراسات الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية بجامعة كرونينغن بهولندا)، موضوع تدريس النص القرآني بالجامعات الغربية، والإكراهات والمعيقات التي تعترض المشتغل عليه، خاصة إن كان لا يحمل الخلفية الإسلامية، وليس مشبعا بالدين الإسلامي.
وتساءلت ويلد: كيف أدرس القرآن وأنا مسيحية؟ وما معنى دراسة القرآن من طرف مسيحية؟ وما هي الإضافات النوعية التي يمكن أن أقدمها في هذا الموضوع؟
هذه الأسئلة المستفزة التي سبق وقوبلت بها هذه الباحثة، إلى جانب كونها امرأة مسيحية فوق ذلك كله، دفعها إلى ركوب المغامرة، وإلى دراسة القرآن في سياق أكاديمي، خاصة أنه يشكل جزءا من مسار الأكاديمية الغربية، التي لا ترى أي حرج في تدريس كل الأديان، لكن شريطة توفر العدة المعرفية اللازمة لذلك، ولا يهم إن كان مسيحيا أو يهوديا.
وقدمت الدكتورة كلير وايلد، المتحصلة على الدكتوراه في تاريخ الكنيسة من الجامعة الكاثوليكية الأريكية في واشنطن، والتي انضمت إلى كلية اللاهوت والدراسات الدينية بهولندا، كمتخصصة في تاريخ الإسلام المبكر، وتحديدا "اليهودية والمسيحية والإسلام في مراحلهم التكوينية"، مجموعة من الملاحظات حول دراسة القرآن في الجامعات الغربية، والمشاكل التي يواجهونها في دراساتهم، لأنه في كثير من البلدان التي لا توجد بها جاليات مسلمة كثيرة، يعتبرون القرآن خارج الدين، وكتابا للأعداء، فيما يظل الموضوع في بلدان أخرى ذو طابع أمني.
وأوضحت أن الأكاديميات الغربية صارت اليوم تهتم بشكل كبير بالقرآن، وصار يلقن في الدراسات المقارنة واللاهوتية، ولكن ما يقدم فيه هو مجرد دراسات كلاسيكية تقليدية يفتقر أغلبها إلى منهج علمي محدد، مشيرة إلى أكبر التحديات التي تواجه دارس القرآن في الغرب، وهي أولا تحدي اللغة، لأنه حتى لو تم إتقان اللغة العربية، فإن الإعجاز اللغوي للقرآن يطرح نفسه، ويدفعنا إلى شرح التأويلات المختلفة، وهو أمر صعب، ثم التحدي الثقافي، فأغلب الدارسين لا خلفية ثقافية إسلامية لهم.
وحتى يتم فهم القرآن من قبل الدارسين الغربيين، اقترحت الباحثة اعتماد مقاربات منهجية لتدريس القرآن، أولها علم الإدراك التاريخي، حيث يتم إدراج النصوص المسيحية التي اهتمت بالقرآن في الدراسات الإسلامية، وقالت: "عوض أن نستورد المنهجية الغربية لدراسية القرآن، لم لا نبدأ بالنصوص المسيحية الأولى التي ناقشت القرآن باللغة العربية في دراسات واسعة، وهي التي ستغني هذه الدراسات.
وختمت الباحثة بقولها: "الدراسات القرآنية كانت بالنسبة إلي نافذة ساعدتني في فهم ديني وعقيدتي
".
أما الدكتور عبد الحكيم أجهر (أستاذ مشارك في الدراسات الإسلامية وقسم العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة خليفة بالإمارات)، فكانت محاضرته عبارة عن تساؤلات فكرية عميقة، حول الهدف من دراسة الفكر الإسلامي، وعن اتجاهات الدراسات الإسلامية، خاصة وأنه يعد من أبرز المتخصصين في الفكر الإسلامي، وله العديد من الكتب ن من بينها: "ابن تيمية واستئناف القول الفلسفي في الإسلام" 2004، و"التشكلات المبكرة للفكر الإسلامي" 2005، و"أبو البركات البغدادي، بناء العالم على مسائل الدين ودرس في الهوية" 2010.
انطلق في محاضرته من سؤال: لماذا ندرس الإسلام وكيف ندرسه؟ وهو سؤال راهني ومقلق، خصوصا بعد صدور كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد، وهو الكتاب الذي يطرح فيه إدوارد سؤالا مهما على الغرب، وهو كيف ينظرون إلى الآخر؟ السؤال الذي كان مؤرقا، وجهل العديد من الكتابات تتواتر حوله. ومن هنا تساءل أجهر عن كيفية نظر الشرق لذاته، وهل ننظر لأنفسنا وفق ما حدده الغرب لنا؟
وبعد استعراضه لمجموعة من الأفكار والطروحات لمفكرين وفلاسفة غربيين أبرزهم الفيلسوف الفرنسي هنري كوربان، الذي يرى بأن الفلسفة في العالم العربي الإسلامي بدأت مع الكندي، وانتهت مع ابن رشد، ولكنها استمرت مع الغزالي في إيران، عاب أجهر على الباحثين العرب محاولة إدخال الحداثة إلى الفكر العربي الإسلامي، من خلال عقد مقارنات مع الفكر الأوربي، وانتقد سعي المفكرين العرب التأكيد على التشابه بين التراث الإسلامي والفلسفة الأوروبية الحديثة، فرأى أن الحداثة لا تكون بعقد المقاربات والمقارنات والتأكيد على تشابهنا مع الغرب، ولكن من خلال استئناف السؤال الإسلامي الأساسي الذي يسعى لاكتشاف علاقة الله بالعالم، في عصرٍ أصبح يتمتع بمعطيات علمية وفلسفية جديدة، ولهذا نجده يدعو إلى "استئناف التفكير في علاقة الله "الحقيقة" بالعالم بطريقة ممتلئة بالخبرة التراثية دون تقليد التراث، ولا إحياء نصوصه، ولكن من خلال إيجاد إجابات جديدة تلعب فيها النصوص التراثية كلها دون استثناء دور المُدرِّب على تعليمنا فن الإجابة عن السؤال".
وخلص أجهر إلى أنه عبر ثلاثة مداخل أساسية، وهي: التاريخ، النص، والسؤال، يمكن لنا اليوم الخروج بالدراسات الإسلامية من الأزمة المحدقة بها اليوم، والعودة إلى السؤال الإسلامي الأساسي، وللفترة المبكرة التي قامت بتأسيس نظريات عن العالم.