القاهرة 26 مارس 2019 الساعة 02:54 م
كتب: د. شريف الجيار
يمثل الأستاذ "يعقوب الشاروني" (1931م- ) أيقونة إبداعية، في مجال التخييل السَّردي الخاص بالطفل المصري والعربي، فهو رائد من رواد العطاء والإنجاز الفني، طيلة ما يزيد عن نصف قرن من الزمان؛ حيث استطاع بذائقة المبدع المتميز أن يطرح نصوصًا سردية جاذبة، ومنخرطة في التاريخ والمعارف المتنوعة، عبر أسلوب شائق للطفل والأسرة، ومعجم لفظي يلائم ثقافة الطفل المصري والعربي، في مراحل عمره المختلفة.
والمتأمل في مشروع الشاروني، يدرك أن نصه السردي استلهم روافد ثقافية ومعرفية وتاريخية وجغرافية متنوعة؛ حيث تناص مع التاريخ الفرعوني، والإسلامي، وعوالم ألف ليلة وليلة، والتاريخ المعاصر، كما في قصصه (سر الاختفاء العجيب، والرحلة العجيبة لعروس النيل، ألف حكاية وحكاية، وحكاية رادوبيس، والفرس المسحورة، وتائه في القناة ...)، وغيرها من القصص، التي يعرف الطفل من خلالها تاريخ مصر، وجغرافيتها، فضلاً عن القيم التربوية، والسلوكيات الإيجابية التي يبثها الشاروني في طوايا نصوصه، فضلاً عن الانتماء الذي يمثل تيمة أساسية في نصوصه، إلى جانب ذلك يدخلنا الشاروني إلى عوالم الصحراء والبحار والتكنولوجيا، ودائمًا ما يجعل الطفل يفكر ويشارك في بناء الرؤية، داخل السياق الفني، ويجد الحلول الإيجابية، التي تتفاعل مع الأسرة والمجتمع، كما نرى في قصة (مغامرة زهرة مع الشجرة)، التي تفاعل فيها الأطفال لحماية الشجرة من القطع، ويبث الشاروني قدرًا وافيًا من المعلومات والمعارف، التي لا تثقف الطفل فحسب، بل والأسرة أيضًا، لا سيما الأم التي تمثل مصدرًا معرفيًّا وقرائيًّا مهما للطفل.
والمتأمل في نصوص الشاروني، يلحظ أن الحوار يمثل بنية مركزية في شعرية عالمه الإبداعي، فيضفره دائمًا بالسرد، الذي يتجلى متنوعًا في أصواته، التي تهب الطفل القدرة على الحوار، والنقاش، والمواجهة، حتى يكاد يشعر المتلقي أنه حيال مشهدية مسرحية، وسرد بصري سيناريستي، ينتقل بالطفل من واقع الكتابة، إلى عالم المتخيل، فالكاتب بدأ مشروعه مبدعًا للنص المسرحي، حيث حصل على الجائزة الأولى للتأليف المسرحي عامي 1960م و1962م، من وزارة الثقافة المصرية، عن مسرحيتيه (أبطال بلدنا، وجنينة المحطة)، وقد كرمه الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر".
ويحسب لهذا الرائد، أنه انفتح على الأجيال المختلفة، لا سيما شباب المبدعين، في الندوات والمؤتمرات، والورش الإبداعية، وقد تجسد ذلك بشكل واضح، في الملتقى الثقافي الذي كان يعقده في منزله بالمنيل، طوال عقود، وما يزال يعقده في مركز توثيق وبحوث أدب الأطفال، وهو لقاء يجمع الكبار والشباب في مجال أدب الطفل، في حالة من تلاقح الخبرات، ومناقشة الأعمال الجديدة، والنصوص الإبداعية قبل النشر، وهو ما أثمر أسماء جديدة في مجال الكتابة للطفل، حصل بعضهم على جوائز مصرية وعربية، فضلاً عن مساندة الأستاذ "يعقوب الشاروني" للعديد من الباحثين في العمل الأكاديمي المصري والعربي، في مجال أدب الطفل، وهو ما يؤكد أننا حيال كاتب استثنائي، يمثل تجربة فريدة، في العطاء والإنجاز، على صعيد التأليف، والترجمة، والعمل الأكاديمي، والانخراط في العمل العام. فتحية لهذا الرائد الذي ما زال يسعدنا بإبداعه وخبراته ورؤاه البناءة.